العراق والبحث عن نظام سياسي جديد

دعوة إلى النظام الرئاسي واخرى تشدد على الديمقراطية التوافقية وثالثة تدعو لحكم الاكثرية

إعداد: محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: مع قرب موعد الانتخابات البرلمانية في العراق بدأت علامات الصراع بالبروز بين مختلف الاطراف، خصوصا في طبيعة النظام الدستوري الذي يحكم في العراق، فهناك من يؤيد استبدال النظام البرلماني بالنظام الرئاسي بحثا عن مزيد من المركزية، في مقابل ذلك فأن هناك من يدافع عن النظام البرلماني وتوطيد اسس الحكم اللامركزي والفيدرالي. كما ان هناك من يدعو الى الغاء النظام التوافقي الذي يتسبب بتعطيل العملية السياسية ويتسبب بالمحاصصة والفساد، بينما يعتبر آخرون ان التوافق هو اساس الوحدة الوطنية بين الاقلية والاكثرية. ومن هذا يرى البعض ان الشيعة هم الاحق بحكم العراق باعتبارهم يمثلون الاكثرية السياسية، لكن هناك من يرفض ذلك ويرى ان الاكثرية السياسية تتحقق عبر صناديق الاقتراع، فكيف سيشكل العراق نظامه السياسي الجديد في العقد القادم بحثا عن عراق اكثر ديمقراطية وحرية ورفاها؟

الديمقراطية هي الاكثرية الانتخابية

قال رئيس الوزراء نوري المالكي إنه يؤيد مبدأ الديمقراطية الذي يمنح الاكثرية الانتخابية حق تشكيل الحكومة، معتبرا النظام الرئاسي افضل من النظام البرلماني، فيما اشار الى أن مصطلح الديمقراطية التوافقية يحمل في طياته مشاكل عانت منها الحكومة الحالية.

وأضاف المالكي في معرض رده على اسئلة الاعلاميين من خلال نافذة التواصل مع رئيس الوزراء عبر الموقع الالكتروني للمركز الوطني للإعلام “ارى ان النظام الرئاسي افضل من النظام البرلماني اذا كان الاخير وفق الاستحقاق الانتخابي، وان يكون الانتخاب مباشرا من الشعب.” بحسب رويترز.

وأوضح رئيس الوزراء ان “نتائج الانتخابات الاخيرة اربكت مواقف الكثيرين، لأنها غيرت الخارطة السياسية، واعادت صياغة حاضر العراق وربما مستقبله نحو الافضل.” مشيرا إلى ان “بعض المواقف سعت الى  تحويل التنافس الانتخابي والنتائج الى حرب على الجهة الفائزة، بشكل يضر بالشعب والدولة.” بحسب اصوات العراق.

ويرجح أن تثير تصريحات المالكي شكوك العرب السنة الذين هيمنوا على العراق في عهد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين والاكراد الذين يسيطرون على منطقة تتمتع بحكم شبه ذاتي في شمال العراق.

وقال المالكي في مقابلة مع تلفزيون الحرة الذي تدعمه الولايات المتحدة ان التوافق كان ضروريا للعراقيين في البداية.

واضاف "كان لابد لنا من التوافق في بداية الامر او خلال هذه الدورة التي مرت لابد لنا ان نتوافق ونشترك جميعا ولابد ان نحدث اطمئنان لدى الاطراف ومكونات العملية السياسية...ولكن ان يستمر سيتحول الى مشكلة وخلل وسيتحول الى كارثة انما البديل هو الديمقراطية وهي تعني حكم الاغلبية ... انا بعد هذه الدورة ادعو الي انهاء مبدأ التوافق بهذا الحجم."

وجرى توزيع بعض المناصب السياسية الرفيعة مثل منصب الرئيس ورئيس البرلمان بين الجماعات العرقية والطائفية المتصارعة رغم أن الدستور العراقي لا ينص على ذلك لتهدئة المعارضة بغض النظر عن التأييد الانتخابي الذي تتمتع به تلك الجماعات. وأشار المالكي الى أنه قد تظل هناك تفاهمات بين الفصائل المختلفة.

ولكن من المرجح أن يؤدي أي تحرك لتقليص هذه الاتفاقيات الى قدر أكبر من السلطة للاغلبية الشيعية وأن يثير غضب السنة والاكراد والاقليات الاخرى التي تشعر أنها مهمشة بالفعل.

