ثورة العشرين في العراق.. تاريخ أمة أبَتْ الإستكانة

أشعلت فتوى الشيرازي شرارة ثورة الشعب العراقي ضد الاحتلال الانكليزي

تحقيق: حسين كاظم العرادي

 

شبكة النبأ: لم تكن ثورة العشرين حدثاً عابراً في تاريخ العراق الحديث بل انها تركت آثارها الواضحة فيما بعد على الحياة السياسية والفكرية في العراق، ومن أجل التعرف على التاريخ والفكر السياسي لكل فرد وطائفة أو امة لا بد للرجوع الى المصادر الاساسية والتي هي عبارة عن المؤلفات والشواهد والمذكرات التي صاغها اصحاب ذلك الفكر بأنفسهم ومن خلال ما دوُّن نقلاً عنهم وما قالوه أو كتبوه من الخطب والمقالات والابحاث والخواطر والروايات والقصائد. كانت لنا هذه الجولة المعمَّقة مع مصادر تاريخية تنوعت ما بين كتب وأشخاص كانوا من الشواهد على ملحمة ثورة العشرين في العراق ضد الاحتلال البريطاني...

ان ثورة العشرين لم تكن حدثاً طارئاً وأنما مهّدَت لها احداث اخرى كانت بمثابة مقدمات وهذه الاحداث ذات طابع عفوي..

ومن اهمها انتفاضة النجف عام 1918م حيث كانت النجف مابين 1915_1917 تحكم نفسها بنفسها الى ان تعيّن في اب 1917 حميد خان، بوظيفة ممثل الحاكم السياسي في النجف.

في تلك الفترة ازدهرت التجارة في النجف لأرتباطها مع تجار البصرة وذلك لزيادة الحاصلات الزراعية القادمة لها من مناطق اخرى وكانت تطلبها الاطراف المتحاربة الانكليزية والتركية ونتيجة لهذا الفن وبدافع من العقلية البدوية فأن أهل النجف قد اشتروا الاسلحة للحفاظ على ثرائهم وحياتهم وحدثت حادثة حيث قام (نجم البقال) في النجف بمفاجأة السلطة وذلك بقتل الكابتن (مارشال) حاكم النجف السياسي في حينها...

انفجار ثورة العشرين

بعد سلسلة حملات مسلحة جرت لاحقاً، لا بد من القول انه سرعان ما وقعت في (الرميثة جنوب العراق) حادثة عجّلَت في اشعال  نار الثورة، ففي (30 حزيران 1920) اعتقلت السلطات المحتلة رئيس قبيلة الظوالم (الشيخ شعلان ابو الجون) فحرره رجاله من السجن بعد قتلهم لاثنين من الحرس وقد تحولت هذه الحادثة الى السبب المباشر لاندلاع الثورة الكبرى التي عدّها المؤرخين الشرارة الاولى لثورة العشرين.

فتوى الميرزا الشيرازي

بعد معارضة العراقيين للاحتلال البريطاني انطلاقا من جنوب العراق، تحولت بعض المناطق الجغرافية في الجنوب والوسط الى انتفاضات شعبية ضد الاحتلال والقوات الغازية بشكل محدود في بعض المناطق بأسلحة بسيطة لمقاومة القوات البريطانية ولكن هذه الاسلحة لم تحقق الغرض المنشود في المحافظات الجنوبية والوسطى من العراق استمرت رغم محدودية جندها وعددها واستمرت هذا الانتفاضات الى عام 1920 وفي تلك الفترة كانت هناك احزاب سياسية بسيطة مقرها بغداد كانت تعارض الحكم العثماني ثم تحولت الى معارضة للاحتلال البريطاني ومنهم (جعفر ابو التمن) وغيره، اما المناطق الوسطى والجنوبية من العراق فتحركت باتجاه المرجعية وكانت المرجعية في النجف الاشرف وكان على رأسها العالم (اليزدي) وطلبوا منه ان يصدر فتوى دينية ضد الاحتلال البريطاني لكنه رفض ذلك واستمرت الضغوط عليه ولم تنجح.

عودة الشيرازي الى كربلاء

نتيجة الى ذلك اضطر رؤساء العشائر والسياسيون للذهاب الى سامراء لمقابلة (الميرزا الشيخ محمد تقي الشيرازي) حيث كان يسكن مدينة سامراء حيث تتواجد مرجعيته هناك، فطلبوا منه أولاً الانتقال الى كربلاء لإصدار فتوى دينية ضد الاحتلال البريطاني فاستجاب سماحة الشيخ الشيرازي لطلبهم وترك سامراء وتوجه الى كربلاء مع ولده (السيد رضا)، وعند قدومه الى كربلاء التفّت القيادات السياسية والعشائرية حوله ثم قدمت عليه شيوخ عشائر الوسط والجنوب ووضعوا عشائرهم تحت قيادة المرجعية الدينية بما فيهم السياسين في بغداد، فقام بكتابة عدة رسائل منها الى الامم المتحدة طالب فيها التدخل لإخراج البريطانيين من العراق وكذلك كتب رسائل الى بعض رؤساء الدول العربية بهذا الامر.

