الدكتور خالد عليوي ينال شهادة الدكتوراه في الفكر السياسي عند الامام الشيرازي من جامعة بغداد

 

شبكة النبأ: نال الدكتور خالد عليوي العرداوي شهادة الدكتوراه من كلية العلوم السياسية في جامعة بغداد الطالب وبتقدير جيد جدا لأطروحته الموسومة (الفكر السياسي عند الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي)، في أول جهد أكاديمي من نوعه في العراق متخصص بالفكر السياسي للسيد الامام الشيرازي.

والدكتور خالد عليوي العرداوي هو مدير قسم الدراسات الاستراتيجية في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية، واستاذ العلوم السياسية في كلية القانون في كربلاء المقدسة.

وهدفت الاطروحة الى دراسة مشروع بناء دولة اسلامية لدى السيد الشيرازي الذي اراد لها ان تكون عصرية بكل ماتنطوي عليه هذه الدولة من اجتماع بشري منظم، ونظام حكم عادل، ومنظومة حقوق وحريات واسعة، و مشروعه هذا ينطوي على اشراقات فكرية تحتاج المزيد من التأمل فيها ودراستها، لكنه لا يخلو من ثغرات تحتاج الى اعادة النظر والمعالجة من قبل الباحثين والمهتمين.

وتستعرض الأطروحة الفكر السياسي الإسلامي المعاصر الذي عانى من الإهمال والتهميش في الحقبة السابقة على 9/4/2003، والحاجة الماسة أكاديميا ومعرفيا من اجل إعطاء هذا الفكر الاهتمام الذي يستحقه في مؤسساتنا الأكاديمية في الوقت الحاضر، وتشخيص ما وقع فيه من عثرات وما أثاره من أطروحات لكي لا يبقى أسير المبادرات الفردية والمناهج السلطوية.

وتشير الاطروحة الى ان "الشيرازي في فكره عموما وفكره السياسي بشكل خاص كان مهتما بمشكلة سبب تخلف المسلمين اليوم وتراجعهم سواء في ميادين القوة والنفوذ العالمي أم في ميادين الحكم وعلاقة القمة بالقاعدة أم في ميادين الحقوق والحريات وكان هذا الأمر شغله الشاغل في مجمل نشاطه العلمي والعملي".

واكد الدكتور خالد عليوي خلال مناقشته على انه " وجد الشيرازي أثناء بحثه إن أنظمة الحكم الوضعية التي تحكم بلدان عالمنا الإسلامي على اختلاف إشكالها ومن يدعم وجودها وبقائها داخليا وخارجيا هي المسؤولة عن تخلف المسلمين متعدد الإبعاد لما تستند إليه – حسب اعتقاده - من مناهج حكم ومنظومات قيم بعيدة عن فطرة الإنسان ولا تنسجم مع سر وجوده في الكون، لذا بشر في كتاباته بعلاج ما يعانيه المسلمون من خلال تأكيده على ضرورة إقامة نظام حكم اسلامي يستمد من السماء كافة مظاهره وجواهره، فقدم مشروعا لبناء دولة إسلامية عصرية، متجاوزا بذلك صفته الفقهية المقتصرة على أبواب العبادات والمعاملات التقليدية ببحثه في أبواب جديدة نوعا ما في الفقه الإسلامي يأتي في مقدمتها باب السياسة الذي تطرق إليه بقوة في بعض كتبه وأشار إليه عرضا في كتب أخرى، ان التأكيد على ان الفكر السياسي الشيرازي ينطوي عند تحليله الدقيق على مثل هذا المشروع مثل الفرضية التي حاول الباحث إثباتها من خلال فصول ومباحث هذه الأطروحة".

وتسهب الاطروحة في "ما رآه الشيرازي في الضرورة المنهجية تقسيمها إلى مقدمة وأربعة فصول وخاتمة. اذ بينت المقدمة الأمور الأساسية المطلوبة كأهمية البحث وفرضيته وصعوباته ومنهجيته وهيكليته، اما الفصول فقد انطوت على ثمانية مباحث وبواقع مبحثين لكل فصل.

شخصية الإمام الشيرازي

في الفصل الاول حرص الباحث في مبحثه الاول ومن خلال مطلبين على اعطاء القارئ صورة متكاملة عن شخصية الشيرازي واصوله الفكرية لتلافي اللبس الذي وقع فيه كثيرون عندما يذكر لهم اسم (محمد الحسيني الشيرازي) لربطهم بينه وبين فقهاء اخرين، فظهر انه من اسرة علمية عريقة تنحدر اصولها الى البيت النبوي الشريف، وان له سمات خلقية رفيعة انعكست على ما يعتنقه من افكار سياسية، وله منهجية محددة تقوم على ثلاثة ثوابت هي: اسلامية المنطلق، أي بمعنى انه ينطلق من عقيدته الإسلامية في تأكيد أطروحاته السياسية وغير السياسية ولم يكن يقبل أي فكرة أو سلوك لا تكون العقيدة الإسلامية مصدر إشعاعه ومشروعيته علما ان منطلقه الإسلامي يرتكز على بعد مذهبي لكن الشيرازي لم يجعل مذهبيته مذهبية رافضة ومتخندقة اتجاه الاخر المذهبي او الديني.

