زيارات رئيس الوزراء السيد نوري المالكي ورحلاته المكوكية ذات
الطابع الاقتصا - سياسي، خطوات مثمرة، في اطار مضاعفة المساعي والجهود
التي تبذلها الحكومة لاستقطاب رؤوس الاموال الاجنبية والشركات
الاستثمارية ودعوتها لولوج السوق العراقية الواعدة. فقد رافق الزيارات
لقاءات واجواء ايجابية وآخرها مؤتمر دولي، انعقد في العاصمة البريطانية،
قبل اكثر من شهر، شعاره الاستثمار في العراق ضم اكثر من 600 شركة
عالمية، كل ذلك يؤكد ادراك المهتمين بالشأن الاقتصادي العراقي من
مخططين ومستثمرين بأن الوضع الحالي يلزمه الكثير والكثير من
الاستثمارات والخبرات والتقنيات لاحداث نقلة ونهضة في واقعه العمراني
والاقتصادي واعادة اعمار بناه التحتية.
فالعراق، وعلى اثر الازمة المالية العالمية، وما رافقها من تدني
واضح في اسعار النفط الخام، بحاجة ماسة الى الاستثمارات الخارجية
للنهوض بأقتصاده وتجاوز الآثار السلبية التي من الممكن ان تعكسها
الازمة المالية على مجمل الوضع مستقبلا.
ان مؤتمر لندن وكافة الخطوات والزيارات والتحركات التي تصب في هذا
الجانب تعتبر بمثابة زورق نجاة لانتشال الاقتصاد العراقي من واقع
الجمود الحالي. وحتى لا تكن كلماتنا مجرد احلام او بعيدة عن الواقع مع
ما يحكم توجه الاستثمار ورؤوس الاموال الخارجية من بحثها الحثيث عن
الضمانات المطمئِنة من جهة ؛ والارباح المعقولة من جهة اخرى، ومع تشابك
العلاقة وارتباطها بين مفهوم الاستثمار والارباح والضمانات. فأن اقناع
المستثمرين وجذب اموالهم، مهمة تستوجب السير وفقا للخطوات التالية:
1. الدعوة الى تشكيل مجلس اعلى للتنمية ؛ ممثلا بالوزارات المعنية
والهيئات المختصة في الجانب الاقتصادي بدءا من وزارة التخطيط مرورا
بالمالية والتجارة والبلديات والاسكان والهيئة العليا للاستثمار وصولا
الى البنك المركزي. وتتمثل مهمة هذا المجلس بتوحيد السياسة الاقتصادية
والنقدية من جهة والتنسيق بما يخدم العملية التنموية ويذلل الصعاب
ويتجاوز الروتين والبيروقراطية الادارية ويشجع ويسهل من عمل المستثمرين
من جهة اخرى. ويأتي في هذا السياق ضرورة خلق آليات التفاهم والتكامل
بين مجالس المحافظات والحكومة الاتحادية وبما يعزز مسيرة النهوض
والعمران، على ان لا تتكرر التجربة السابقة من التناقض والتنازع في
الصلاحيات والاولويات بين الوزارات ومجالس المحافظات.
2. اعادة النظر في التشريعات والقوانين السابقة واستكمال ما هو
ضروري منها وتفعيل عمل الهيئات واللجان ذات العلاقة لخدمة وادامة عملية
الاستثمار. فالهيئة العليا للاستثمار غير كافية للنهوض بهذا الجانب في
الوقت الحاضر مع ما تعاني من ضعف كبير ونقص في الآليات والتشريعات
المشجعة والمطمئِنة والداعمة لتواجد وعمل رؤوس الاموال سواء المحلية
منها او الاجنبية. كما انها تأن من تنازع الصلاحيات مع العديد من
الوزارات، يضاف الى ذلك ان تشكيل الهيئة اصلا هو احد الاسباب الرئيسية
التي تقف عائقا امام تطوير عملها لانه قائم على اسس غير مهنية ولا
تخصصية وانما هو نتاج المحاصصة.
3. محاربة الفساد المالي والاداري الذي يعتبر بمثابة الارضة التي
تنخر في جسد البناء الاقتصادي وتهدده بالانهيار. والحقيقة ان مجتمعنا
يعاني من استشراء كافة انواع الفساد، ومن اخطرها: الفساد الاداري –
الذي يعني استغلال موظفي الدولة لمواقع عملهم وصلاحياتهم للحصول على
كسب غير مشروع او منافع او مآرب شخصية يتعذر تحقيقها بطرق مشروعة،
والفساد الشامل: وهو من اسوأ انواع الفساد الاداري والذي يعني النهب
الواسع النطاق والمنظم للاموال والممتلكات الحكومية عن طريق صفقات
وهمية او تسديد اثمان سلع وهمية او ارجاع ميزانية المنشأة وعدم انفاقها
على الاوجه التي تحددت لها كما يحدث في اغلب المؤسسات الحكومية وبعض
المحافظات.
ان الفساد المستشري في كل المستويات لم يعد مسألة خافية على احد،
وان من المستغرب ومحل التساؤل من قبل الجميع هو مدى القصور في التصدي
لهذا المرض العضال الذي تتحمل مسؤولية التصدي له بصورة مباشرة السلطة
القضائية والتشريعية وحتى التنفيذية. اما هيئة النزاهة المكلفة بهذا
الملف فأنها لا حول لها ولا قوة. اذن لا فائدة ترجى من الاستثمار اذا
لم نواجه ظاهرة الفساد وبشكل جريء وحازم من خلال - صولة فرسان - ثانية
مماثلة لتلك التي قضت على الارهاب.
اخيرا، ان جذب الاستثمارات الخارجية مسؤولية وطنية في هذا الظرف
الاقتصادي المحلي والدولي الصعب تقع مهامها على عاتق الجميع. وان كانت
زيارة السيد المالكي قد اثمرت في اول الغيث عن مشروع ترفيهي ومدينة
سياحية في كربلاء المقدسة بقيمة 225 مليون دولار من قبل مستثمر بريطاني
من اصل عراقي، فإن ذلك يدعونا بنظرة ملؤها التفاؤل والامل ومن خلال
الدعوة الصريحة والمباشرة الى تأطير عمل الاستثمار المؤسسي والانطلاق
في اصدار التشريعات اللازمة، لديمومة وانسيابية عمله وتوافده، وفي
مقدمتها تشكيل مجلس اعلى للتنمية. |