عدم استجابة الامم المتحدة وبريطانيا لأمر الشيرازي

لم تستجب بريطانيا، ولم تتحرك الامم المتحدة، لطلب خروج الانكليز من العراق بل توسع الاحتلال الى شمال العراق.

 ونتيجة لوحدة السياسين العراقيين وشيوخ عشائر الفرات الاوسط التي كانت شمال منطقة الشامية تمتد حدودها مابين كربلاء والنجف والناصرية، وعقد اجتماع في مدينة النجف الاشرف وحضره من رجال الدين ومن السادات وشيوخ العشائر نذكر بعض منهم (الشيخ سلمان ال عبطان شيخ عشيرة الخزاعل، والشيخ مرزوك آل عواد شيخ العوايد، والشيخ عبد الواحد الحاج سكر شيخ ال فتلة، والسيد عبد زيد احد سادات الشامية، والسيد مهدي زويني، والسيد محسن ابو طبيخ، والشيخ صدام ال فنيخ من شيوخ ال زياد، والشيخ مجبل ال فرعون شيخ ال فتلة، والشيخ مهدي ال عسل شيخ ال ابراهيم، والشيخ شعلان ابو الجون، والسيد هادي الم كوطر والعلماء والاعلام وكثيرين من شيوخ الشامية وبعد هذا الاجتماع عقد اجتماع اخر في كربلاء لشيوخ الفرات الاوسط، طالبين من الشيخ الشيرازي بأصدار فتوى للجهاد ضد الاحتلال البريطاني فأصدر فتواه الشهيرة عام 1920 مفتي بالجهاد ضد قوى الكفر البريطانيين وقد تجمعت اكثر رؤساء العشائر والقبائل والقادة السياسين ومن بينهم (ابن ضاري) من ابو غريب، غرب بغداد، سنداً للثورة وحصل اول اجتماع في كربلاء برئاسة الشيرازي، وتشكل من هذه القبائل وحدات عسكرية توزعت من قضاء الرميثة الى كربلاء، وأقر الاجتماع (المؤتمر) في كربلاء بالتحرك السريع ضد القوات البريطانية كما قرروا ان يعقد اجتماع سياسي في بغداد للتحرك لأسناد الثورة التي انطلقت من كربلاء وبفتوى من الشيرازي...

 وكان اول اصطدام مع البريطانيين في قضاء الرميثة ثم الى الديواينة ثم الى بابل ثم الى كربلاء، وقد تشكلت قوات كان مركزها منطقة الوند انظم اليها عشائر الفرات وذلك للتحرك ضد القوات البريطانية المتواجدة في سدة الهندية، كما تشكل فريق اخر وكان مقره في منطقة البيتر جنوب منطقة المشورب في اراضي الزغبية ضمن قضاء الهندية، وضمت عشائر المنطقة، وهم بني حسن وال فتلة وكريط وبني طرف ومطير والدعوم والكراكشة وجميع عشائر قضاء الهندية ثم التحقوا معهم بعض عشائر الفرات الاوسط لتقوية هذه الحملة ضد التقدم البريطاني من الحلة الى قضاء الهندية.

وكان مقر القيادة في قلعة سلمان المطيري، الذي قام اولاده باستضافة هذه العشائر وعندما تحرك الثوار انتقلت هذه القوات الى الحلة لتحريرها من البريطانيين وبعدها انسحبوا الى قضاء الهندية وتقدمت عليهم القوات البريطانية وحصلت معركة ضاربة على جسر الهندية بين القوات الشرقية لكربلاء وبين القوات البريطانية.

وفي هذه الأثناء بدأت المناشير والبيانات تصدر لقيادة الثوار برئاسة الشيخ الشيرازي وبتوجيه منه، وكانت تطبع هذه المناشير في مطابع النجف، ونتيجة هذه المعارك تقدمت القوات البريطانية باتجاه كربلاء وطوقتها وطلبت من الشيخ الشيرازي ان يسلِّم قادة الثوار اليهم وبعد مناقشات طويلة وخوفاً من اجتياح المدينة القديمة من قبل البريطانيين وتدميرها واستباحتها امر الشيرازي قادة الثوار بتسليم انفسهم الى البريطانيين حفاظاً على كربلاء (مدينة الحسين) بما فيهم نجله الاكبر (السيد رضا الشيرازي) فأرسلوا الى جزيرة (جهام) وقسم منهم ارسلوا الى سجن الحلة واستمرت المفاوضات مع قيادة الثورة في كربلاء وطلبوا من البريطانيين ان يوقفوا القتال مقابل تشكيل حكومة وطنية عراقية، فكان مرشح لرئاسة الحكومة (الشيخ شعبان ال خيون)، ولكن شيوخ عشائر الفرات اعترضوا على هذا الترشيح وطلبوا احد اولاد الشريف حسين ملك الحجاز سابقاً وارسلوا وفد من كربلاء ومن مختلف مناطق العراق الى السعودية واتفقوا مع الملك فيصل ابن الشريف حسين ان يأتي الى العراق ويكون ملكاً عليه وقد اتى الى العراق برفقة الوفد الذي ارسل اليه واصبح ملكاً على العراق بالتنسيق مع قيادة الثورة في العراق التي مقرها كربلاء وبأشراف مباشر من الشيخ الشيرازي ثم شكلت حكومة وطنية من العراقيين وتوقف القتال ومبرراته لتعيّن هذه الحكومة.

