مر مشروع السلام العربي بمحطات تاريخية سجلت جميعها كمشاريع واهمة،
وتنازلات مخزية، وتراجعات متعاقبة، واستمرار لعذابات الشعب الفلسطيني.
من أوسلو إلى مدريد إلى أنابوليس إلى خطة خارطة الطريق مروراً
بالمشروع العربي للسلام عام 1982، وأخيراً وليس آخراً مطالبة العرب
مجدداً بإعادة النظر في مشروعهم، والقبول بتقديم المزيد من التنازلات.
وفي هذا السياق يطلع علينا مبعوث اللجنة الرباعية للشرق الأوسط توني
بلير بتصريح يفتح الباب لوجبة جديدة من التنازلات تُقدم للعرب على طبق
من فضة للمصادقة عليها، فيقول: “إن العمل جار على وضع إطار جديد
لمحادثات سلام جديدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين”.
يأتي تصريح بلير بعد سلسلة تصريحات ومواقف متشددة ومتزمتة من قبل
القيادات في الحكومة الإسرائيلية، ابتداءً من وزير خارجيتها العنصري
الرافض لمبدأ السلام، وقيام الدولة الفلسطينية، ومطالبته العرب
باعترافهم أولاً بيهودية إسرائيل، إلى امتناع نتنياهو لغاية اليوم عن
ذكر قيام الدولتين. وللهروب من التزامات السلام يربط حل القضية بالملف
النووي الإيراني.
المبادرة العربية للسلام تطالب إسرائيل بانسحاب كامل من الأراضي
المحتلة عام 1967، والموافقة على قيام دولة فلسطينية بالضفة الغربية
عاصمتها القدس الشرقية مقابل اعتراف دبلوماسي عربي كامل بالكيان
الصهيوني.
في الواقع إن نطفة السلام المزعومة قد وضعت عام 1969 وفق خطة روجرز
للسلام. هذه النطفة تحولت إلى علقة، ثم إلى مضغة، وفي إثناء مرحلة
تحوّلها إلى عظام، وقبل أن يكسوها اللحم توقفت عن النمو، وها هي مازالت
تسبح في الرحم، وتختنق من انتفاخ المشيمة، فتُجرى لها عملية تلو
العملية فقط لمجرد إبقائها على قيد الحياة وهي في الرحم، وقد لا ترى
النور، وحتى وإن خرجت من الرحم بالعملية القيصرية يوماً ما - وهذه من
المستحيلات - فستكون مولوداً ناقصاً، ومعوقاً، فيضطرون لوضعها حينئذ في
سرير زجاجي لفترة لا يعلمها إلا الراسخون في علم الإجرام. وستكون محاطة
بأسوار فولاذية، ومحاصرة من كل جانب.. تتغذى بالأمصال عبر منافذ يتحكم
فيها أطباء وجيوش بني صهيون، وأما دول الاعتدال ومنظمات الإغاثة فما
عليها سوى شحن مواد غذائية لإبقاء المولودة على قيد الحياة.
وطبعاً تأتي كل هذه الخطوات برعاية دولية، وبقرار دولي قد يصدر من
مجلس الأمن بهدف الحفاظ على حق المعاقة في الرعاية والعيش بجزء من
حقوقها وليس كامل الحقوق !؟
وبعدها يعلن عن إحلال (السلام المنقوص) في الشرق الأوسط، ويتم
الاعتراف بالكيان الغاصب بمراحل.
في أول خطوة تُفتح مكاتب التمثيل الاقتصادي “لإسرائيل” في عواصمنا،
وفي المقابل تفتح الدول العربية مكاتب التمثيل لها في عاصمة “إسرائيل”،
أما فتح السفارات فسوف يتأخر قليلاً لحين توافق سوريا و”إسرائيل” على
مشكلة الجولان السورية، إلا أن هذه الفترة لن تمكث طويلاً.
“إسرائيل” سوف تنسحب من بعض مرتفعات الجولان، وتبقي على الأراضي
التي تعتبرها إستراتيجية لأمنها القومي، وتغذيها بالمياه. ورغم ذلك
يتدفق دبلوماسيون عرب زرافات زرافات إلى عاصمة العدو، وبعد فترة غير
طويلة تحدث انشقاقات في الصف العربي، فتهرول بعض الدول نحو الكيان
الصهيوني وتعترف به قبل إنهاء الأزمة بين سوريا و”إسرائيل” والتوافق
النهائي بينهما.
“إسرائيل” التي طالما عملت على فك ارتباط القضية الفلسطينية
بالجولان ستفرح بقبول أكثرية الدول العربية بالحل التجزيئي، وتنتهي
أزمتها مع جيرانها باستثناء سوريا. هذا هو السيناريو المرتقب في الشرق
الأوسط.
وأما المصطلح المشهور بـ(السلام الشامل) فسوف يستبدل بمصطلح (السلام
المنصف)!! وبهذه المسرحية الهزيلة يُسدل الستار عن أزمة الشرق الأوسط
حسب زعم بعض الساسة في الدول العربية والغربية!!. |