خيرا فعل السيد وزير التجارة العراقي وأنهى الجدل الدائر حول الفساد
الطافح في وزارته بعد أزكمت رائحته الأنوف وأكتوت بنيرانه الألوف, وقدم
استقالته, وبذلك قطع الطريق على مشروع ينوي مجلس النواب أن يقدمه في
سحب الثقة عنه، نعم أنه أبطل مفعول مشروع سحب الثقة.
ولكن السؤال المطروح في الشارع العراقي الآن هو، هل الاستقالة تعفي
الوزير من الملاحقة القانونية ؟ بالتأكيد الجواب لا. ولكن هذه الــ (لا)
تحتاج الى جدية في المتابعة وتحمِّل مجلس النواب الموقر لمسؤوليته
ودوره الرقابي والذي أشعَر في الآونة الأخيرة الشعب العراقي بالطمأنينة
والارتياح ومثل بحق صوت الشعب الحقيقي، ((وأملي أن لا يكون الدور
الرقابي لمجلس النواب أداة لتصفية الحسابات السياسية على حساب الشعب
العراقي وأن لا يكون الحق الدستوري الذي يمنح لعضو المجلس سوطا على
رقاب المسؤولين لأجل النزاعات الشخصية والحزبية)).
إذا ً منْ يلاحق هؤلاء بعد أن رأينا أن الحلات السابقة أصبحت في
خانة المسكوت عنه, ولماذا يطبق قانون (( أنصر أخاك ظالما أو مظلوما ً))
إن النصر الحقيقي هو أن نظهر الحقيقة والنصر الحقيقي بانتصارنا للوطن
وللشعب،النصر الحقيقي أن نُشعر المسؤولين بأن المسؤولية هي تكليف لا
تشريف, وأن نشعرهم أن عيون الشعب تطاردهم، وأن التاريخ بالقدر الذي
يسجل إنجازاتهم سيسجل إخفاقاتهم، وأن يشعر الجميع فضلا ً عن المسؤولين
أن القانون فوق الجميع ولا أحد فوقه وهذا هو الانتصار الحقيقي وهذا هو
البناء الحقيقي، ففي الوقت الذي سجل التاريخ للسيد المالكي إنجازاته
الوطنية ووقفاته الرائعة سيسجل له تهاونه مع حالات الفساد إذا ما تهاون
في التعامل معها بجدية ومعالجتها.
إذن نحن أمام حالة صحية جديدة ونادرة في المنطقة العربية يجب علينا
تكريسها ودعمها بقوة، وأنا واثق أنها ستصبح نوذجا يحتذى به في المنطقة
ويشهد لها التاريخ، نعم إنه العراق الجديد نعم أنه الوطن الجديد الذي
نفتخر جميعا بالانتماء اليه. ليس وطن القائد الأوحد ولا وطن القائد
الملهم بل هو العراق الأوحد والوطن الملهم, الوطن الذي يبنى بسواعد
أبنائه لا بساعد أحدهم، المهم ستبقى المسؤولية ملاقاة على عاتق رجال
القضاء العراقي, واذا كان البرلمان قد أدى دوره الرقابي فعلى القضاء أن
يقوم بمسؤولياته وان ينصف العراقيين وأن يقطع دابر المفسدين، لأن ماحصل
في وزارة التجارة ليس الحالة الوحيدة ولا هي الحالة الاستثنائية او
النادرة في العراق بل ما خفي كان أعظم,وإذا ما تقاعس القضاء العراقي عن
مثل هذه الحالات فسوف نرى الكثير في المستقبل مثل هذه الحالات، وإذا
كان الفرار أو الاستقالة تحمي المسؤولين من الملاحقة القانونية، فهذا
شئ يسير على الجميع فكل من يسرق سيجد له ملاذا ً آمنا في إحدى العواصم
العربية أو العالمية وسيستثمر ما سرق في هذه العواصم, ويقضي بقية عمره
مرفهاً وفي بحبوحة من العيش, خصوصا بعد أصبح العالم قرية صغيرة.
فهل يستعد السيد وزير التجارة للعودة الى موطنه الأصلي (لندن) لكون
عائلته تسكن لندن الى ساعة كتابة المقال،فالمعروف أن العاصمة
البريطانية هي المكان الأفضل في العالم لاستثمار الأموال العراقية
المسروقة والسوداء, وإن تبعتها العاصمة الدنماركية كوبنهاكن لاحقا,
وهذا الكلام ليس جزافا ً بل ما اثبتته التجارب السابقة لكل من سرق او
هرب من العراق, وليس السيد الوزير بدعاً من أؤلئك الفاسدين، وهو بذلك
يتبع خطى من سبقه من المفسدين والعابثين بالعراق أمثال (وزير الدفاع
السارق) عفوا السابق، ووزير الكهرباء السارق المتبجح (بجنسيته
الأمريكية) وأخرين لا يسع المقال لذكرهم, فالعراق في الوقت الذي يسعى
لمحاكمة عناصر الفساد والظلم من أعضاء عصابة النظام الساقط والشعب
يتطلع لقطع دابر الفساد من ارض السواد يطل عليه فساد من نوع آخر.
فهل قدر هذا البلد أن يبقى رهين ثقافة الفساد والاضطهاد، أم ان
تاريخا جديدا ً بدأ يفتح صفحاته ليسجل ثقافة ً جديدة وتجارب راقية هذا
ما نأمل أن نراة وان نشارك في صنعه، فالعراقيون مدعون اليوم الى صناعة
تاريخ جديد لبلدهم، فكما أثبت العراقييون في إنتخابات مجالس المحافظات
ان لصوتهم ثمن وأن لرأيهم قرار, وهم من يصنع التاريخ شأنهم شأن الشعوب
المتحضرة في العالم.
* كاتب واكاديمي-لندن |