الازمة المالية في تراجُع واستصلاح الوظائف العثرة المقبلة

تحديد توقيت الانتعاش وقوّته يشكلان موضع تكهنات مختلفة

اعداد: صباح جاسم

 

شبكة النبأ: وجد المستثمرون أن من المحبط رؤية أسعار الأسهم في المؤسسات المالية العملاقة تتفاوت صعوداً وهبوطاً بصورة كبيرة خلال اليوم الواحد، فيما أصبحت المصارف بمثابة الجرح المرئي والبشع الذي يذكِّر وول ستريت يومياً بأنها تعرضت للتمزق، رغم أنها أمضت سنين طويلة في بناء نفسها، باعتبارها آلة لصناعة الأموال من خلال أدواتها المالية الذكية.

غير أن الأزمة المالية الكبيرة التي شهدها القطاع المصرفي في العام 2008، انتهت، لكن هذا لم يمنع الحكومة الأمريكية من إعلان إغلاق مصرفين جديدين مؤخرا، لترتفع قائمة المصارف الأمريكية المنهارة إلى 23 مصرفاً، منذ مطلع العام الحالي جراء الأزمة المالية الطاحنة التي هزت القطاع المصرفي...

ويرى خبراء الاقتصاد ان نهاية الازمة باتت تلوح في الافق لكن تحديد توقيت الانتعاش وقوته يشكلان موضع تكهنات مختلفة. فقد اعلن الرئيس الاميركي باراك اوباما مؤخرا انه بدأ يلاحظ "بصيص امل" للاقتصاد الاميركي الذي دخل مرحلة انكماش منذ كانون الاول 2007.

وقال "لقد بدانا نلمس تقدما، ولو استمرينا في هذا الاتجاه، واذا لم نستسلم امام بعض الصعاب، في هذه الحال انني على ثقة تامة اننا سنتمكن من اعادة هذا الاقتصاد الى الطريق السليم".

واستند الى ارقام تشير الى زيادة القروض للشركات الصغيرة والنتائج المفترضة لخطة انعاش الموازنة التي اعلنها في شباط/فبراير وتبلغ قيمتها 787 مليار دولار على ثلاث سنوات. بحسب سي ان ان.

وبحسب توقعات التحقيق الشهري الذي تجريه وول ستريت جورنال عن الظرف الاقتصادي استنادا الى 54 خبير اقتصاد فإن الانكماش ينتهي بعد اقل من ستة اشهر.

وكتبت الصحيفة ان خبراء الاقتصاد "يتوقعون ان ينتهي الانكماش في ايلول/سبتمبر بالرغم من ان معظمهم يقولون ان الاقتصاد لن يستعيد انتعاشه بما يكفي لخفض معدل البطالة قبل منتصف 2010".

وبحسب هذا التحقيق فانه يتوقع ان يتراجع اجمالي الناتج الداخلي بنسبة 5% بالوتيرة السنوية في الفصل الاول كما سيتراجع ايضا بنسبة 1,8% في الربع الثاني قبل ان يسجل تقدما انطلاقا من الفصل الثالث (+0,4%) ويواصل انطلاقته في الفصل الرابع (+1,6%).

ولفتت وول ستريت جورنال الى انها المرة الاولى منذ بدء الانكماش التي لم يخفض فيها خبراء الاقتصاد توقعاتهم قياسا الى الشهر السابق.

وتفيد اخر الارقام الرسمية الى ان اجمالي الناتج الداخلي تراجع بنسبة 6,3 % في الفصل الرابع من العام 2008 بعد ان انخفض بمعدل 0,5% خلال اشهر الصيف الثلاثة.

واعتبر احد مسؤولي الاحتياطي الفدرالي غاري ستيرن الخميس بدون تحديد موعد دقيق ان الانتعاش "يفترض ان لا يكون بعيدا جدا"، نظرا الى تحسن الظروف المالية وخطة انعاش الموازنة الجارية.

