الانتخابات اللبنانية: ليس هناك رابح او خاسر

نظام انتخابي فريد غير موجود في أي مكان في العالم والوسط يحاول ان يغير المعادلة

إعداد: مركز النبأ الوثائقي

شبكة النبأ: أثبتت الانتخابات اللبنانية  القائمة على الديمقراطية التوافقية والمحاصصة الطائفية فشلها في لملمة الأوراق السياسية من جهة، وخدمة الشعب اللبناني من جهة أخرى، وفي السابع من حزيران/يونيو لعام 2009، سيخوض لبنان انتخابات نيابية في ظل نظام سياسي سيحول دون خروج الانتخابات بتحولات كبرى. في وقت أعتبر فيه مسؤولون لبنانيون أن النظام الاكثري البسيط مع لوائح مفتوحة والمعتمدة في لبنان غير موجود في أي مكان في العالم.

وبموجب النظام الاكثري المستند إلى التوزيع الطائفي، يحصد المرشحون الذين يحصلون على العدد الأكبر من الأصوات، المقاعد المخصصة لطوائفهم، وأحيانا يكون الفارق بين الرابحين والخاسرين مئات الأصوات أو اقل. وينص الدستور على أن توزع المقاعد النيابية بالتساوي بين المسلمين والمسيحيين ونسبيا بين طوائف كل من الفئتين وبين المناطق.

والمقاعد النيابية البالغ عددها 128 موزعة مناصفة بين المسيحيين والمسلمين على الشكل التالي: 27 مقعدا للسنة، و27 للشيعة، و34 للموارنة، و14 للأرثوذكس، وثمانية للكاثوليك، وثمانية للدروز، وخمسة للأرمن الأرثوذكس، واثنان للعلويين، وواحد للأرمن الكاثوليك، وواحد للإنجيليين، وواحد للأقليات. وإذا كان النص الدستوري يحاول إرساء مساواة بين اللبنانيين على أساس طوائفهم ومناطقهم، فان القانون الانتخابي الحالي لم ينجح في تطبيق هذه المساواة.

فالمقعد الوحيد المعطى للأقليات المسيحية يفترض أن يمثل ست أقليات يبلغ عدد أفرادها، استنادا إلى إحصاء أجراه الباحث يوسف الدويهي ونشره في 2006، 54 ألفا و267. بينما هناك مقعدان للعلويين البالغ عدهم 24 ألفا و989. ومن النماذج الأخرى تخصيص مقعد في دائرة طرابلس (شمال) للموارنة البالغ عددهم 5129، فيما يبلغ عدد مجموع المسيحيين 14930 في دائرة بنت جبيل (جنوب) لم يخصص لهم اي مقعد.

ويبلغ عدد المسلمين مجتمعين في دائرة جزين (جنوب) 12375 من دون ان يكون لهم اي مقعد. ولا توجد مساواة كذلك في التقسيم الجغرافي للدوائر الانتخابية. فعدد الناخبين في دائرة بعلبك الهرمل (شرق) مثلا يتجاوز 250 الفا، بينما عدد الناخبين في قضاء صيدا (جنوب) لا يصل الى 45 الفا. ويؤدي التوزع الطائفي الى اصطفافات حادة وراء زعماء الطوائف.

ويعتقد البعض من المحللين السياسيين إن القانون الافضل للبنان هو النظام النسبي، معتبرين النظام الانتخابي الحالي لا ينتج نخبا. والمستقلون يجدون صعوبة في خرق الاصطفافات السياسية والطائفية الكبيرة.

ويتزاوج القانون الانتخابي مع اعتبارات سياسية واجتماعية وثقافية تلقي ظلالا على الممارسة الديموقراطية بمفهومها العام، لكنها تنتج ما يعرف في لبنان "بالديموقراطية التوافقية" التي تضبط ايقاع الحياة السياسية وتحول دون حصول تحولات جذرية في المشهد السياسي بين ليلة وضحاها، وان كانت غالبا ما تولد الازمات.

ولدى لبنان نظام دستوري يحول دون حصول منعطفات مصيرية دراماتيكية بعد الانتخابات، برغم من إن أي تعديل دستوري يتطلب موافقة ثلثي أعضاء المجلس النيابي. وتتسم الانتخابات الحالية بتنافس شديد بين قوى 14 آذار الممثلة بالاكثرية الحالية وقوى 8 آذار (المعارضة). ويؤكد الخبراء والمحللون ان الأغلبية ستتحدد استنادا الى عدد ضئيل من المقاعد، وبالتالي لن يتمكن اي طرف من الحصول على غالبية الثلثين.

