"المستوى المخيب في القطاع الصحي أوجد مناخا وفرصة كبيرة للقطاع
الخاص للاستثمار في هذا المجال، وشاهدنا بناء مستشفيات عملاقة مؤهلة
(صروح فندقية للعلاج) استقطبت خيرة الأطباء بالرواتب والحوافز المادية
المغرية، وجعلت العديد من الأطباء المميزين يهرولون إليها تاركين
القطاع الحكومي"
طالما بالغ الإعلام الرسمي بالمشاريع الصحية الضخمة ومنها المدن
الصحية، وبالعمليات الصحية التي تحدث في الوطن لمن هم من خارج الوطن
مثل فصل التوائم، وبالميزانية المحددة كل عام لهذا القطاع الخدماتي
الهام التي وصلت في اخر ميزانية نحو 25 مليار ريال أي أكثر من 6 مليار
دولار، وهذا ما يضاهي ميزانية كاملة لبعض الدول. ولكن الحقيقة على ارض
الواقع مختلفة إذ إن الوضع الصحي في المملكة مريض جدا يعاني من مشاكل
صحية ومن أورام خبيثة معدية.. لم تفلح المضادات والمسكنات القوية من
السيطرة على المرض وتحديده، ولم تستطع التغيرات الوزارية المتعددة في
هذا القطاع من استئصال الأورام ومعالجة الوضع، وان ما يقال مجرد كلام
إعلامي لمشاريع تقع في مدن محددة جدا بينما أغلبية الشعب الذي يعيش في
العديد من المدن والقرى مصيره الإهمال.
إذ يحتاج المريض إلى واسطة وخطابات وحبة رؤوس لـ(..) للحصول على
سرير في مستشفى متخصص، وان هناك 8 أطباء فقط لكل عشرة الاف مواطن!! .
قبل نحو ست سنوات كتبت عدة تحقيقات صحفية على حلقات في احد الصحف
المحلية تتناول الجوانب السلبية في القطاع الصحي الحكومي ومعاناة
الأطباء وبالخصوص (المواطنون) وضعف الرواتب والحوافز، ودور المحسوبية
في توزيع المناصب بعيدا عن الكفاءة ولو على حساب صحة الإنسان، وسوء
الخدمات المقدمة وسلبية تشغيل المستشفيات من قبل الشركات، وكثرة
الأخطاء الطبية، وافتقاد مراكز الرعاية الصحية الأولية للمقار الحكومية
المؤهلة. وبعد كل هذه السنوات والطفرة الاقتصادية ما تزال المشاكل
تتجدد وتتورم وتستفحل بشكل اخطر، فقد نشرت الصحف المحلية مؤخرا خبرا
بان أعضاء مجلس الشورى السعودي استغربوا من هول الأرقام والنتائج
المقدمة من قبل وزارة الصحة خلال مناقشتها للتقرير السنوي للعام المالي
1427 – 1428 هـ أي عن الفترة السابقة في عهد الوزير السابق. حيث جاء
فيه "أنه تم تأمين أجهزة أشعة لبعض المستشفيات، ولم تعمل لعدم مناسبة
القياسات المطلوبة، وأن هناك بعض المستشفيات في حاجة إلى أجهزة مهمة في
الفحص والتشخيص مما أثر سلباً على مستوى الخدمة الصحية، وافتقار
مستودعات التموين الطبي إلى وسائل السلامة، واستخدام أساليب تخزين ونقل
للنفايات الطبية شديدة الخطورة لا تتطابق مع المواصفات والشروط الآمنة".
وقد علق إحسان فقيه عضو المجلس على التقرير: مستفسرا "كثير من
مستشفيات الحكومة يتم تشغيلها عن طريق شركات تستقدم الطاقم الطبي، فهل
يعلم مسؤولو الصحة أن رواتب معظم هؤلاء تتراوح ما بين ثلاثة آلاف
وأربعة آلاف ريال، ورواتب الأخصائيين لا تتجاوز خمسة آلاف ريال،
والاستشاريين 10 آلاف ريال، فمن أين تأتي المهارة الطبية مع هذه
الرواتب المتدنية؟؟".
ومن الجميل أن ننقل مداخلة الدكتور عبدالله بخاري عضو المجلس إذ
قال :" أن دولة فقيرة ومحاصرة اقتصاديا منذ 40 عاماً وهي كوبا لا يوجد
لديها موارد عدا السكر والتبغ والسياحة، إلا أن خدماتها الصحية أفضل
منا فيوجد بها أكثر من 70 ألف طبيب، والغطاء الطبي فيها للسكان يبلغ
100 في المائة، ولكل ألف مواطن يوجد 62,7 طبيبا بينما في السعودية هناك
8 أطباء فقط لكل عشرة الاف مواطن".
هذا المستوى المخيب في القطاع الصحي أوجد مناخا وفرصة كبيرة للقطاع
الخاص للاستثمار في هذا المجال، وشاهدنا بناء مستشفيات عملاقة مؤهلة
(صروح فندقية للعلاج) استقطبت خيرة الأطباء بالرواتب والحوافز المادية
المغرية، وجعلت العديد من الأطباء المميزين يهرولون إليها تاركين
القطاع الحكومي، ولتفضح الحكومات التي تملك المليارات التي عجزت عن
بناء مثل هذه الصروح. ولكن للأسف هذه المستشفيات للنخبة وأسعارها عالي
جدا. ومن السلبيات لهذا الاستثمار المغري الذي تحول إلى منشار طالع أكل
نازل أكل بدون رقيب، بروز مستشفيات تبحث عن المال فقط تفتقد الحد
الأدنى من المشاعر الإنسانية وخدماتها أسوء من القطاع الحكومي المتورم
بـ (..) تتلاعب بصحة الناس أصحاب الدخل المحدود المضطرين للذهاب إليها
لغياب العلاج الحكومي.
هل يملك الوزير الجديد الخبير والجراح الشهير الدكتور عبدالله
الربيعة من إيجاد العلاج الناجع للإمراض المستفحلة في القطاع الصحي أم
ان الورم اكبر من الإمكانات؟ أم ان حالة القطاع الصحي المتردية في
السعودية هي جزء مما تعاني منه العديد من الجهات الحكومية الأخرى التي
تعاني من نفس المرض؟ |