أسوأ ما في الأزمة الاقتصادية ولّى.. ولكن الحذر مطلوب

ووفقاً للرجل الذي ربما قام بأكثر الدراسات المفصلة والمكتملة لأصل الأزمة المالية الحالية، فإن أسوأ مرحلة من مراحل التدهور الاقتصادي العالمي قد انتهت.

ففي غضون ستة أسابيع، قام عميد كلية الاقتصاد والأعمال بجامعة نيويورك، توماس كولي، و33 من زملائه، بإعداد 18 دراسة تناولت الجوانب المختلفة لظاهرة الأزمة الاقتصادية العالمية.

وقال كولي في تصريح لـCNN إنه يعتقد أن مؤشرات أسواق الأسهم التي تشهد تصاعداً كبيراً مؤخراً ربما تكون دليلاً على بداية انتعاش اقتصادي واسع النطاق.

وأضاف قائلاً: "هناك مؤشرات مميزة على الانتعاش في الاقتصادي الأمريكي وأنحاء من أوروبا ودول أخرى في العالم. وهناك شعور واضح بأن أسوأ ما في الأزمة قد ولىّ.. ولكن، مازلت هناك العديد من المخاطر في النظام، وعلينا أن نكون حذرين فيما نقيّمه لأن الكثير من المشاكل لم تحل."

وأوضح قائلاً: "على سبيل المثال، سيكون انتعاش سوق العمل بطيئاً، وذلك بسبب تأثيرات السياسة النقدية جزئياً، وكذلك بسبب حزمة الحوافز المالية."

وكان كولي قد قام بتشكيل كادر مالي واقتصادي على وجه السرعة وبصورة منسقة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي في محاولة لمواجهة ما وصفه بأنه 'أسوأ أزمة مالية منذ الكساد العظيم.'"

وفي منتصف ديسمبر/كانون الأول، تم توزيع ما عرف باسم "الكتاب الأبيض" على صانعي السياسة، وتضمن موضوعات مثل الصيرفة وتقييم الائتمان والتمويل واللوائح إضافة إلى جهود الإنقاذ المالي.

وباختصار، فإن ما يقوله كولي هو إنه رغم أن الأزمة الأساسية هي الأسوأ منذ الكساد العظيم، فإن الصورة العامة مختلفة تماماً.

وأوضح: "النتائج الاقتصادية ليست بالسوء الملاحظ، ولن تكون كذلك، مقارنة بسنوات الثلاثينيات من القرن العشرين.. وذلك لأن لدينا فهماً وأدوات أفضل، ولأن الحكومات والبنوك المركزية حول العالم كانت نشطة في مواجهة المسائل."

مسؤول بالمركزي البريطاني: لا يجب الاعتقاد بانتهاء الازمة العالمية

من جهة ثانية قال ديفيد بلانشفلاور عضو لجنة السياسة النقدية ببنك انجلترا المركزي ان العالم يجب ألا يفترض أن أسوأ مراحل الازمة المالية العالمية قد انتهت.

وقال الاقتصادي الذي ينتمي عادة للحمائم لصحيفة التايمز "ما أخشاه هو ظهور الفجر الكاذب مرات عديدة. لا يجب أن نفترض انتهاء كل شيء."بحسب رويترز.

وتابع "يجب أن نعيد التفكير بالامر. يجب أن نتخلص من العديد من النظريات الاقتصادية ونبدأ من جديد. كيف يمكن لاي شخص ألا يقول ذلك ونحن نمر بأسوأ أزمة مالية منذ مئة عام."

وقال بلانشفلاور الذي سيستقيل من منصبه بلجنة السياسات النقدية في نهاية الشهر الجاري انه طالما كان الصوت الوحيد الذي يطالب بخفض أسعار الفائدة في لجنة تحديد أسعار الفائدة بالبنك لكنه لا يشعر الان بأي متعة عندما ثبت أنه على حق عند اندلاع الازمة."

وأضاف "انه شعور صعب عندما تكتشف أنك على حق حينما يكون الاقتصاد في وضع بالغ الصعوبة وعندما نواجه ركودا هو الاضخم على الاطلاق."

