قبل أن تطأ أقدامه أرض المشرق العربي، غرقت أقلام الكتاب والمحلّلين
في التوقعات والتنبؤات عما سيقدمه الرئيس باراك أوباما إلى العالمين
العربي والإسلامي من أفكار جديدة لحل أزمة الشرق الأوسط. وهناك من بالغ
ورفع سقف التوقعات.
ربما مستشار السلطة الفلسطينية صائب عريقات كان الأكثر صواباً حين
قال قُبيل خطاب أوباما بأن الأخير “لا يستطيع تغيير العقول والقلوب
بمجرد خطاب”.. إننا نقدر لأوباما احترامه للقيم والتعاليم الإسلامية
السمحة، ولحضارة المسلمين. وقد يُعْتبَر أول رئيس أمريكي احترم مشاعر
المسلمين، وتعاطف مع معاناتهم جرّاء ما عانوه من الغرب المستعمر. هذه
المعاناة مازالت مستمرة بسبب استمرار معاناة الشعب الفلسطيني منذ 61
عامًا.
أوباما قد يكون أكثر الرؤساء تفهماً للقضية الفلسطينية، وقد لمس عن
قُرب أن هذه القضية المأساوية أضحت القضية المركزية بالنسبة للمسلمين.
وربما قد فهم جيداً أن هذه الغمة التي سببها الغرب للمسلمين عامة،
والشعب الفلسطيني خاصة، يجب أن تنتهي بقيام دولة فلسطينية عاصمتها
القدس الشريف، وعودة جميع المُهجّرين والمُشرّدين إلى ديارهم، وتعويضهم
جميعاً عن الأضرار التي لحقت بهم من قبل المجتمع الدولي، وعلى الأخص
الدول الغربية، التي صنعت هذه الغدة السرطانية (إسرائيل) في قلب العالم
العربي والإسلامي.
جسم الأمة الإسلامية مازال يعاني من هذا المرض الخبيث، ولن يوجد أيّ
حل آخر غير الذي أشرنا إليه، ومن دون ذلك يبقى الصراع مستمراً إلى يوم
معلوم. وأما الأفكار والمشاريع المطاطية والمُهدّئة، والتي تهدف تمييع
القضية الفلسطينية سوف لن تجدي نفعا في إنهاء هذه الأزمة الإنسانية
والأخلاقية، والتي ألصقت العار بالغرب المسيحي الذي أوجد هذه الكارثة
للمسلمين.
خطاب أوباما في جامعة القاهرة اعتبر خطاباً تصالحيًا مع العالم
الإسلامي.. فمن حق الرئيس أوباما السعي لتحسين صورة الولايات المتحدة
الأمريكية أمام العالم العربي والإسلامي، بعد أن شوهتها إدارة بوش بشكل
فظيع، مما أدى إلى زيادة الكراهية لسياسات الولايات المتحدة. أوباما لم
يأتِ بجديد، لا في المبادئ ولا في الأفكار. وكونه خطيبًا بارعًا يسحر
مستمعيه، فقد استطاع ببراعة أن يرتب أفكار سلفه، ويظهرها في ثوب جديد
وبأسلوب جديد..
باعتقادي إن الكلمة الصادقة متى ما خرجت من القلب، فإنها سوف تسقط
في القلب. فكيف تكون كلماته صادقة في الوقت الذي تتساقط فيه القنابل
والصواريخ الأمريكية على القرى والبلدات في أفغانستان؟ وكيف تكون
كلماته صادقة وإدارته تسلك بعض سلوكيات إدارة بوش في التعامل مع الملف
النووي الإيراني؟ وفي الوقت الذي يمتنع فيه عن الإشارة لخطر الأسلحة
النووية الإسرائيلية، نراه يضخّم من المخاطر الوهمية من برنامج إيران
النووي، رغم أنه برنامج سلمي باعتراف وكالة الطاقة الذرية.
يا ترى كيف نستطيع تأييد أقوال أوباما وهو يساوي بين الضحية
والجلاد، يتحدث عن قيام دولتين، ووقف الاستيطان في الضفة الغربية،
بينما يتجاهل الملايين من الفلسطينيين الذين شردتهم الدويلة الصهيونية
من ديارهم ومازالوا يعيشون في الشتات، وخاصة في دول الجوار؟ كيف نصدق
أوباما وقطاع غزة مازال محاصراً، والقوات الأمريكية مازالت جاثمة على
صدور العراقيين؟ الخطاب العاطفي، والاستشهاد بالقرآن والإنجيل والتوراة
قد يدغدغ المشاعر، وربما يساعد في تحسين صورة الولايات المتحدة في
العالم الإسلامي، وكذلك تحسين الصورة النمطية عن الإسلام والمسلمين في
الغرب.
وأخيراً نتمنى أن ينجح أوباما في تحقيق بعض الأفكار التي طرحها في
خطابه، لكن يجب أن تقرن الأقوال بالأفعال. العالم العربي والإسلامي
ينتظر اليوم من السيد أوباما تحويل أقواله إلى خطوات عملية بعد هذا
الخطاب التاريخي. فليبدأ بإجبار (إسرائيل) على وقف الاستيطان، ورفع
الحصار عن غزة.. نخشى أن تنتهي ولاية أوباما وغزة مستمرة تحت الحصار،
والبؤر الاستيطانية قد زرعت في كل الضفة الغربية، أو ربما قد تصل إلى
رام الله حيث مقر السلطة الفلسطينية. |