 اما الثابت المنهجي الثاني فهو التنوع في الإنتاج الفكري ووحدة الهدف، وهدف الشيرازي من كل كتاباته هو بناء الدولة الإسلامية العالمية التي تحقق السيادة والسعادة للمسلمين في مختلف بقاع الأرض.

 أما ثابته المنهجي الثالث، فهو انطلاقه من الواقع لبناء المثال، والمقصود به هو انه على الرغم مما ينطوي عليه مشروع الشيرازي في بناء الدولة الإسلامية من رؤى مثالية، فأنه لم يكن اسير مثالياته بل كان حريصا على تحليل الواقع بشكل دقيق واستعمال أدواته المناسبة في الوصول الى انجاز مشروعه فهو لا يتخلى عن مثالياته من جهة ولايقبل بتجاوز الواقع من جهة اخرى.

شخصية حافلة بالنشاط السياسي متعدد الأبعاد

وفي المبحث الثاني تم التطرق في مطلبين الى السيرة العلمية والسياسية للشيرازي، فاتضح انه كاتب ذو نتاج فكري غزير وفي مختلف الميادين ومنها ميدان السياسة حتى قيل عنه سلطان المؤلفين ونابغة الدهر والمجدد الثاني وغيرها من النعوت والصفات التي تبين مقدار علمه، كما انه شخصية حافلة بالنشاط السياسي متعدد الأبعاد اتجاه أنظمة الحكم والقوى السياسية السائدة او اتجاه التيارات الفكرية الوافدة التي دخل في جدل وحوار وصراع معها في داخل العراق وخارجه عند تنقله بين لبنان والكويت وايران حتى وافته المنية في عام 2001.

 أما الفصل الثاني فقد جاء بعنوان الاجتماع والدولة في فكر الشيرازي، و تطرق في مبحثه الأول إلى قضية الاجتماع من خلال مطلبين تناول المطلب الأول منهما ضرورة الاجتماع، إذ كما يتضح من عنوانه ان الشيرازي اقتفى نهج كتاب الاجتماع القدامى والمعاصرين في التأكيد على ضرورة الاجتماع للكائن البشري كون الإنسان اجتماعي بطبعه يأنس بغيره ويستوحش لفقده، وانه في ظل الاجتماع يشبع حاجاته ويحقق أمانه وينسق نشاطه فيظهر اثر ذلك على صحته وعمره وبالتالي سعادته على الرغم مما قد ينطوي عليه الاجتماع من مظاهر التدابر او الترابط التي قد تأخذ الاجتماع الإنساني نحو الرقي او الانحدار اعتمادا على القانون العام المؤطر للاجتماع، ثم يصنف الشيرازي الاجتماعات إلى أنواع مختلفة اعتمادا على حجمها وفضيلتها ومستوى الحريات السائدة فيها وتطورها الاقتصادي وفلستها، فيخلص من كل ذلك إلى إن أفضل أنواع الاجتماع هو الاجتماع الديني الذي يحكمه قانون السماء ويؤطر حركة أفراده ومجموعاته، ولا يقصد بذلك اي اجتماع ديني، بل المقصود به هو الاجتماع الديني الإسلامي الذي يرسم معالمه العامة ويضع قواعده النافذة الفكر السياسي الشيرازي.

 أما المبحث الثاني فتطرق في مطلبين الى طبيعة الدولة ومصدر سلطتها عند الشيرازي، فتبين ان هذه الدولة ذات طبيعة دينية رافضة لمقولة فصل الدين عن الدولة، والدين هنا هو الدين الإسلامي الذي يصلح لكل زمان ومكان- حسب الشيرازي- وقد قامت مثل هذه الدولة تاريخيا في عهد الرسول صلى الله عليه واله وعهد الامام علي عليه السلام ولانظير لها اليوم بين دول العالم حتى بين تلك الدول التي تسمي نفسها أسلامية، وحرص الباحث على تأكيد الطبيعة الدينية للدولة عند الشيرازي من خلال بيان مقوماتها لديه والتي تمثلت بتطبيق الشريعة الاسلامية والغاء الحدود الجغرافية بين البلدان الإسلامية والأخذ بمبادئ الاقتصاد الإسلامي وإلغاء قانون الجنسية الوطنية المعمول به في الوقت الحاضر والتحلي بالأخلاق الإسلامية وعد لغة القرآن اللغة الرسمية للدولة.