وقال بلانشفلاور الذي بدأ التصويت على خفض أسعار الفائدة في أكتوبر 2007 مع ظهور البوادر الاولى للازمة المالية ان واحدا من أوائل مواقفه المعارضة كان الجدال بأنه لن يحدث تضخم في الرواتب مثلما كان أعضاء اخرون باللجنة يتوقعون.وتابع "كنت صوتا وحيدا. واليوم نشهد أكبر انخفاض على الاطلاق في الاجور."

الازمة المالية تهبط بقيمة اكبر 500 شركة 42%

وفي اطار تتابع التداعيات المالية ذكرت جريدة الفايننشال تايمز البريطانية ان الازمة المالية العالمية هبطت بالقيمة السوقية لاكبر 500 شركة حول العالم بواقع 42 في المائة.

واحتفظت شركتا اكسون موبيل الامريكية وشركة بترو تشاينا الصينية النفطيتين بصدارة القائمة السنوية التي تصدر عن الجريدة لاكبر 500 شركة.

وشهدت قائمة هذا العام التي نشرت في عدد الجريدة الاسبوعي انخفاضا في القيمة السوقية لهذه الشركات الى 15.6 تريليون دولار مقارنة بـ 26.8 تريليون دولار في العام السابق بفعل الازمة المالية العالمية.

وتشير قائمة هذا العام، وهي رقم 13، ان القيمة السوقية للشركة التي تحتل ذيل القائمة انخفضت الى 10.1 مليار دولار، مقارنة بـ 19.3 مليار دولار للعام الماضي.

واحتلت شركات النفط مكانة الصدارة في القائمة لتحل محل المصارف، حيث غاد 15 بنكا هذه القائمة، فيما ارتفع عدد شركات النفط المدرجة في القائمة واحدة. وخسرت البنوك المدرجة على القائمة نصف قيمتها السوقية الى 1.9 تريليون دولار.

برامج التحفيز الراهنة ربما كافية حال نجاح تطهير النظام المالي

من جهة اخرى قال مدير صندوق النقد الدولي، دومنيك ستراوس، على هامش الاجتماع السنوي المشترك للصندوق والبنك الدولي بواشنطن، إن البرامج التحفيزية التي خصصتها الدول الكبرى للعام الحالي "ربما كافية" حال نجاح تلك الدول في تطهير أنظمتها المصرفية.

وقال ستراوس إن الصندوق و"اللجنة المالية" توصلا لاتفاق بشان "حجم الجهود المالية الضرورية لإعادة تحفيز النمو في سياق أطر مالية موثوقة لضمان تنمية مستدامة على المنظور البعيد."

وذكر أن تبني إجراءات للتغلب على الأزمة الاقتصادية وضرورة تنقية النظام المصرفي، كانا أبرز ما بحث خلال الاجتماع، وشدد على ضرورة إصلاح النظام المالي، مؤكداً مسؤوليات الصندوق الجديدة في تقييم ومراقبة التدابير التي ستتخذها كل دولة على حدة لإنعاش نظامها المالي. بحسب رويترز.

وأضاف أن الجميع متفقون على أن هناك ضرورة ملحة لتطهير النظام المالي من الأصول الخطرة أو المعدومة التي تمنع تدفق القروض والذي من شأنه تنشيط الاقتصادات.

وتحدث عن خلاف بين الأعضاء بشأن "إستراتيجية خروج" من الأزمة الراهنة وسط مؤشرات بتعافي الاقتصاد، بين دول تسعى لاستنباط أساليب للانفكاك من الدعم الحكومي المكثف، وأخرى، من بينها الولايات المتحدة، ترى أن الوقت مبكر للاعتقاد بإنتهاء الأزمة.

وأشار صندوق النقد الدولي إلى إحرازه تقدماً في تأمين 500 مليار دولار تعهدت مجموعة العشرين، في قمتها بلندن في مطلع الشهر الجاري، بتقديمها في سياق خطة لإنعاش الاقتصاد العالمي.

