الصحافة العراقية بين العنف المستشري وتجاهُل الدولة

في ذكرى اغتيال سحر الحيدري..

 

شبكة النبأ: في الذكرى السنوية الثانية لاغتيال فقيدة وكالة اصوات العراق سحر الحيدري، انتقدَ صحفيون تناسي الحكومة وعدم اهتمامها بضحايا الصحافة.

واعتبر الصحفيون باختلاف الجهات التي يعملون لديها أن هناك حالة من عدم الجدّية لدى الاجهزة الامنية في متابعة ملفات ضحايا الصحافة والكشف عن الجهات المسؤولة عن اغتيالهم ، مشيرين في الوقت ذاته إلى أن الاسرة الصحفية ما زالت موضع تهديد لدى ممارسة عملها الصحفي.

ويصادف هذه الايام ذكرى اغتيال مراسلة وكالة اصوات العراق سحر الحيدري التي اغتالها مسلحون عام 2007 قرب منزلها في في حي الحدباء شمالي مدينة الموصل.

الاعلامي سيف احمد، عضو في جميعة الدفاع عن حقوق الصحفيين، قال إن “الحكومة العراقية والجهات التي بإمكانها دعم الصحفيين، ليس لها اهتمام برعاية الاعلاميين والصحفيين، لدى تعرضهم الى اذى”.

وأضاف احمد “ليست سحر الحيدري فحسب، بل الكثير من الاعلاميين الذين تعرضوا الى اعتداء لم يجدوا من يلتفت اليهم او ينالوا اي اهتمام من قبل الجهات الحكومية، وذهبوا وطواهم النسيان”.

ولفت إلى أن “الجمعيات والنقابات التي تهتم بشؤن الاعلاميين تصدر بيانات دائما وتناشد، لكن دون جدوى، إذ أننا في الجمعية العراقية للدفاع عن حقوق الصحفيين اصدرنا بيانات شجب واستنكار، لكن دون استجابة من قبل المؤسسات الحكومية”. بحسب تقرير اصوات العراق.

والصحفية سحر الحيدري، وهي واحدة من أبرز أسماء الرعيل الأول من مراسلي وكالة أصوات العراق. وكان اسمها مدرجا ضمن قائمة أصدرها ما يسمى أمير الدولة الإسلامية في الموصل ضمن مجموعة من الصحفيين تهددهم بالقتل، وسبق أن تعرضت لعدد من محاولات الاغتيال منها محاولة جرت في شباط فبراير من العام 2006 في بغداد عندما كانت تعمل مراسلة إذاعية، تلتها محاولة أخرى في مدينة الموصل.

وما يعرف بـدولة العراق الإسلامية جماعة مسلحة تنشط في محافظات نينوى وكركوك وديالى وصلاح الدين، أعلن عنها في تشرين الأول اكتوبر 2006 وهي تتبع تنظيم القاعدة في العراق، ويتزعمها شخص يعرف بـ(أبو عمر البغدادي) الذي اعتقلته وعددا من قياديي هذا التنظيم أجهزة الأمن العراقية خلال العامين الماضيين.

وبين احمد أنه “على اقل تقدير، فإن هناك العديد من الصحفيين الذين اصيبوا بجروح، وناشدنا الحكومة بأن تتبنى علاجهم لكن دون جدوى، ولم يتلقوا دعما ورعاية، والبعض منهم توفوا جراء اصاباتهم”.

وتابع “لم يكن هناك حتى دعم او رعاية معنوية مثل اقامة نصب تذكاري يخلد شهداء الصحافة او صحفي متميز بعينه مثل الصحفية الشهيدة سحر الحيدري، والمفارقة أن التكريم جاء من سفارة اجنبية وسوريا حيث قامت بتكريم زوجها هناك في ظل غياب التكريم العراقي والحكومي”.

يشار إلى أن الفقيدة نالت جائزة كورت شوت للصحافة المحلية والدولية في حفل اقيم في العاصمة البريطانية لندن في تشرين الثاني نوفمبر من عام 2007. وهي جائزة تقام  للمرة الثانية لاستذكار الصحفي الذي قتل بكمين في سيراليون واشتهر بتغطيته الصراع السياسي والعسكري ليوغسلافيا، كما حصلت الحيدري على جائزة المنظمة الكندية (cjfe) في نفس العام واقيم احتفال بالمناسبة في السفارة الكندية في سوريا.

