شبكة النبأ: ليس من باب الرأي المسبق
ولا الشعور بتجذّر العداء للنهج الامريكي الذي (لا يبحث إلا عن مصالحه
وعما يلائمها ويقف معها/ كما حدث ذلك في المنظور السياسي القريب وفق
سياسة بوش المنتهية ولايته مؤخرا)، ليس من هذا الباب أن نعلن غياب
الثقة بيننا وبين الامريكان، واستفحال هاجس الحس بالمصلحية والمسار
البراغماتي الذي يؤطر ويمنهج السياسة الامريكية برمتها، بل هناك وقائع
السنوات الست الماضية التي بيّنت صدق هواجس العراقيين حيال هذه السياسة
التي لاترى الأرض وما يحدث فوقها إلاّ بعين المنفعة بغض النظر عما
يخسره الآخرون في الجانبين المادي والمعنوي في آن.
لقد جرّب العراقيون في السنوات الست الماضية واقعا مريرا هو واقع
الاحتلال الشمولي القاسي بل أجبروا على الخوض في هذا الواقع مقابل
خسائر فادحة فرضتها عليهم فاتورة الحسابات الدولية والاقليمية وحتى
المحلية منها، ومجمل هذا التضحيات والخسائر تتلخص بتحويل الساحة
العراقية الى أرض مفتوحة للتصفيات الدولية والاقليمية، ولعل الجملة
التي لن ينساها العراقيون ابدا تلك التي كان يرددها الساسة الامريكون
وبوش في المقدمة منهم (إن العراق اصبح الجبهة الاولى في العالم لمحاربة
الارهاب) وهي التي حصدت مئات الآلاف من ارواح الشعب العراقي وجلهم من
الطبقات الادنى مقابل ان تصل امريكا وغيرها من دول الجوار الى تركيبة
سياسية عراقية تضمن لهم مصالحهم الحيوية كما يرددون هم قبل غيرهم.
لنصل الآن الى اليوم الذي سيغادر به المحتلون مدننا وفقا للاتفاقية
الامنية المعروفة، ولعلنا لن ننسى تلك التصريحات التي رددها السياسيون
لا سيما العراقيون منهم، حين كانوا يؤكدون بأن خلاصنا يكمن في الدخول
بهذه الاتفاقية وانها المنفذ الوحيد للعراقين في الخروج من البند
السابع الذي يكبل سيادة العراق، ولكن من منا لم يسمع بما قامت به
الكويت مؤخرا حول اعتراضها على خروج العراق من البند السابع، ثم هل خرج
العراق فعلا من هذا البند وهل هناك بوادر اكيدة تشير الى ذلك ؟؟ وأين
ذهبت تصريحات الساسة حول هذا الموضوع، أم أننا سنحاول من جديد ان
نتجاوز عنق الزجاجة!!.
ان المرحلة (القادمة) التي نعيشها الآن لم تعط ثمارها كما يجب او
كما هو متوقع من لدن الشعب العراقي، حيث لا تزال دول الجوار تحاصر
العراق وتضغط عليه بشتى الوسائل كما جرى مع الكويت ومطالباتها
بالتعويضات أثر الغزو الصدامي لها، وتركيا التي أخذت تمارس سياسة ضغط
مائية واضحة، كما تفعل ايران وهي تقطع الروافد المائية عن الاهوار كما
ذكرت بعض وسائل الاعلام، في حين تحاول سوريا ان تجيّر طبيعة العلاقة مع
العراق وفقا لمصالحها الدولية والاقليمية ايضا.
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه الآن بقوة، هل يعني الانسحاب الامريكي
من مدن العراق إنهاء للاحتلال او بداية لإنهائه ولانهاء الحسابات
الدولية والاقليمية التي غالبا ما تعود بالاضرار الفادحة على العراقيين
؟؟..
أن هذا الامر مرهون بالمرحلة التي ستلحق بانسحاب القوات الامريكية
الى خارج المدن، ولكن الدلائل بل التجربة تشير الى انه ليس كل ما يُقال
او يُكتب على الورق سيتحقق على الارض، ولنا في توقيع الاتفاقية الامنية
الاخيرة بين جمهورية العراق والولايات المتحدة الامريكية وما تبعها من
وقائع سياسية وغيرها دليل على قولنا هذا، ولذلك ينبغي غياب مظاهر
الاحتلال من اجل ان نشعر كعراقيين ان هناك نية فعلية لانها ءالاحتلال
ومن بين هذه المظاهر:
1- أن يلمس المواطن حراكا اقتصاديا ملموسا وتنمية واضحة تعود عليه
بالنفع المباشر والقضاء على مظاهر البطالة المقنعة والحقيقية منها لكي
يشعر المواطن بأن البلد حر وفي حالة تقدم متواصلة.
2- ان لا يبقى الواقع السياسي مرهونا بتصارع الاحزاب والكتل
والمحاصصة، كما اشار اوباما ضمنا الى ذلك في مؤتمره الصحفي الأخير مع
المستشارة الألمانية، حيث الاشارة والقول لايكفي ولا يجوز ان يحل محل
الفعل.
3- أن لا ينحصر إلغاء الاحتلال بالمظهر العسكري حصرا، بل ينبغي ان
يتعداه الى المجالات الاخرى التي اضرت بحياة العراقيين بسبب الاحتلال
حيث الجانب العسكري هو احد مظاهر الاحتلال وليس كلها.
4- أن لا يُغالى بتعميم المظاهر العسكرية كرد فعل للانسحاب بل ينبغي
التعامل مع الامر وفق نظرة واقعية متمدنة.
5- أن يتذكر المسؤولون العراقيون والامريكيون بأن تصريحاتهم في هذا
المجال او ذاك يجب أن تتحول الى واقع عملي يتجسد على الارض.
وأخيرا نتمنى فقط أن تتغير القاعدة الامريكية المتبعة في الدفاع عن
النفس من (إطلق النار قبل أن تطرح الأسئلة) الى (إطرح الأسئلة قبل أن
تطلق النار)!!!. |