استصلاح الوظائف العثرة المقبلة أمام تحسن الاقتصاد العالمي

وجد المستثمرون أن من المحبط رؤية أسعار الأسهم في المؤسسات المالية العملاقة تتفاوت صعوداً وهبوطاً بصورة كبيرة خلال اليوم الواحد، فيما أصبحت المصارف بمثابة "الجرح المرئي والبشع" الذي يذكر "وول ستريت" يومياً بأنها تعرضت للتمزق، رغم أنها أمضت سنين طويلة في بناء نفسها، باعتبارها "آلة لصناعة الأموال" من خلال أدواتها المالية الذكية. بحسب سي ان ان.

غير أن الأزمة المالية الكبيرة التي شهدها القطاع المصرفي في العام 2008، انتهت، لكن هذا لم يمنع الحكومة الأمريكية الجمعة من إعلان إغلاق مصرفين جديدين، لترتفع قائمة المصارف الأمريكية المنهارة إلى 23 مصرفاً، منذ مطلع العام الحالي جراء الأزمة المالية الطاحنة التي هزت القطاع المصرفي في الولايات المتحدة.

فقد صرحت "مؤسسة ضمان الودائع الأمريكية" أن إغلاق مصرفي "كيب فير بانك أوف ويلمينغتون" بنورث كارولينا، و"نيو فرانتير بانك أوف غريلي"، من كولورادو، سيكلف صندوق تأمين الودائع 801 مليون دولار.

الأزمة المالية بدأت في الخامس من سبتمبر/أيلول 2008، عندما أشهر مصرف "ليمان بروذرز" إفلاسه، وازدادت سوءاً عندما انخفض سعر سهم "سيتي غروب" إلى أقل من دولار خلال الشهر الماضي.

واعتقد معظم المحللين أن أزمة قروض الائتمان، بكل تشعباتها، بدأت عندما ارتفعت معدلات الإقراض بشكل صاروخي، ثم هوت مرة واحدة، ما أثر على المصرفي الأمريكية بشدة جراء تلاشي أصوله المستثمرة في قطاع الرهن العقاري.

لكن، رغم صحة هذا الأمر، إلا أنه صحيح بشكل جزئي، فقد قدمت المصارف سلسلة من القروض الهائلة السيئة للمؤسسات المالية الخاصة، التي تعمل في مجال السندات والتمويل والعقارات، بحيث أن الإنسان العادي بات يحمل بطاقة ائتمان من دون توافر القدرة لديه على الدفع.

لقد صبت الحكومة الأمريكية الأموال الهائلة في قطاع المصارف وشركات عملاقة أخرى بهدف منع الانهيار التام للاقتصاد الأمريكي، ومن ورائه الاقتصاد العالمي، وبلغت حجم الأموال التي رصدتها إدارة الرئيس السابق، جورج بوش، والحالي، باراك أوباما، ضمن ما عرف بحزمة التحفيز الاقتصادي أو حوافز الإنقاذ، 700 مليار دولار.

ورغم البوادر الأولية غير المشجعة، إلا أن القطاع المصرفي الأمريكي بدأ يستعيد عافيته، وربما يكون قد تجاوز الأزمة، على أن ما يتبقى هو استصلاح الوظائف، الذي قد يستغرق الانتهاء منه سنوات طويلة.

اتهامات للإعلام الاقتصادي بالتقصير في توقّع الأزمة العالمية

تحت عنوان "أين كان الإعلام الاقتصادي قبل الأزمة المالية العالمية،" تباعدت الرؤى في ندوة حول مسؤولية الإعلام في هذه المسألة بين من أقر بوجود قصور في التغطية الإعلامية لهذا الحدث مقابل آخرين رفضوا مثل هذه التهمة.

فمن بين ما لا يقل عن أربعين حاضرا، لم ترفع سوى بضعة أيد تأييدا للرأي القائل بأن الصحافة بريئة من الإهمال فيما يتعلق بالأزمة، وذلك ردا على سؤال مدير الندوة، التي عقدت بمنتدى الإعلام العربي بدبي، الاثنين،  تود بينجامين، حول هذه المسألة. بحسب سي ان ان.

