مهما تكن نتيجة الانتخابات الرئاسية الإيرانية، فإن العالم سيحترم
قرار الشعب الإيراني. الملفت في هذه الانتخابات هو أن إيران لم تشهد من
قبل مثل هذا العرس الديمقراطي، والتنافس الانتخابي الجميل.
وهذا التطور النوعي، والتفاعل الشعبي، يدلان على قوة وثبات نظام
الجمهورية الإسلامية من ناحية، وقدرة هذا النظام على التكيّف مع
التطورات والمتغيرات من ناحية أخرى.
إن التطوير والتغيير هما الدعامتان الأساسيتان في أي مجتمع حيوي،
هذا في الوقت الذي يعتبر فيه السكون والجمود اللذان يخالفان طبيعة
المجتمعات البشرية عاملي تخلف تُصاب بهما بعض المجتمعات. يوم الخميس
الماضي نشرت معظم الصحف العربية والعالمية صورة مُعبّرة لشابة إيرانية
من أنصار المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي، وقد وضعت على وجنتيها
وجبينها لاصقات انتخابية كتبت عليها عبارة (التغيير من أجل إيران).
هناك من قال بأن عدوى التغيير قد أصابت المجتمع الإيراني، وأن
المرشحين ومؤيديهم قد تأثروا بشعار التغيير الذي رفعه باراك أوباما في
حملته الانتخابية. وهناك من كتب مستهزئًا بأن هذا المجتمع قد أصيب بداء
التغيير، وآخر استخدم مصطلح “أنفلونزا التغيير”. التغيير في السياسات
والخطط والبرامج لا هو داء ولا وباء، بل هو الدواء، وهو المسار الصحيح
لحلّ الأزمات التي تعاني منها الكثير من مجتمعاتنا، بما فيها المجتمع
الإيراني، وربما كان الحصار الاقتصادي أحد أسباب هذه الأزمة. ورغم أن
الإيرانيين استطاعوا التقليل من تأثيراتها، وتحويلها من نقمة إلى نعمة
على بعض جوانب اقتصادهم, فقد علّمهم الحصار الاقتصادي كيفية العودة إلى
الذات، والاعتماد على النفس، حتى وصلوا إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي في
بعض الصناعات والمنتجات الزراعية.
وباعتراف الغربيين، فقد استطاع الإيرانيون مقاومة الحصار، وخرقه
عبر فتح الأسواق، وعقد الصفقات والاتفاقيات الضخمة مع الهند والصين في
مجال النفط والغاز، كما تمكنوا من فتح القنوات التجارية مع العديد من
الدول في شرق آسيا وأمريكا اللاتينية.
وأما الدول الأوروبية التي خسرت كثيراً من تلك الصفقات الاقتصادية
الكبيرة طوال العقدين الماضيين فقد عادت وتراجعت عن مواقفها المتشددة،
بعد أن وجدت أن استخدام الاقتصاد كسلاح ضد شعب صامد ومثابر قد أضّر
بصناعاتها أكثر مما أضر بإيران.
باعتقادي، إن إيران سوف تغير من خطابها بغضّ النظر عمن سيستلم
الرئاسة، وسوف تعيد النظر في سياساتها مع الغرب، وستضطر إلى توجيه
بوصلتها حيث تضمن مستقبلها وأمنها القومي، وستسعى إلى تدعيم حضورها
السياسي في المسرح الإقليمي والدولي، وسوف تكون مساهماً مؤثراً في
السلم الإقليمي والدولي.
والغرب لا يمكنه مطلقاً النظر إلى إيران بتلك النظرة الدونية، وربما
كانت خطابات وتصريحات الرئيس الأمريكي باراك أوباما منذ توليه السلطة
خير دليل على ذلك. الحملات الانتخابية والمناظرات التلفزيونية بين
المرشحين، كشفت الكثير من نقاط الخلل والضعف في السياسة الخارجية،
والخطط الاقتصادية، ومجال الحريات العامة. فلا يمكن لأي فائز مهما تكن
توجهاته أن يتخلّى عن إجراء الإصلاحات الواجب إجراؤها في المجالات
المذكورة.
ربما كان المرشّح محسن رضائي صائباً نوعاً ما حين أشار في المناظرة
التي جمعته مع الرئيس أحمدي نجاد، بقوله: “إن إيران بحاجة إلى ثورة
اقتصادية”؛ حتى تتمكن من الخروج من أزماتها، لكنه كان مبالغاً في
تقييمه للوضع الاقتصادي لبلاده، خاصة بعد أن استطاعت إيران الخروج من
عنق الزجاجة، بل وأكثر من ذلك؛ حيث أخذت بعض منتجاتها الصناعية
والزراعية تصدّر إلى الخارج.
إن الضرورة تحتّم على أية حكومة قادمة إجراء إصلاحات أساسية في
الاقتصاد، لكن الأمر المؤكد هو أن أي رئيس جديد سوف لن يتراجع قيد
أنملة عن البرنامج النووي، خاصة في مجال تخصيب اليورانيوم الذي يطالب
الغرب بتوقيفه. يعتبر البرنامج النووي للإيرانيين مصلحة وطنية، ومن
الأمن القومي الذي لا يمكن التنازل أو التراجع عنه بأيّ شكل من
الأشكال.
باعتقادي، الغرب بقيادة الولايات المتحدة سوف يضطر للتعامل مع
إيران النووية في نهاية المطاف. أما الموقف من الكيان الصهيوني، كما
جاء في برامج المرشّحين فهو من الثوابت التي لن تتغير بتغيّر الوجوه. |