واتهم الأكراد المالكي بالسعي للاستئثار بالسلطة واتهم السنة حكومته باضطهاد أعضاء سابقين في حزب البعث الذي كان يتزعمه صدام حسين وبرفض قبول ميليشيات تابعة للسنة العرب تدعمها الحكومة ساعدت في محاربة القاعدة في أرجاء العراق. وقال مسئولون أكراد بالفعل إنهم يتوقعون أن يكون الرئيس العراقي القادم كرديا.

وتأتي دعوة المالكي بعد أشهر قليلة من نجاح حلفائه في تحقيق مكاسب كبيرة في انتخابات مجالس المحافظات التي جرت في يناير كانون الثاني الماضي تجعله في وضع يتيح له اداء أفضل في الانتخابات العامة المزمع أن تجرى في أوائل العام القادم.

وقد يعني منح الأغلبية الشيعية قدرا أكبر من السلطة المطلقة إقرارا سريعا للتشريعات التي عطلتها في بعض الأحيان الخلافات التي تقوم على أسس طائفية أو عرقية.

ومع هذا تحدث المالكي الذي يقود منذ عام 2006 ائتلافا حاكما غير مستقر مرارا عن رغبته في إبعاد السياسة في العراق عن المصالح الطائفية والعرقية.

وتراجع العنف في العراق بشدة في العام الماضي ولكن البلاد لم تتوصل بعد الى المصالحة السياسية اللازمة لوضع نهاية للهجمات المسلحة وتحقيق الاستقرار.

اراء متباينة

من جهته عد النائب عن الائتلاف العراقي الموحد عضو لجنة تعديل الدستور عباس البياتي، إن توسيع صلاحيات رئيس الجمهورية يتطلب تغيير شكل نظام الحكم في العراق من نيابي الى رئاسي، مبينا أن الحزب الاسلامي وحده هو الذي يطالب بتوسيع هذه الصلاحيات.

وأوضح البياتي أن “الذين يطالبون بتوسيع صلاحيات رئيس الجمهورية عليهم ان يطالبوا بتغيير نظام الحكم في العراق من نيابي إلى رئاسي وكذلك تقديم مقترحات بكيفية الانتخاب الحر المباشر من الشعب مباشرة”. بحسب اصوات العراق.

وأضاف أن “الذين يطالبون بتوسيع صلاحيات رئيس الجمهورية هم أعضاء الحزب الاسلامي فقط لأنهم يتوقعون أن يكون منصب رئيس الجمهورية لهم مستقبلا”، لافتا إلى أن “صلاحيات رئيس الجمهورية الحالية تنسجم مع النظام النيابي الحالي وكذلك مع انتخاب رئيس الجمهورية من البرلمان”.

وبين البياتي أن “هناك خمس مواد خلافية في الدستور هي صلاحية رئيس الجمهورية والمادة 140 وقضية صلاحية الأقاليم وقضية النفط والغاز والأحوال الشخصية”.

يذكر أن من صلاحيات رئيس الجمهورية الحالية هي إصدار العفو الخاص بتوصية من رئيس مجلس الوزراء، إضافة إلى المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية، بعد موافقة مجلس النواب ومنح الأوسمة والنياشين بتوصية من رئيس مجلس الوزراء وإصدار المراسيم الجمهورية، والمصادقة على أحكام الإعدام التي تصدرها المحاكم المختصة. إضافة إلى  قيادته العليا للقوات المسلحة للأغراض التشريفية والاحتفالية.

فيما اعتبر الناطق باسم  جبهة التوافق أن حديث رئيس الوزراء نوري المالكي عن تفضيل النظام الرئاسي على النظام البرلماني جاء “متأخرا” وقال إنه كان ينبغي أن يناقش هذا الخيار في بدء العملية السياسية، فيما دعا نائب عن التحالف الكردستاني إلى اتباع الآليات الدستورية في التعامل مع مثل هذه القضايا.

واعتبر الناطق باسم جبهة التوافق سليم الجبوري أن حديث المالكي “جاء في وقت متأخر وكان ينبغي أن تناقش هذه المسألة منذ بدء العملية السياسية”.

وعبر عن اعتقاده بأن “القضية ليست قضية تفضيل شخصي وانما قضية البحث عن مصلحة تجمع عليها أطراف سياسية”.

وقال إن “التغيير في النظام السياسي بشكل عام والرجوع الى قضية النظام الرئاسي يخالف تماما المسار الذي نتبع سيره وهو النظام البرلماني”.

