عندما يُرهن شعب من الشعوب مصيره بمتغيرات خارجية أو على طرف
خارجي،فهذا مظهر من مظاهر الضعف ودليل على فشل النخبة السياسية في
الاعتماد على نفسها وشعبها.صحيح أنه في ظل العولمة تشابك الاقتصاد مع
السياسة في زمن التكتلات والأحلاف بما يترتب عليها من تغير في مفهوم
السيادة والاستقلال،تصبح الدول والشعوب الصغيرة أكثر تأثرا بمحيطها
وأكثر حاجة للأصدقاء والحلفاء،إلا انه في جميع الحالات فإن المحددات
الخارجية تكون عملا مساعدا وليس مقررا في حياة هذه الشعوب.
نقول هذا ونحن نشهد هذا الاهتمام والترقب غير المسبوق لخطاب الرئيس
الأمريكي أوباما في القاهرة ثم الانكباب على تحليل مفردات الخطاب وكأن
به الترياق الذي سيعيد الحياة للوضع العربي المأزوم وللعالم الإسلامي
المنقسم على ذاته والمتصارع مع العالم الخارجي وللقضية الفلسطينية التي
أرهقتها الصراعات الداخلية بما لا يقل عما سببه الاحتلال.لا شك أن في
الخطاب السياسي للرئيس الأمريكي الجديد مختلف عن سابقه ولا شك أن
واشنطن ما زالت دولة عظمي ذات تأثير في السياسات الدولية وفي الشرق
الأوسط على وجه الخصوص،ولا شك أيضا أن واشنطن وحدها يمكنها تحريك عملية
السلام المتعثرة،ولكن السؤال هل أن وجود أوباما يعني تغييرا في
الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط؟.
عندما نتحدث عن انتخابات وتداول على السلطة في دول ديمقراطية
كالولايات المتحدة فيجب الأخذ بعين الاعتبارات أن الاستراتيجيات
والمصالح القومية لا تتغير بتغيير الرؤساء والأحزاب لأن استراتيجيات
هذه الدول لا يحددها أو يرسمها الرئيس بل مصالح قومية كبرى ومصالح
مراكز نفوذ بالإضافة إلى اللوبيات الكبرى،أوباما لم يأت من خارج هذه
المنظومة الكبرى للمصالح بل هو مرشح الحزب الديمقراطي المعروفة مواقفه
سواء تجاه إسرائيل أو تجاه العالمين العربي والإسلامي،ويبدو أن الحزب
الديمقراطي غيَّب نفسه عن قصد في هذا الوقت وقدم شخص أوباما بما رُوج
عنه اعتمادا على أصوله ولونه وحسن اختيار عباراته، في محاولة للقول
بوجود إستراتيجية أمريكية جديدة ولكسب ثقة فقدتها واشنطن نتيجة سياسات
بوش الرعناء وخطاباته الفجة،وهنا نلاحظ أن قلة من المحللين يتحدثون عن
الإدارة الجديدة باعتبارها إدارة الحزب الديمقراطي وبالتالي يستشرفون
مستقبل السياسة والإستراتيجية الأمريكية اعتمادا على أدبيات ومواقف
الحزب الديمقراطي وليس اعتمادا على ما يقوله الرئيس،صحيح أن النظام
الأمريكي يمنح الرئيس صلاحيات ولكنه ليس المقرر وواضع الإستراتيجية.
لو أن الرئيس هو واضع الاستراتيجيات والسياسات وبالتالي هو المسئول
عنها لكان من المفترض أن يتم تقديم الرئيس بوش للمحاكمة بسبب الأخطاء
التي سببها للمصالح الأمريكية وللسلام العالمي،وحيث أن هذا لم يحدث لا
بالنسبة لبوش ولا بالنسبة لفريقه من اليمينيين الجدد،فهذا يضعنا أمام
احد احتمالين : إما أن الإستراتيجية الأمريكية سواء في العراق أو
أفغانستان أو التي كانت تعمل تحت شعار محاربة الإرهاب كانت صحيحة وتخدم
المصالح القومية الأمريكية الكبرى،وهذه ما نعتقد ما دامت الإدارة
الجديدة لم تدخل تغيرات عميقة بشأنها،أو أن هذه الإستراتيجية كانت
خاطئة ولكن الرئيس ليس هو المسئول لأنه ليس صاحب القرار.
