عراق يا حبيب القلوب الصادقة وبلسم جراحها النائحة..
يا ظل نخلة شامخة تحنو على جموع المحرومين، عراق..
يا شمس الحضارة الساطعة منذ بدء الخليقة حتى قيام يوم الدين..
يا أول حرف خطه الخلود بألواح سومرية، يا غديرا ينهل من عذبه العلم
والعلماء، والشعر والشعراء، أنت الطيب والسحر والعنبر، أنت الجمال
والخيال وألف ألف ليلة وحكايات عشق أسطورية..
سنا نورك شق دياجي الظلمات، وفي مداك ترفرف أسراب حمائم السلام
الصافات، وتسبح كل ألوان الطيف الزاهية البديعة، عراق.. يا نهرا بابليا
لا يجف عطاؤه أبدا، يا أرضا لا تقبل العوسج بديلا عن ازهارالبنفسج
والياسمين..
ترابك ليس ترابا عاديا بل تبرا صافيا نقيا يحتضن الأطياب الطاهرين
من ولد فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، تلك هي أم أبيها سيد
المرسلين وأتمهم خَلقا وخُلقا من الأولين والآخرين.. ترابك مهدا
للصالحين الأخيار المسبحين بحمد ربهم في الأسحار الساجدين، من أنبياء
وأولياء وأجلاء مبدعين ورواد علم تتباهى بهم صفحات التاريخ سموا
وبهاءاً.
فهل يساويك يا موطن العلياء بلد! أم هل يحصي أمجادك عدد؟
سل ضمير العاشقين عن سر الوجد المخلد.. عن حنايا الروح المشبعة
بالحزن المتجدد
ثم هات مداد الدهر ينضّد.. وهات السيف والقرطاس والقلم.. هات
المتنبي وخيله والبيداء تشهد..
هات من صاغوا في هواك ألحانا عبقرية تغنى بها الوجود، هات حييت سفحك
عن بعد فحييني..
يا دجلة الخير يا أم البساتين، ذاك الشاعر الفارس المبجل الجواهري
الكبير.. هات كل حرف تباه بك فخرا ، هات السياب وألقه وأرقه وحنينه
ووجعه... هات الشمس أجمل في بلادي من سواها والظلام حتى الظلام هناك
اجمل فهو يحتضن العراق.. وسل عن الصابرين، عن الحالمين، المنتظرين في
محطات الأماني الوردية.. عن الحيارى التائهين في دروبك البعيدة.. عن
غريب يأبى أن يسكن فؤاده حبيبا غيرك.. عن غريب ضاع بين بلاء الدنيا
وضجيجها الموحش، و بين غدر الزمان ونكران الأقربين.. منفي قطع منه
الوتين، مبعد لا يحسن التصرف في حبك، لأنه حب غريب شاذ لا يشبه عين
الحب.. قدر لا بد منه يراوده في حله و ترحاله.. فحسبه كما الموت تماما،
يدركه ولو كان في منافٍ مشيدة. |