فمن ناحية الأزمة في المنطقة العربية، رأى إحسان جواد، مدير موقع زاوية الالكتروني المتخصص بشؤون الأعمال، أن قطاعات الأعمال والتجارة هي حديثة العهد في المنطقة، وبالتالي فما تزال التغطية لهذا النوع من الإعلام فتية، مشيرا إلى افتقارها للنضج والتجربة الكافية.

وحول مسألة الشفافية وأثرها على عمل الاعلام الاقتصادي العربي، رأى جواد أن الصحافة الاقتصادية قد ورثت حالة الخوف والرقابة الذاتية التي عانت منها نظيرتها السياسية، مما فرض عليها قيودا ذاتية بالدرجة الأولى، مؤكدا انه رغم أن الجهات الرسمية العربية لا تتدخل بشكل مباشر في هذا النوع من الإعلام إلا أنها بالمقابل لا تشجعه.

وعلاجا لهذه المسألة أكد جواد ضرورة أن تتاح للإعلاميين الاقتصاديين القدرة على الوصول والتواصل مع صناع القرار وتحديدا في المنطقة العربية وذلك للوصول إلى قدر أكبر من الشفافية.

ومن جهته، لم ير ستيفن هول، الرئيس التنفيذي لقناة CNBC العربية، الأمور على هذا النحو فرغم إقراره ضرورة وجود المزيد من الشفافية في العالم العربي، إلا أنه رأى ان القطاع الاقتصادي لا يزال فتيا وهو بالتالي بحاجة إلى مزيد من الوقت كي ينمو ويتطور مع عجلة الزمن وتتطور قدرته على التفاعل مع الإعلام.

وحول الإطار العالمي الأوسع للأزمة، رأت مارثا هاميلتون، الكاتبة الصحفية الأمريكية المتخصصة بالاقتصاد، أن الإعلام الاقتصادي قد وقع في خطأين أساسيين، أولهما هو عدم قيام الصحفيين بإجراء تحقيقات مفصلة حول السوق والتغيرات في مجال الأعمال.

وبالنسبة للخطأ الثاني رأت هاميلتون أن الصحفيين لم يتمكنوا من رؤية مسيرة الاقتصاد العالمي بصورة كلية، حبث اكتفوا بتغطية أخبار متفرقة، مما حال دون إضافة تقييم عام وشامل للوضع الاقتصادي العالمي.

وبين المدير التنفيذي لمعهد الاقتصاد الماليزي، محمد عارف، أن الأزمة كانت تتطور لعقدين من الزمن، وفي غمرة التقارير المتفائلة التي كان ينشرها الأخصائيون المتخصصون، لم تجرؤ الصحافة على نشر آراء مضادة للمزاج العام وتتوقع مثل هذا الإنهيار.

هل تؤدي الأزمة المالية إلى توافق تنظيمي بين الولايات المتحدة واوربا؟

وتتيح التدابير والأساليب التنظيمية المتشابهة التي طبقتها كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مؤخرا لمعالجة الأزمة المالية فرصة لتحقيق مزيد من الانسجام والتوافق التنظيمي بين طرفي المحيط الأطلسي. غير أن الخبراء ينصحون رؤساء ومديري المؤسسات التجارية والخاصة بعدم التعويل على ذلك.

كان الشركاء على طرفي الأطلسي قد اتفقوا بصفتهم أعضاء مجموعة العشرين للدول الاقتصادية على مبادئ تحقيق الاستقرار المالي وتدابير التعاون التنظيمي. غير أنه رغم التدابير التي اتفق عليها في قمة مجموعة العشرين في لندن في 2 نيسان/أبريل والتي وعدت بزيادة الرقابة والإشراف على الخدمات المالية، فلن تكون إزالة الفوارق والاختلافات بين أنظمة وأساليب التنظيم الأميركية والأوروبية أمرا سهلا.

علّق على ذلك جوزيف كوينلان، الباحث في مركز العلاقات عبر الأطلسي في جامعة جونز هوبكنز في بولطيمور بقوله: "آمل أن يكون هناك تنسيق أفضل في السيطرة على تدفقات رأس المال على جانبي الأطلسي، وهذا أمر يمكن أن نعالجه معا عندما نوجد له الإطار" المناسب.