 إما مصدر سلطة هذه الدولة فهو الله سبحانه لما له تعالى من ولاية تكوينية وتشريعية في الكون، وهو سبحانه يفيض من ولايتيه هاتين على بشر مختارين معصومين هم الأنبياء والأوصياء بموجب نظرية الخلافة وسلطة المعصوم في حالة غيابه تتحول إلى الفقهاء العدول بموجب نظرية النيابة، وبهذا لا يكون الشعب مصدر السلطة كما هو الحال في الدول الوضعية، إذ سيقتصر دوره عند وجود المعصوم على السمع والطاعة أما عند غيابه فسيتسع دوره ليتدخل في اختيار الحاكم ومراقبته ومحاسبته وعزله وفقا لما تنص عليه الشريعة، ومنطلقات الشيرازي هذه حول الدولة ستترك اثرها على توزيع السلطات فيها وهو ما بينه الفصل الثالث من الأطروحة. اذ وجدنا ان هذا التوزيع لايستند الى وجود السلطات الثلاث – تشريعية، تنفيذية، قضائية – بل هو في الوقت الذي قبل بوجود السلطات الثلاث واقر نوعا ما الفصل بينها من باب اتباع الاصلح، فأن التحليل الدقيق لكتاباته في هذا المجال يبين ان السلطة العليا في الدولة عنده هي سلطة غير تقليدية تمثلها الولاية الفقهية ( الفردية او الجماعية حسب مقتضى الحال )، وقد جعل تشكيل هذه السلطة ومدة ولايتها وطريقة اتخاذ قراراتها خاضعة لاحتمالات عدة تأخذ بالحسبان التنوع المذهبي في البلدان الاسلامية، واعطى لمن يمسك زمام هذه السلطة شروطا تجعل شروط مرجع التقليد المعروفة في المذهب الشيعي – البلوغ، الايمان، العقل، العدالة، الرجولية.........الخ – غير كافية لوحدها مع ضرورتها، بل لابد من شروط اخرى تم تسميتها في الاطروحة بشروط القيادة منها : الكفاءة، والاتقان في العمل، والاستشارة، الانفتاح على المعارضة، التواضع، الجماهيرية، اللاعنف، الولاية المحدودة........الخ.

وبعض هذه الشروط وحدها تجعل اطروحات الشيرازي مثيرة للخلاف بل والرفض ممن لايقولون برأيه وقد حرص الباحث في هذا الفصل بمبحثيه على تأكيد صفة السلطة العليا المعطاة للسلطة الفقهية وبيان مصير السلطات التقليدية الثلاث والعلاقة بينها وبين السلطة الفقهية.

منظومة الحقوق والحريات في الاسلام

ولكي يستكمل المشروع السياسي عند الشيرازي بنيانه فلابد من وضع منظومة حقوق وحريات تحمي البشر افرادا ومجموعات، لذا وجدنا اهتماما واضحا وتركيزا كبيرا على هذا الامر في الفكر السياسي عند الشيرازي، فجاء الفصل الرابع ليكون محوره هذا الموضوع، من خلال مبحثين تم الحرص فيهما على بيان مفهوم وضوابط وضمانات الحقوق والحريات عند الشيرازي من جهة، وبيان تصنيفها من جهة اخرى مستعينين بالفهم المعاصر لهذه الموضوعات الذي طرحه عدد من الكتاب والباحثين ومقارنته برأي الشيرازي، وبتصنيف الحقوق والحريات اعتمادا على ما ورد في الشرعة الدولية لحقوق الانسان، وقد تبين من خلال ذلك ان الشيرازي ينطلق من الشريعة الاسلامية في حديثه عن الحقوق والحريات ليؤكد على سعة منظومة الحقوق والحريات في الاسلام لتستوعب كل ما موجود في الشرعة الدولية وتزيد عليها، جاعلا الشريعة هي التي تحدد هذه الحقوق والحريات سعة وضيقا، فما أباحته الشريعة مقبول وماحرمته مرفوض ولايمكن تحليل ماحرمته او تحريم ما اباحته، كما ركز الشيرازي في كتاباته على حقوق المرأة والسجين والطفل والاقليات مبينا ما لهذه الفئات من احترام وتقدير في الاسلام، لينتهي من كل كتاباته الى دعوة المسلمين الى ترسيخ الرؤية الاسلامية للحقوق والحريات كونها افضل مما سواها من رؤى وضعية، وليقرن بقاء الحاكم الاسلامي في منصبه ووصول المجتمع الاسلامي الى السعادة، بل وسعادة المجتمع البشري عموما بسيادة منظومة الحقوق والحريات الاسلامية.، واخيرا وليس اخرا جاءت الخاتمة لتقرر جملة من الاستنتاجات والتوصيات التي انتهى اليها الباحث من عمله .

وتكونت لجنة المناقشة من كل من الاستاذ الدكتور غانم محمد صالح / كلية العلوم السياسية / جامعة بغداد، والاستاذ الدكتور عبد الامير كاظم زاهد عميد كلية العلوم الاسلامية / جامعة كربلاء، والاستاذ المساعد الدكتور مؤيد فيصل ربيع رئيس جامعة ميسان، والاستاذ المساعد الدكتور عامر حسن فياض عميد كلية العلوم السياسية / جامعة بغداد، والاستاذ المساعد الدكتور علي عباس مراد كلية العلوم السياسية / جامعة بغداد، والاستاذ المساعد الدكتور حميد فاضل حسن معاون عميد كلية العلوم السياسية / جامعة بغداد.

بدورها مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام تبارك للدكتور خالد عليوي العرداوي هذا النجاح المتميز وتتمنى له المزيد من الابداع والتوفيق.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 30/آيار/2009 - 2/جمادى الآخرة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م