الخاتمة

في ختام ما طرحناه لا بد ان نوضح بإيجاز النتائج التي توصلنا اليها فالملاحظة الاولى الجديرة بالذكر: ان ثورة العشرين لم تكن عبارة عن عصيان مسلح قامت به العشائر العراقية ضد السلطات البريطانية المتحضرة كما ادعت ذلك الدراسات والمصادر البريطانية، كما أنها لم تكن محددة الفكر السياسي كما ادعت هذه الدراسات والمصادر بالاضافة الى بعض الدراسات الاخرى المناوئة للثورة، فلولا فتوى الشيخ الشيرازي بالتوحد ضد الانكليز في العراق مما جعل الانكليز يجدون اذيال الخيبة والانكسار ويسحبون جيوشهم من ارض الرافدين. ونص الفتوى (مطالبة الحقوق واجبة على العراقيين ويجب عليهم في ضمن مطالبتهم رعاية التواصل بالقوة الدفاعية اذا امتنع الانكليز قبول مطالبهم) وارسل رسل من رجال الدين الى جميع مناطق العراق ينشدون مضمون فتوة ولادارة الصراع ضد الانكليز، كما وقف ضد المعاهدة البريطانية الايرانية عام 1336هـ وادى موقفه الى الغائها، وهذا ما توصلنا اليه عن تاريخ ثورة العشرين في العراق ولو جمعنا كل ما جرى لم تحويه هذه السطور ولاغيرها من المؤلفات.

مواقف بطولية ضد الاحتلال البريطاني

كثيرة وغير معدودة هي المواقف التي حدثت ابان ثورة العشرين من شجاعة وإباء للعراقيين وإقدام، ونذكر حادثة حيث طوقت منطقة المنصورية (الجبور) من قبل البريطانيين في ناحية الطليعة في محافظة القادسية فانتخت نساء ابناء الجبور بالشيخ سلمان ال عبطان ال طلال شيخ عشائر الخزاعل ال شلال فقام بقيادة معركة ضد البريطانيين وذلك لفك الحصار البريطاني عن عشيرة الجبور هو وأبناء عمومته وانهزم امامهم الجنود البريطانين وسيطر الثوار على اسلحتهم وقام الشيخ بضرب المدفع بالسيف واهزوجته المشهورة (الطوب احسن لو مكواري).

السادات ورؤساء العشائر الذين حضروا الاجتماع

عقد اجتماع في مدينة كربلاء في زيارة الاربعين للإمام الحسين عليه السلام، وبعده في مدينة النجف عام 1917 حضره سادات ورجال دين وشيوخ عشائر الشامية، وقد كانت ُتطلق كلمة شامية على حدود مدينة النجف وكربلاء الى مدينة الناصرية.

 والسادات ورجال الدين والشيوخ الذين حضروا هذا الاجتماع هم، الشيخ مرزوك العواد شيخ العوايد والشيخ عبد الواحد الحاج سكر شيخ ال فتلة والشيخ سلمان ال عبطان شيخ الخزاعل والسيد عبد زيد أحد سادات الشامات والسيد مهدي زوين والسيد محسن ابو طبيخ والشيخ صدام ال فنيخ من شيوخ ال زياد والشيخ مجبل ال فرعون فتلة والشيخ مهدي ال عسل شيخ ال ابراهيم والشيخ شعلان ابو الجون والعلماء والاعلام والسيد هادي عواطر وهذه الوثيقة معلقة في مظي الشيخ قحطا نال عزيز ال عبطان شيخ عشيرة الخزاعل ال شلال.

...................................................................

المصادر

1- حصلت على اسماء اعمدة القوم من رجال الدين ورؤساء عشائر الذين حضروا الاجتماع في النجف في وقت كتابة (وثيقة) في مضيف الشيخ قحطان العبطان، شيخ عشيرة الخزاعل ال شلال في منطقة الحفار بمحافظة القادسية إبان ثورة العشرين.

2- موسوعة كربلاء عبر التاريخ- الجزء العاشر للمؤرخ مهنّه المطيري.

3- تلك الايام- صفحات من تاريخ العراق السياسي- الامام محمد الحسيني الشيرازي (قده).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 22/حزيران/2009 - 24/جمادى الآخرة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م