نعلم جميعاً أن الحرارة المرتفعة في شهور الصيف تجعل الأعصاب متشنجة
ومشدودة. وقُبيل حلول الصيف المُلتهب نقوم نحن معاشر الكتّاب
والمحلّلين بتقييم الوضع السياسي العام في المنطقة، حيث نضع توقعاتنا
وتصوّراتنا عما ستؤول إليها تطورات الأحداث في المستقبل المنظور.
الأحداث السياسية في الغالب تكون مترابطة ومتداخلة، وعلى شكل سلسلة
حلقات متشابكة. السيكولوجيون يربطون مزاج الفرد والمجتمع بالبيئة
المناخية، بل هناك من يعتقد أنّ التوتّرات والخصومات عادة ما تزداد في
الأجواء الحارة؛ حيث تكون الأمزجة جافّة، والوجوه مُكشّرة.
السياسيون، شأنهم شأن بقية البشر، إنّما الاختلاف يكمن في أنّ هؤلاء
القادة هم من يملكون سلطة قرار السلم والحرب، فمنهم من يصنع البسمة،
ومنهم من يخلق الكوارث. إننا حينما نتابع الأخبار، و نراقب التطورات
السياسية، الضرورة تحتم علينا قراءة ما وراء الأخبار والأحداث، ومن ثم
نقوم باستنطاق التاريخ القريب والبعيد لذلك الخبر والحدث.
وعلى ضوء القراءة، نضع تصوراتنا وتحليلاتنا وتوقعاتنا. فعلى سبيل
المثال، حينما تتربّع على عرش الكيان الصهيوني جماعة يمينية متطرّفة،
تلوح بالحرب بين الحين والآخر، فذلك يعطينا مؤشرات إما لحرب مرتقبة قد
تقع بصورة مفاجئة قد تحرق الشرق الأوسط، أو هي دعاية صهيونية من أجل
الهروب من استحقاقات السلام، وطمس القضية الفلسطينية.
ومثال آخر، فحينما كنّا نتابع المسرح الانتخابي اللبناني، كنّا
نتتبع أخبار الخطوات الأمريكية، والماكينة الإعلامية الصهيونية
وشبكاتها التجسسية من أجل تخريب العملية الانتخابية، وكل ذلك كناّ
نقرؤها ضمن سياق خوف الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني وبعض عرب
الاعتدال من فوز المعارضة القريبة من سوريا وإيران والمقاومة
الفلسطينية، والذي يصب في مصلحة جبهة القوى الممانعة ضد مشروع
الصهيو-الأمريكي في المنطقة.
ولذلك رأينا كيف تدفقت القيادات الأمريكية نحو بيروت قبيل
الانتخابات، بدءًا بوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، وانتهاء بنائب
الرئيس جو بايدن. أما الورقة الأخيرة “الإسرائيلية” جاءت في الوقت
الضائع من خلال مجلة (ديل أشبيغل) الألمانية التي اتهمت حزب الله
بتورطه في اغتيال الرفيق الحريري، فقد سقطت تلك الورقة في ساعاتها
الأولى، واستهجنها حتى زعماء 14 من آذار. عن التدخلات الخارجية في
المعركة الانتخابية، يقول الكاتب رضي الموسوي في الزميلة “الوقت”
بتاريخ 2009/7/8: “لم تكن واشنطن وتل أبيب الوحيدتان اللتان دفعتا
باتجاه فوز فريق الرابع عشر من آذار، بل كانت أموال النفط حاضرة بقوة
أيضا، والتسريبات الكثيرة تتحدث عن صرف أكثر من ملياري دولار على
الانتخابات اغلبها لشراء الأصوات الانتخابية التي يقال إنها بلغت في
بعض المناطق المحتدمة إلى نحو ألف دولار للصوت الواحد”..
ومن المعلوم إن آلاف المغتربين اللبنانيين تدفقوا إلى لبنان قُبيل
الانتخابات بأيام، وقد قيل إن مئات الملايين صرفت لنقل العائلات من
العديد من الدول وخاصة أمريكا وأستراليا والأرجنتين والبرازيل وفرنسا
بهدف التصويت لصالح فريق معين!!. هكذا لعب المال السياسي لعبته في حسم
الصراع الانتخابي في لبنان.
بعض القوى الإقليمية والدولية عمل فعلاً على إلحاق الهزيمة
بالمعارضة. فقد كان ميشيل عون صادقا حين وصف المعركة الانتخابية،
بـ”المعركة الكونية”. اليوم وبعد فوز قوى 14 من آذار، حافظت أمريكا على
نفوذها في لبنان، وهذا لا يعني إن المعارضة بقيادة حزب الله تقلص
نفوذها في هذا البلد الصغير، والمليء بالتناقضات.
وفي بقعة أخرى من الشرق الأوسط، نلاحظ إن القوى الإقليمية والدولية
تترقب بقلق عما ستسفر عنها الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في إيران
غداً الجمعة. وفي فلسطين، نجد الصراع السياسي أخذ يحتدم بين السلطة
وحماس.. كل هذه التطورات، تشير إلى إن عملية الصراع في الشرق الأوسط
أخذت تتجه نحو مسار آخر، ربما لا يروق لأمريكا، ولا لحليفتها
“إسرائيل”، ولا لمحور الاعتدال العربي. ووفق المعطيات الجديدة، قد يكون
الشرق الأوسط أمام مفترق طرق، إما أن ترتفع سخونة الأجواء السياسية
بصورة دراماتيكية، أو أن تسعى أمريكا لكبح جماح حليفتها “إسرائيل”،
وترغمها على القبول ببعض التنازلات للعرب والفلسطينيين حفاظاً على
أمنها، كما قال الرئيس أوباما في خطابه الأخير.
من هذا المنطلق كنا نقول ونؤكّد بأنّ جبهة الممانعة العربية
والإسلامية أكثر نفعاً للقضية الفلسطينية من جبهة الاعتدال التي ساهمت
ولازالت في تمييع هذه القضية العادلة. |