في حين يقول الصحفي حميد نورس “للأسف لم تحصل الحيدري على أي تكريم او اهتمام وحتى عائلتها بعد استشهادها، بالرغم من انها قدمت اعز ما تلك وهي روحها”.

وأوضح نورس أن “الاهتمام بالصحفيين وحمايتهم امر مهم جدا، وكذلك رعايتهم او اشعارهم بأن هناك من يرعاهم لدى تعرضهم الى اعتداء”.

وبين نورس أن “الحكومة مقصرة بحق الصحفيين، فلا ديمقراطية ولا تطبيق لها في بلد تكمم فيه افواه الصحفيين، ولا توجد الكلمة الحرة التي ينشرها الصحفي في ظل التضييق والذي يتعرض له، وشعوره بأنه غير مرغوب من قبل المؤسسات، وينتهي مشواره بعد وفاته او استشهاده لأنه لا يوجد من يقدر جهده”.

أما ذنون سالم وهو صحفي في احدى الفضائيات، فتحدث عن الفقيدة قائلا “لقد كانت سحر مثالا للصحفي المجتهد والموضوعي في نقل الاحداث، وكانت لها علاقات طيبة مع المجتمع الصحفي، وتعاونت مع جميع الجهات الحكومية، لكن للأسف لم تقدر تلك الجهات هذا الجهد والعمل والتعاون معها”.

وأضاف سالم “لقد غابت ذكرى سحر عن سجلات المؤسسات الحكومية، وبقيت معنا نحن الصحفيين فقط، حيث لا نملك سوى الذكرى، لأننا لا نستطيع أن نقدم شيئا لأنفسنا، فمصيرنا هو النسيان سواء تقدمنا بالعمر او توقفنا عن العمل لأي سبب من الاسباب”.

وعبر سالم عن اسفه قائلا “نحن في بلد لا يقدر الجهد الانساني لأي مبدع وهو حي، بل ينتظره يموت لكي يقيم له احتفالا، وحتى هذا الاحتفال استكثر عل الصحفيين فلم نر شارعا او ساحة او حديقة عامة حملت اسم شهيد صحفي او صحفي ما زال على قيد الحياة”.

والحيدري من مواليد بغداد 1962، وحاصلة على بكالوريوس إعلام، عاشت في مدينة الموصل منذ ثمانينيات القرن الماضي ولديها اربع بنات، وعملت في عدد من المؤسسات الإعلامية العراقية .

من جهته، يرى الصحفي احمد حميد أن “عمل الاجهزة الامنية ما زال هشا، ولا اتوقع في يوم من الايام أن تعرض علينا قاتلي الصحفيين. فقد مضى على اسشهاد الحيدري سنتان، إلا أن الاجهزة الامنية لم تعثر حتى على دليل يشير الى الجماعات التي استهدفتها”.

وكانت الحيدري ثاني صحفي تفقدهُ وكالة أصوات العراق، من بين ثلاثة صحفيين فقدتهم في مدة أسبوعين منتصف العام الماضي، حيث اغتيلت بعد نحو أسبوع من اغتيال الفقيد نزار الراضي مراسل الوكالة في محافظة ميسان على أيدي مجموعة مسلحة مجهولة، وقبل نحو أسبوع من رحيل الصحفي عارف علي مراسل الوكالة في محافظة ديالى الذي انفجرت عبوة ناسفة على سيارة كانت تقله مع مدنيين فكان أحد ضحايا الحادث.

وأوضح حميد “قبل سنتين ودّعنا سحر الحيدري وآخرين وبالامس ودّعنا الصحفي الرياضي علاء عبد الوهاب والاجهزة الامنية لا تحرك ساكنا تجاه هذه العمليات”.

وكان الصحفي الرياضي علاء عبد الوهاب والصحفي الرياضي سلطان جرجيس اصيبا بجروح بانفجار عبوة لاصقة وضعت بسيارة الاول في منطقة المجموعة الثقافية شمالي الموصل. وفي اعقاب ذلك توفي عبد الوهاب بعد ساعات متأصرا بجروحه.

وعبر عن اعتقاده بأن “الاجهزة الامنية في نينوى تسدل الستار عن أي جريمة ترتكب بحق الصحفيين او غيرهم بعد 24 ساعة من اغتيالهم وتبقى سجلاتهم فقط هي من تدون الحادث، إلا أنه لا توجد اية ردة فعل تجاه هذه العمليات”.