من جهته،أوضح محسن السعدون عضو التحالف الكردستاني أن “رئيس الوزراء والبرلمان والحكومة مقيدون بالدستور الدائم للبلاد، والذي ينص على أن العراق دولة اتحادية نظام الحكم فيها برلماني نيابي”.

وأضاف السعدون أن الرئسات الثلاث “يتم انتخابها من قبل البرلمان والبرلمان ينتخب من قبل الشعب، ولذلك نحن مقيدون بالدستور وأن رئيس الوزراء عندما يفضل اي نظام يجب ان يكون منصوصا في الدستور”.

وتابع “نحن لا نستطيع ان نغير النظام بالعراق لأنه مقيد بالدستور الإ اذا تم تغير فقرة في الدستور وفق آليات دستورية وقتها من الممكن أن نغير نظام الاتحاد في العراق”، لذلك فإن رأي السيد رئيس الوزراء يأتي من خلال تجربته في الحكم وهذا رأيه الشخصي”.

وبين السعدون أن “اي تعديل في الدستور يتم وفق آلية التعديلات الدستورية من خلال طرحه على البرلمان بدفعة واحدة وعندما يتم التصويت عليه عندئذ يقرر رئيس الجمهورية الموافقة على التعديلات خلال مدة شهرين او رفضها”.

النظام البرلماني هو الأصلح

بدوره كشف نائب رئيس الجمهورية عادل عبد المهدي، عن عدم تأييده لرأي رئيس الوزراء نوري المالكي المؤيد للنظام الرئاسي قائلا إن النظام البرلماني هو النظام “الأصلح” للعراق.

وأوضح عبد المهدي في مقابلة صحفية مع صحيفة المدى “اختيارنا للنظام البرلماني كان اختيارا قائما على تعددية الشعب العراقي وطبيعته السكانية وتجربة الشعب العراقي الطويلة مع الاستبداد والتمركز والسلطة الفردية”.

واستدرك قائلا “اذا كانت لدينا مشاكل فيجب علينا أن لا نعالجها بعجالة كاقتراح أنظمة لا تخلو من المشاكل، ولا ضير إذا كان من الممكن إقامة نظام مشترك او نظام رئاسي فألاهم أن يتوازن البلد، لكنني اعتقد أن النظام البرلماني هو الأصلح للعراق”.

وأضاف “كان المناخ العام هو تأسيس نظام لجعل البرلمان القوة الرئيسة وهذا الأمر لا يغلق الباب فقد تكون التجربة أفرزت إمكانية اختيار رئاسة الجمهورية عن طريق الانتخاب المباشر”. بحسب أصوات العراق.

ومن جهة اخرى، بين نائب رئيس الجمهورية أن “المجلس الأعلى الإسلامي العراقي ما زال موحدا في قيادته وممثليه وفي تصويته المشترك داخل البرلمان وفي وزاراته”، نافيا “وجود نزاعات انشقاقية او انفصالية داخل المجلس، وانما هناك فسحة من الاجتهاد قد تختلف فيها الاراء من اخ الى اخ آخر”.

وشدد على “ضرورة ابقاء الائتلاف العراقي الموحد وتوسيعه والانطلاق منه نحو الساحة الوطنية”، معتبرا أن “اي محاولة لتفكيكه وضربه سيرا نحو المجهول امر غير صحيح”.

وفي جانب آخر من المقابلة، شدد عبد المهدي على “اهمية الالتفات بجدية لاصلاح الوضع الاقتصادي في البلاد”، مبينا أن “القطاع النفطي ما زال متخلفا والكهرباء والزراعة والري والصناعة ما زالت معطلة”.

وقال إن “بيئة الاستثمار ما زالت متأخرة جدا اذا ما قورنت بالمحيط الشرق الاوسطي على الاقل”، مشيرا إلى أن “الدولة هي العائق الرئيسي امام انطلاق الاستثمار لأن من يريد ان يستثمر يواجه مشاكل وعقبات كبيرة من قبل دوائر ومؤسسات الدولة”.

كما ضم نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي، صوته لطروحات رئيس الجمهورية بشأن استمرار حاجة العراق للديمقراطية التوافقية، مبينا في موضوع آخر أن من حق رئيس الوزراء إجرا تعديلات وزارية شريطة أن يتقرن ذلك بموافقة مجلس النواب، بحسب بيان لمكتبه.