وفي حين يتغير التفكير – وخاصة في الولايات المتحدة حيث يميل صانعو السياسة إلى التخلي عن الاعتقاد بأن الأسواق قادرة على تنظيم نفسها – تبدو أساليب التنظيم لكل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي أكثر شبها ببعضها البعض. بحسب موقع أميركا دوت غوف.

لكن كوينلان يتساءل عن ما إذا كانت النظم والقواعد الأوروبية والأميركية ستنسجم حقا وتتوافق في المستقبل القريب. والأرجح أنها لن تتفق. إذ قال كوينلان لموقع أميركا دوت غوف "إن هناك مصالح حكومية سيادية كثيرة متداخلة."

تنشأ التساؤلات عندما تطرح الإصلاحات على بساط البحث. وتقول ريم أيادي، رئيسة وحدة المؤسسات المالية في مركز دراسات السياسة الأوروبية في بروكسل، إنها ليست واثقة من فعالية أي إطار دولي للتنظيم المالي يعتمد على السلطات الوطنية للبلدان في وضع تدابير وأنظمة معينة وتتولي تطبيقها أيضا. وضربت أيادي مثلا على ذلك بالقول إن مجمع المشرفين على المصارف الذي وافقت عليه مجموعة العشرين سيتطلب تبادلا غير مشروط أو مقيد للمعلومات الحساسة الخاصة بالتعامل التجاري بين البلدان المختلفة، وهو أمر حدوثه مشكوك فيه.

وصرحت أيادي لموقع أميركا دوت غوف بقولها "إنهم يكافحون في الاتحاد الأوروبي كي يكون هناك مشرف أوروبي لأن المشرفين الوطنيين على التنظيم في كل منطقة يصرون هم على تنظيم الصناعة المصرفية في منطقتهم."

وقالت أيادي إن التجارب السابقة ليست مشجعة أيضا. فقد تم تطبيق اتفاق بروكسل الثاني للعام 2004 الخاص برأس المال ومعايير إدارة المجازفة بشكل مختلف في الولايات المتحدة عن تطبيقه في الاتحاد الأوروبي. وكانت النتيجة أن المصارف الأوربية كانت أقل تمويلا بكثير من حيث رؤوس الأموال عن المصارف الأميركية عندما اندلعت الأزمة.

وعلى الرغم من الكثير من ملامح السوق المشتركة، فإن النظم التنظيمية للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تنزع إلى التباعد نتيجة لاختلاف أساليب التعامل مع السوق والظروف السياسية والقيم والسلوكات العامة. فمن ناحية عامة، فضّل الأميركيون الأسلوب القائم على المبادئ الذي يسمح للصناعات بأن تضع بنفسها القواعد والسياسات، الأمر الذي ينطوي عادة على تقبل قدر أكبر من المجازفة. أما الأوروبيون فقد اتبعوا نهجا يعتمد التنظيم فيه، في الغالب، على القواعد، وهو نهج يفرض قواعد محددة على الشركات ومؤسسات الأعمال التجارية ويحاول التخفيف من مجازفات الهيئات الصناعية التي غالبا ما يتسم رد فعلها بالرداءة.

وتقول أيادي: "ليست السياسات التنظيمية هي المختلفة وحسب، بل وبنى الهياكل والأساليب التنظيمية أيضا."

ويقول ديفيد فوغل، أستاذ أخلاقيات العمل التجاري في جامعة كاليفورنيا ببيركلي إن العافية والسلامة والبيئة التنظيمية الأوروبية ظلت على مدى الخمسة عشر عاما الأخيرة أكثر جرأة بكثير وأكثر شمولا وبعدا عن المجازفة مما كان في الولايات المتحدة. ويضيف فوغل قوله لموقع أميركا دوت غوف "أنا لم أشهد في هذه المجالات إلا تنافرا متزايدا."

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 3/حزيران/2009 - 6/جمادى الآخرة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م