لبنان بلد التوافقات

الديمقراطية في لبنان فيها منافسة والمنافسة فيها رابح وخاسر. لكن النظام اللبناني لا يحتمل ان يكون هناك طرف خاسر. وفي لبنان أيضا إن الأقلية لا تنصاع لإرادة الأكثرية كما يحصل في اي ديمقراطية بل يحصل حمل سلاح ومجازر.

ويخشى المراقبون للأوضاع عن تجدد الأزمة السياسية التي شهدها لبنان بين تشرين الثاني/يناير 2006 وايار/مايو 2008 وتسببت بشلل العمل الحكومي والبرلماني وتطورت الى مواجهات عسكرية قتل فيها اكثر من مئة شخص.

وتمحورت الأزمة في حينه حول مطالبة المعارضة بمشاركة في الحكومة بثلث الاعضاء زائد واحد في الحكومة، وهو ما يعرف بالثلث الضامن او المعطل الذي يتيح لمن يملكه تعطيل القرارات الحكومية التي لا يرضى عنها.

ان ثقافة اللبنانيين توافقية وليست تنافسية، فالمواطن يصوت غالبا لاجل هذه العائلة التي يعرفها، او لاجل هذا الشخص الذي له نفوذ تقليدي في منطقته.

إن اعادة النظر في النظام لجهة التوصل إلى إدارة أفضل للتنوع اللبناني، وان إحدى أولويات البرلمان والحكومة المقبلين يجب ان تكون اقرار قانون انتخابات عصري جديد.

انقلاب التحالفات

وأظهرت التجربة الوزارية استحالة التعايش بين قوى 14 آذار و8 آذار، حيث ظهر الخلاف حول الموقف من قضية الحريري، وتشكيل المحكمة الدولية الخاصة بالنظر في قضيته والعلاقات مع دمشق، على طاولة الحكومة.

وقد أدى ذلك إلى انفراط عقد الحلف الرباعي، وفي فترة لاحقة إلى استقالة الوزراء الشيعة من الحكومة، واعتبارها غير دستورية.

وفي السادس من فبراير/شباط 2006 فجّر عون مفاجأة سياسية من العيار الثقيل، بالكشف عن توقيع مذكرة تفاهم مع الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، أسفرت عن بناء تحالف وطيد بين الطرفين، لتكتسب قوى 8 آذار حليفاً مسيحياً كانت بأمس الحاجة إليه.

وشهد لبنان خلال الفترة التي تلت ترتيب هذه المعادلات الجديدة سلسلة أحداث ساعدت في توطيد التحالفات بشكلها الحالي، أبرزها معارك يوليو/تموز 2006 بين حزب الله وإسرائيل، وأحداث السابع من أيار/مايو 2008، الذي شهد مواجهات مسلحة دامية في بيروت، ومناطق أخرى بين مناصري المعارضة ومؤيدي الحكومة.

وبالتالي، فقد بات الإنقسام بشكله الحالي، بين قوى 14 آذار، التي غادرها التيار الوطني الحر، وبين قوى 8 آذار التي تحالف التيار معها، لا رجعه فيه بالانتخابات الحالية التي تشهد لوائح متقابلة وشبه مكتملة في كافة المناطق.

و يبدو أن رئيس الجمهورية، ميشال سليمان، اللاعب الجديد الوحيد في الساحة الانتخابية حالياً، وذلك من خلال ما يطرح من "كتلة وسطية" تقوم على مجموعة من النواب المقربين منه، الذين ترشحوا بالفعل في عدد من المناطق، وخاصة بأقضية جبل لبنان.

وتؤيد قوى 14 آذار مجموعة من أولئك المرشحين، في حين تجاهر قوى 8 آذار بمعارضتهم، متهمة إياهم بالسعي إلى انتزاع مقاعد مسيحية من حصة التيار الوطني الحر.

ويراهن خبراء على أن الانتخابات لن تفرز أكثرية حاسمة لدى أي من الطرفين، ما سيترك للكتلة الوسطية - إن ظهرت - أن تلعب دور الطرف المرجح في حالة الخلاف، بما يعزز موقع رئيس الجمهورية من جهة، ويخفف الاحتقان في البلاد من جهة أخرى.

المصادر: جريدة الحياة، وكالات

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 8/حزيران/2009 - 11/جمادى الآخرة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م