تأصيل النص السردي وسمة الصدق

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: كثيرا ما تطالعنا سمة الصدق في طروحات النقاد بشأن السرد وكذلك في آراء الكتاب والقراء معا وغالبا ما تتحدد أصالة النص السردي في ضوء الفرادة التي يتمتع بها والمغايرة التي سيكون الصدق الفني مصدرها الاول.

ولعلنا لا نخطئ اذا قسمنا الصدق في صياغة النص السردي بين نوعين هما:

أولاً: الصدق الواقعي الذي يصور الحدث الروائي أو القصصي بأمانة تماما كما تعمل الكاميرا حين تؤدي عملها بحياد لا يقبل الشك.

ثانياً: الصدق الفني حيث تنتفي حالة الحياد ويتدخل الفن ليعطي للحدث أبعادا أخرى مضافة تفوق أبعاده الواقعية وتغايره في آن.

وفي وصية جورج ديهاميل لولده نقرأ (وعندما تأتيك فكرة كتاب، وتجد في نفسك ميلا وفي وقتك متسعا لعمله إلقِ بنفسك اليه بكل قواك ولكن لا تنس أن تعيش أولا.. عش بحرارة ثلاثة أشهر لتكتب ثلاثة أيام وتنتج ثلاث صفحات)* ... فاذا تصورنا ان ثلاث صفحات فقط من الكتابة الابداعية لا تأتي إلاّ بعد هذا العناء، فإننا حتما سنثمن قيمة الصدق التي تقف وراءها وإذا تذكرنا ذلك القول الحقيقي المدهش للكاتب والمنظِّر (إمبرتو إيكو) الذي ورد في روايته الشهيرة (إسم الوردة) فإننا سنضيف رصيدا آخر الى قيمة الصدق ودوره في تأصيل النص السردي إذ يقول إمبرتو (إن الكتابة تبدو في الظاهر كما لو انك تمسك القلم بثلاث أصابع وتباشر بالخط على الورق لكن في حقيقة الامر إن جميع أعضاء جسمك تواصل العمل بجدٍ وألم). ولعلنا نتذكر أيضا ما قاله هوثرون في رسائله عن صديقه الحميم الروائي هيرمان ميلفل حيث أكد على ان الصدق الشديد الذي يتمتع به أدب ميلفل هو السبب الوحيد لخلوده.

ولكن ثمة منحى أخر لسمة الصدق ربما يأخذ مسارا مضادا لمقاصد هذه السمه، أي ربما ينحو هذا الصدق منحى كاذبا، ففي الوقت الذي يكون فيه السرد مقنعا ويبدو لنا في الظاهر صادقا فإنه في نهاية المطاف لن يكون إلاّ سردا كاذبا يحاول أن يرسخ حالة ما أو صورة معينة تخدم أهدافا بعينها ولربما سيدخل في هذا الاطار السرد التأريخي سواء بصيغة أدب مؤرِّخ أم طروحات سياسية يكون الهدف منها ترسيخ حادثة أو حوادث كاذبة في أذهان العالم البشري على حساب الحقيقة.

فهل يعني هذا الكلام أن سمة الصدق في السرد الأدبي او التأريخي يمكن ان تُجيَّر لصالح الزيف؟ ربما لن تكون ثمة مغالاة اذا أجبنا بالإيجاب خاصة في ما يتعلق بالسرد التأريخي القابل للتشويه. أما في السرد الأدبي فإن الوقائع يمكن أن تسهم في عملية التزييف على أن يتم توظيف الوقائع نفسها في هذه العمليه لكن سنقرّ باستحالة إسهام الجانب الفني في تزييف الحقائق، فالفن كما هو معروف للجميع له قصب السبق في معالجة الأخطاء البشرية ولن يكون بمقدورنا تسخيره لغاية مزيفه إذ سرعان ما ستنكشف اللعبة لأنها أساسا لا تستند الى الصدق الفني الذي تحدث لنا عنه جورج ديهاميل في وصيته لإبنه.

وضمن هذا التوصيف يمكن الإفاده من سمة الصدق لاسيما في جانبها الفني لان الصدق الواقعي هو صورة واضحة للعيان ليست بحاجة الى جهد كالذي يجب أن يبذله الكاتب وهو يباشر ويواصل عملة السردي بصدق فني له القدره على التفرد والخروج خارج دائرة المعتاد.

* التحليل النقدي والجمالي للأدب، د. عدنان غزوان ــ بغداد 1985.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 30/آيار/2009 - 2/جمادى الآخرة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م