إذن من السابق لأوانه الحديث عن تغير في الإستراتيجية
الأمريكية،ربما هناك تغير في بعض السياسات ولكن هذا التغير الأخير من
السهل الارتداد عنه أو تطويعه لمصلحة الإستراتيجية إن ظهر تعارض بينه
وبين المصالح الإستراتيجية أو وجد ممانعة حقيقية من طرف الحلفاء
الاستراتيجيين كإسرائيل،وهذا ما يدفعنا للتحذير من المراهنة المبالغ
فيها على الخلافات بين إدارة أوباما وإسرائيل حول الاستيطان.
وحيث إن الأنظمة والنخب في العالمين العربي والإسلامي فقدت القدرة
على حل مشاكلها الداخلية أو مشاكلها مع دول الجوار فقد وجدت في الرئيس
أوباما (القشة التي قد تنقذ الغريق) وحيث أن أوباما يعرف حقيقة هذه
الأنظمة والمشاكل التي تعانيها فقد نصَّب نفسه كالأب أو الأخ الكبير
الذي بيده مفتاح حل كل مشاكل العالم الإسلامي- أوباما لم يذكر في خطابه
ولو مرة واحدة كلمة عرب أو عالم عربي- ،ومن هنا نلاحظ أن في خطابه
نصائح وتوجيهات للمسلمين أكثر مما هو رسم للإستراتيجية الأمريكية
القادمة،فوجه نصائحه حول العنف والإرهاب وكيف على المسلمين التمييز بين
الإسلام المعتدل الذي نوه به والإسلام المتطرف الذي يجب محاربته،وأعطى
نصائح حول الديمقراطية وحقوق الإنسان والأقليات،وإن كان لنا أن نتحدث
عن الإستراتيجية فإن خطابه رسم الخطوط العريضة للإستراتيجية التي على
العرب والمسلمين أن يسيروا على هديها وليس عن إستراتيجية أمريكية
جديدة.
ولكن ولو من ناحية نفسية فقد تمكن أوباما من خلق حالة من الارتياح
عند مستمعيه من العرب والمسلمين الذين يبحثون عن منقذ مما هم فيه،وبدد
التخوفات البغيضة التي أنتجتها سياسة بوش وحديثه عن الحروب الصليبية
وولَّد أمالا بعالم يسوده التسامح والتعايش بين الديانات،ولكن هذا
الارتياح النفسي يحتاج إلى ممارسات على الأرض يمكن معها القول بوجود
إستراتيجية أمريكية جديدة،سواء في أفغانستان أو العراق،أو بالنسبة
للقضية الفلسطينية.
بالنسبة للقضية الفلسطينية فلا شك أن تأكيده على وقف الاستيطان أمر
جيد ولكن يجب التأكيد أيضا بأن الضفة وغزة أراض محتلة بموجب الشرعية
الدولية وكل وجود استيطاني غير شرعي وبالتالي فإن موقف أوباما وإن كان
متقدما عن موقف بوش إلا انه اقل بكثير من الموقف الدولي ولا يكفي
ليؤسَّس عليه لقيام الدولة الفلسطينية وخصوصا أن 40% من أراضي الضفة
تحت سيطرة المستوطنين كما ذكر صائب عريقات نفسه الذي فاوض الإسرائيليين
لأكثر من خمسة عشر سنة في ظل استمرار الاستيطان،إن ما يجعلنا أكثر
طمأنينة بشان الاستيطان هو تصريح أمريكي واضح بان كل المستوطنات التي
بنيت في الضفة الغربية وكل الإجراءات الإسرائيلية في القدس غير شرعية
ويجب إزالتها آنذاك يمكن أن نرى حلم الدولة الفلسطينية قابل للتحقيق.
وما دمنا نتحدث عن حل الدولتين فيجب الإشارة بأن فكرة حل الدولتين
ليست من اختراع أوباما بل من اختراع سابقه بوش،ونعتقد أن حديثه عن حل
الدولتين اخذ أهمية ليس لأنه جديد بل لأنه ترافق مع تهرب الحكومة
الإسرائيلية الجديدة من الفكرة ورفضها.لا نريد أن نبدد فرحة المتفائلين
ولكن يجب الحذر من مناورة إسرائيلية مع بعض أركان إدارة أوباما أو
أصحاب المصالح لتفريغ محتويات خطاب أوباما من مضمونه ورمي الكرة
بالملعب الفلسطيني والعربي لانتزاع تنازلات جديدة تحت ذريعة التنازلات
المتبادلة من اجل السلام.
نتمنى أن لا يطول الوقت ليحدث الانتقال من أوباما الرئيس الأمريكي
الجديد إلى أوباما صاحب الإستراتيجية الأمريكية الجديدة.
Ibrahem_ibrach@hotmail.com |