الانتخابات الإيرانية وما أعقبها من أحداث ساخنة وجدال واسع داخل
إيران وخارجها، فرضت نفسها وتصدرت أهم الأخبار والأحداث في العالم،
العالم الذي يتابع ويراقب باهتمام بالغ جدا التطورات، والكل يريد أن
تكون النتيجة لصالحه ومصالحه ولأهوائه.
وليس لنا نحن المتابعون سوى احترام إرادة ورغبة الشعب الإيراني
واختياره. فالمتنافسون الإيرانيون من محافظين وإصلاحيين، نجاد أو موسوي
وأنصارهما يؤمنون بالديمقراطية الإيرانية، والكل يريد خدمة بلاده
وتقديم ما يملك لمصلحة وطنه بالطريقة التي يراها. ومن حق كل فريق أن
يعبر عن رأيه ورغبته وان يحصل على حقه حسب قوانين البلد.
نحن نعيش في عالم متغير، ولقد كانت الانتخابات الأخيرة متغيرة «غير»
تختلف عن الانتخابات السابقة التي شهدتها إيران منذ الثورة، وما حدث
خلال الحملات والمناظرات التلفزيونية من حدة في النقد والجدال وتبادل
الاتهام بين المرشحين، وكذلك الإقبال الكبير والتصويت، وإصرار الفريق
الخاسر على عدم الاستسلام والمطالبة بمراجعة فرز الأصوات، وما خروج
مئات الآلاف من مؤيدي كل فريق بمسيرات ما هو إلا دليل على التغيير في
إيران، وان الشعب الإيراني شعب حيوي ثائر له تاريخ حافل بالأحداث
والتغيرات والثورات، شعب يتحلى بقدرة فائقة من الصبر والتحمل، ولكنه
شعب مخلص ومؤمن ومضح لقضيته وهدفه وهو متعصب جدا لقوميته وبلده..،
وما يحدث في إيران حاليا من حراك واختلاف في التوجهات ومظاهرات
واحتجاجات والتشكيك في النتائج والمطالبة بالنظر في الخروقات ليس شيئا
سلبيا بل هو حق دستوري، وهو دليل على أن الشعب الإيراني شعب حي وحيوي
يتطلع لتحقيق المزيد من التميز والتألق وتحقيق المكاسب والرغبة
للتغيير. فطلب التغيير نحو الأفضل دليل على الصحة والعافية بعكس
الاستسلام والجمود والخمول الذي لا يؤدي إلى تغيير صحيح بل إلى الضمور
ثم الموت.
ليس كل تغيير «سيئ»، وليس كل ما يقع في إيران سلبيا، وليس الشعب
الإيراني الذي اختار نجاد لتأكيد التغيير حسب سياسة نجاد مخطئا وسيئا،
وليس كل من أيد موسوي وتظاهر ضد النتائج هو سلبي ضد الثورة، بل انها
الديمقراطية ومن حق الجميع ممارسة الحق الديمقراطي والتعبير عن الرأي
حسب القوانين والأنظمة، ولكن كل العقلاء ضد الاعتداء والتخريب والتدمير
والإساءة لأي فريق والقتل.
الشعب الإيراني قدم درسا رائعا في الانتخابات، وقرار مجلس صيانة
الدستور النظر في الطعون وإعادة فرز الأصوات لبعض الصناديق الانتخابية
في بعض المناطق هو قرار سليم يدعم الديمقراطية.
ولكن من جهة أخرى هناك صورة سيئة حيث انشغل الإعلام المجاور بالبحث
عن سلبيات التجربة الديمقراطية الإيرانية وتضخيمها، بينما شعوب المنطقة
العربية المصابة بمرض الإحباط والتخلف والتقهقر تتابع وتراقب أجواء
الانتخابات الإيرانية وتداعياتها بداء الصمت والخمول والجمود والحرمان،
تتحسر على نفسها على حرمانها من خوض تجربة ديمقراطية مثل التي في
إيران، متى تنعم الشعوب العربية بالاحترام والتقدير، ويكون لكل
مواطنيها أصوات مؤثرة فعالة، وتخوض هذه الشعوب تجربة ديمقراطية؟. |