الأزمة الاقتصادية العالمية.. رؤى اسلامية

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: عندما بزغت شمس الاسلام وأضاءت ظلام الواقع العربي في الجزيرة العربية في صدر الرسالة، بدأت تتأسس وتنمو وتترسخ مبادئ اقتصادية قائمة على المساواة والعدل في توزيع الثروات والاموال التي ترد الى بيت المال، ونشطت حركت التجارة ونمت اقتصاديات المدن الاسلامية العربية التي امتدت على مساحات شاسعة تجاوزت حدود الجزيرة العربية الى آفاق بعيدة وواسعة، ولعل التأسيس العادل الاول الذي ظهر في مسيرة الاقتصاد العالمي تجسد في الخطوات التي انتهجها الاسلام ومنها ما قام به الامام علي بن ابي طالب (ع) من توزيع متساوٍ لأموال المسلمين الموجودة في بيت المال على جميع المسلمين من دون تفرقة او اجحاف بحق هذا او ذاك من المواطنين، فهم جميعا سواسية بما تدره ارض المسلمين من خيرات وثروات متعددة المصادر، لذلك كان الامام علي (ع) يستغرب ظهور فقير في هذا المكان او ذاك، وقد أورد لنا سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي في كتابه الثمين (السياسة من واقع الاسلام) ما يدعم منهج الامام (ع) في هذا الصدد حيث جاء في هذا الكتاب:

(كان الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يمشي في سكك الكوفة، فنظر إلى رجل يستعطي الناس: فوجه الإمام السؤال إلى من حولـه من الناس قائلاً:

ما هذا؟

فقالوا: إنه نصراني كبر وشاخ ولم يقدر على العمل، وليس لـه مال يعيش به، فيكتنف الناس..

فقال الإمام ـ في غضب ـ : استعملتموه على شبابه حتى إذا كبر تركتموه؟

ثم جعل الإمام عليه السلام لذاك النصراني من بيت مال المسلمين مرتباً خاصاً ليعيش به حتى يأتيه الموت-1-.

وهذا يدل على أن الفقر كاد أن لا يرى لنفسه مجالاً في الدولة الإسلامية حتى إذا رأى الإمام أمير المؤمنين عليه السلام فقيراً واحداً كان يستغرب، ويعتبره ظاهرة غير طبيعية وغير لائقة بالمجتمع الإسلامي، والنظام الاقتصادي الإسلامي).

إن هذه الواقعة تمثل دليلا قاطعا على قوة الاقتصاد في الدولة الاسلامية وتؤكد النظرة الانسانية التي تتجاوز نوع الدين او الاعراق او ما شابه ذلك، كما انها تثبت بالدليل القاطع عدالة المنهج الاقتصادي الاسلامي التي استطاعت ان تبني اقتصادا ذا رؤية انسانية قائمة على المساواة والتكافؤ الذي يمنع حدوث الغبن لهذا الطرف او ذاك، خلافا لما يحدث الآن على سبيل المثال في إطار الاقتصاديات العملاقة التي بدأت تتهاوى من عليائها تحت ضربات معاول الربا الذي حرمه الاسلام تحريما قاطعا، حيث سادت وتسود ظاهرة الربا في الاقتصاديات الغربية معتمدة على الجشع واستحصال المال وزيادته تحت كل الظروف وبغض النظر عن طبيعة مشروعية الوسائل التي يُستحصل من خلالها هذا المال.

 ولقد أشار كثير من الخبراء الاقتصاديين الى ان (الفائدة) الكبيرة التي تُفرض على القروض لا سيما من لدن الدول الغنية الى الفقيرة او المؤسسات الكبرى الى الصغرى او الافراد الاغنياء الى الفقراء هي التي تقف وراء حالة التدهور للاقتصاد العالمي، وهذه صورة من صور الربا التي حرمها الاسلام لأنها تأخذ من جهد الفقير وماله وذكائه لتصب في ثرورة الغني اصلا من دون وجه حق سوى قوة المال التي تفرض ظاهرة الربا على الفقراء من اجل استحصال المال وتكثير الثروة وفق جميع المبررات سواء المشروعة منها او غير المشروعة.

ولعلنا لا نستطيع ان نغفل الاهمية القصوى التي اولاها الاسلام للاقتصاد، حيث اورد لنا سماحة المرجع الشيرازي في كتابه القيم (السياسة من واقع الاسلام) ما يدل على الاهتمام الكبير بالاقتصاد من لدن المسلمين حيث ورد في هذا الصدد:

(قال الإمام الصادق عليه السلام : «الاقتصاد هو الكسب كله»-2-

إنّ الاقتصاد لـه الأهمية الكبرى في السياسة، وكلما كان التوازن الاقتصادي أقوى كانت السياسة أكثر سداداً ورشداً.

فلننظر إلى الإسلام كيف جعل من الدولة الإسلامية البعيدة الآفاق، الشاسعة(3) الأراضي، الكثيرة النفوس، أُمة غنية كاد أن يصبح الفقر فيها خبراً لكان..)

وبهذه النظرة الهامة للاقتصاد حققت الدولة الاسلامية منظومة اقتصادية متوازنة استطاعت ان تعبر الى آفاق واسعة تضاهي سعة الاراضي والامم التي وصلها الاسلام فاعتنقته مؤمنة بمبادئه السمحاء ومنها ما يتعلق بالجانب الاقتصادي الذي يقوم على المساواة في توزيع الثروات والابتعاد عن الغبن ورفض ظاهرة الربا وقمعها كونها هي السبب الرئيس في تغذية الكثير من الازمات الاقتصادية التي تجهد الفقراء قبل غيرهم كما يحدث الآن على المستوى العالمي حيث تهاوت عروش بعض الشركات والاقتصاديات العملاقة واخذت تخسر الكثير من ارباحها في حين تعرض الفقراء ولا يزالون لكثير من الضغوط والاعباء التي اجهدتهم اكثر مما اجهدت الاغنياء قطعا، وكل ذلك يتأتى من السياسات الاقتصادية الخاطئة التي تقوم على مبدأ الربح بغض النظر عن الوسيلة او الظلم الذي تلحقه بالآخرين.

...........................................................................

هامش:

(1) راجع وسائل الشيعة: ج15 ص66 ب19 ح1.

(2) راجع سفينة البحار: ج2 ص431 باب القاف بعده الصاد.

(2) يتحدث جرجي زيدان في كتابه (تاريخ التمدن الإسلامي) وغيره ممن كتبوا عن سعة الدولة الإسلامية وحضارة الإسلام: أنّ الدولة الإسلامية توسعت وتوسعت حتى بلغت خلال قرنين قرابة ثلاثة أرباع المسكونة إلى مفتتح القرن الثالث الهجري أي في عهد الإمام محمد بن علي الجواد عليه السلام ، فأفريقية والهند وقسم كبير من الصين وإسبانيا وقسم كبير من روسيا… وغيرها كانت تحت سيطرة المسلمين وحكم الإسلام.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 28/حزيران/2009 - 5/رجب/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م