وأضاف “اذا كانت الاجهزة الامنية جادة في متابعة هذه الامور فعليها تشكيل فرق عمل خاصة لمتابعة اغتيال الصحفيين والاطباء والمسؤولين، هذه الشريحة التي تثير باستهدافها الرأي العام حتى يرى المواطن التقدم والجدية من قبل هذه الاجهزة، ولكن لقد اسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي”.

ويقول هيثم النقيب زوج الفقيدة الحيدري “تمر سنتان على ذكرى استشهاد سحر والجهات المسوولة في المحافظة والشرطة والامن وغيرها لم تحرك ساكنا في التوصل لأي دليل في القبض على من ارتكب هذه الجريمة”.

واعرب عن اسفه لذلك، مضيفا “أنهم لم يقدموا اي مبادرة سواء مادية اومعنوية لبنات الشهيدة التي فدت نفسها ودمها لوطنها وعملها وفي سبيل الكلمة الصادقة والحرة ولا حتى نقابة الصحفيين لم تقم بأي بادرة من هذا النوع”.

واستدرك النقيب قائلا “نلاحظ أن الاجانب ومن غير المسلمين قاموا بأداء الواجب وحضروا من اماكن بعيدة ليقدموا التعازي، بينما نحن المسلمين كما يقال علينا لم نقم بمثل هذا العمل”.

وكانت الحيدري قد أبلغت مدير مرصد الحريات الصحفية، قبل أسبوع من اغتيالها، أنها تلقت نحو 13 تهديدا من جهات مجهولة، وهي عبارة عن رسالتين كتبت باليد ووضعت في باب منزلها و 11 تهديدا من خلال الهاتف منها ستة اتصالات من أرقام مجهولة توعدتها بالقتل وخمس رسائل حملت نفس المضمون.

وبنبرة يلؤها الحزن والألم، وجه النقيب كلامه للفقيدة قائلا “اذهبي ايتها الشهيدة الى رب العباد فهناك لا يضام احد ولا يوجد هناك من لا يعرف بالواجب والاصول وان جهودك واخلاصك ومعاناتك ذهبت سدى وخسرت حياتك واطفالك بدون معنى ولمن؟”.

ولم يكن الشعور بالأسى والحزن غائبا عن ابنة الفقيدة دعاء التي كانت ترى في والدتها “مثالا للإخلاص”، والتي لم تكن ترى والدتها “لكثرة اعمالها وانشغالها… وبالنهاية اتحسر، لِمَ كل هذا؟”.

وأوضحت دعاء أن “اعمالها ذهبت ادراج الريح والناس التي كانت تتعامل معهم، لم نلاحظ منهم اي مبادرة واي رد للجميل لأنها كانت لا تنسى احدا، حتى أن المسؤولين لم يقدموا اي مبادرة تثبت حسن نيتهم”.

واستدركت قائلة بثقة “لكن تبقى والدتي هي المنار الذي نهتدي به ونمشي على خطاها وعلى ما ربتنا عليه من التزام وحسن خلق واخلاص للوطن والعمل، ونرجو من نقابة الصحفيين ان تحتضن الشهداء من الصحفيين وغيرهم وعوائلهم ولا تضعهم في عداد المنسيين وكأن شيئا لم يكن”.

وفي المقابل، قال مصدر امني في شرطة نينوى إن “التحقيق لم يغلق ولم يسدل عن استهداف الصحفيين وتحديدا حادث اغتيال الصحفية سحر الحيدري والموصل ما زالت تشهد عمليات مسلحة ولكن بمستوى منخفض جدا عن السابق”.

وأوضح المصدر “ما زالت هناك عمليات اعتقال تشنها القوات الامنية بحق المسلحين وما زالت هناك المطاردة للكثير منهم وتحقيقاتنا مستمرة، إلا أننا لم نعتقل بعد منفذي هذه العمليات تحديدا استهداف الصحفيين”. ولفت إلى أنه “في حال اعتقال أي شخص ويدلي باعترافاته بمثل هكذا استهداف سيتم عرضه على الرأي العام ووسائل الاعلام”.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 14/حزيران/2009 - 16/جمادى الآخرة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م