وجاء في بيان تم اصداره عن مكتبه، أن نائب رئيس الجمهورية “أوضح في معرض إجابته على أسئلة عدد من الصحفيين بشأن إعلان رئيس الوزراء نوري المالكي عزمه إجراء تعديلات وزارية، أنه لا بد من توافقات سياسية خاصة بهذه التغييرات المطلوبة”.

مستدركا بحسب البيان “لكن المشكلة أن العراقيين يتساءلون اليوم هل سيكون هذا التعديل حبل نجاة لبعض الوزراء بعد أن فتحت ملفات الفساد المالي والإداري وحتى لا تكشف كل الملفات أمام الرأي العام”، مشددا أن هذه المسألة “لا بد أن تؤخذ بنظر الإعتبار”.

وبشأن الإنتقادات التي وجهت للديمقراطية التوافقية نقل البيان عن الهاشمي قوله إنه “يضم صوته للتصريحات التي أدلى بها رئيس الجمهورية جلال الطالباني”.. منوها إلى أن العراق “ما يزال بأمسّ الحاجة، إلى أجل، للتعددية التوافقية وأن تكريس السلطة اليوم وتهميش الآخرين أو تجاهلهم مشروع ينطوي على مخاطر كبيرة جداً يدمّر مشروع المصالحة الوطنية وليس في الصالح العام”، كما ورد في البيان.

وكان رئيس الجمهورية جلال الطالباني جدد خلال استقباله محافظ ديالى وأعضاء مجلسها المحلي في مقر إقامته بالسليمانية يوم 24 أيار مايو الجاري، تأكيده على أهمية انتهاج سياسة شدة الورد العراقية وترسيخ التوافق الوطني باعتباره الوسيلة الناجعة لتوحيد صفوف الأطياف المتنوعة في البلاد، مبيناً أن العراق لا يدار بالأغلبية والأكثرية لاسيما وأن الوضع في البلاد ما يزال يتطلب مبدأ التوافق.

وعما يخص موضوع العودة للنظام الرئاسي “شدد نائب رئيس الجمهورية على أنه ما يزال من المبكر القول إنه يصلح للشأن العراقي”، وتعابع بحسب البيان “أنا تسلمت رسائل بعد هذه التصريحات من عراقيين أبدوا قلقهم من أن العودة للنظام الرئاسي كما كان قبل عام 2003 ربما سيعيد تجربة غزو العراق عام 2003″.

وأردف الهاشمي مفسرا، بحسب البيان “بمعنى أن العراقيين اليوم يخشون أنه ربما سوف يحتاجون في حالة تطبيق النظام نفسه إلى الاستنجاد بالمجتمع الدولي لأن يعمل على اسقاط نظام حكم يمارس الدكتاتورية، وهذه هي المخاطر التي تنطوي على هذا النموذج”.

واختتم الأستاذ الهاشمي حديثه بالقول إن النظام الديمقراطي التوافقي “هو الخير لصالح هذا البلد وهو شدة الورد كما يسميها فخامة الرئيس الطالباني وهو الذي سيعمل على استقرار وبناء العراق”، بحسب البيان.

احقية الشيعة في الحكم

من جانبه شدد المرجع الشيعي الكبير اية الله علي السيستاني على ان العراق لا يحكم باغلبية طائفية او قومية انما باغلبية سياسية تشكلها الانتخابات، في رده على تصريحات قيادي في المجلس الاسلامي الاعلى الذي اكد على احقية الشيعة في حكم البلاد.

وكان السيد صدر الدين القبانجي القيادي البارز في المجلس الاسلامي العراقي الاعلى بزعامة السيد عبد العزيز الحكيم اعتبر في النجف ان من "حق الشيعة حكم" العراق موضحا ان الدفاع عن هذا الحق "واجب كونهم يمثلون الغالبية".

وقال مصدر رفيع في مكتب السيستاني ان "وجهة نظر المرجعية الشيعية لا تتطابق بصورة قاطعة مع تصريحات القبانجي".  بحسب الوكالة الفرنسية للأنباء.

واضاف ان "السيد السيستاني لا يزال عند رأيه من ان العراق لا يحكم باغلبية طائفية او قومية وانما باغلبية سياسية من مختلف الشعب العراقي تتشكل عبر صناديق الاقتراع".

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 6/حزيران/2009 - 9/جمادى الآخرة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م