اصدارات جديدة: رؤى عربية في التحولات الثقافية والاجتماعية

 

شبكة النبأ: صدر العدد السادس من دورية "رؤى عربية Arab Insight" (أراب إنسايت)، والتي يصدرها معهد الأمن العالمي بواشنطن، وهو الهيئة البحثية غير الحكومية التي يصدر عنها تقرير واشنطن من العاصمة الأمريكية.

تناولت الدورية في عددها الجديد (عدد ربيع 2009) التحولات التى طرأت على ظاهرة الاسلام السياسي مؤخرا. بحسب موقع تقرير واشنطن.

لازالت قضية التحولات الاجتماعية والثقافية تشغل اهتمام "رؤى عربية"، فعبر أعداد سابقة، رصدت الدورية من خلال كتابات الباحثين والمحللين والأكاديميين العرب العديد من التحولات الثقافية والاجتماعية التي تجري في المنطقة، والتي تتسم بدرجة من العمق والتجذر، وتتعلق بالكثير من الثوابت الثقافية والاجتماعية العربية، مثل الدور الاقتصادي والاجتماعي للمرأة، والتحول الذي طرأ على طبيعة ودور رجل الدين والمؤسسة الدينية، وتأثير انتشار ونفاذ شبكة الإنترنت على عملية التحول الديمقراطي والقيم الثقافية والاجتماعية لقطاع الشباب. الخ من ظواهر التحول المهمة.

ويرجع اهتمام "رؤى عربية" بهذه النوعية من التحولات إلى عاملين أساسيين. الأول يتعلق بالديناميكية النسبية لهذا النمط من التحولات، فعلى العكس من البطء النسبي الذي تعاني منه التحولات السياسية في العالم العربي، بمختلف أبعادها، بدءا من عملية تداول السلطة، وانتهاء بالأحزاب السياسية، ومرورا بطبيعة التفاعلات السياسية داخل النظم السياسية وانحراف هذه التفاعلات بعيدا عن معايير وقيم الديمقراطية، فإن التحولات الثقافية والاجتماعية تتسم بدرجة اكبر من الديناميكية على نحو يعمق من الفجوة بين الأنماط الثقافية والاجتماعية السائدة وطبيعة النظم السياسية القائمة، على نحو قد يفرض مع الوقت تحديات مهمة أمام هذه النظم والأبنية السياسية قد ترغمها على التحول والانفتاح، وإعادة العلاقة بين الدولة والمجتمع.

العامل الثاني يتعلق بإهمال الكثير من التحليلات الغربية، والأمريكية، للمجال الثقافي – الاجتماعي socio-cultural domain وتفضيلها، في المقابل، التركيز على المجال السياسي، وتحديدا مسألة التحول الديمقراطي، ورغم أهمية المجال السياسي، بشكل عام، بما في ذلك مسألة التحول الديمقراطي، إلا أن فهم أعمق للعالم العربي، بما في ذلك التحول/ الجمود السياسي يقتضي فهم التحولات الأساسية في المجال الثقافي- الاجتماعي.

هل نبذ الاسلاميون العنف

ودون التقليل من أهمية العديد من التحولات الثقافية- الاجتماعية التي يشهدها العالم العربي، تمثل مسألة المراجعات الفقهية والسلوكية التي تشهدها بعض الحركات الإسلامية الجهادية العنيفة التحول الأعمق الذي لا يمكن تجاهله، سواء بالنظر إلى حجم الجماعات الإسلامية التي تقوم بهذه المراجعات، أو بالنظر إلى عمق تلك المراجعات التي لا تقتصر فقط على التخلي عن العنف، ولكنها تشمل أيضا مراجعة وإعادة تفسير الأسس الفقهية والنظرية التي استندت إليها نظرية العنف لدى هذه الجماعات والتي استندت إليها في ممارسة العنف أو ما أسمته "الجهاد" خلال العقود السابقة، أو بالنظر آخرا وليس أخيرا بالتأثيرات بعيدة المدى لهذه المراجعات سواء تعلقت بمستقبل العلاقة بين الدولة وهذه الجماعات، أو بالعلاقة بين هذه الجماعات والحركات الدينية ذات الأجندة السياسية والاجتماعية مثل جماعة الإخوان المسلمين، أو بتأثير هذه المراجعات على التيار السلفي بشكل عام، والذي يشكل الوعاء الأكبر للحركات الإسلامية العنيفة.

وهكذا، فإن ظاهرة المراجعات ستظل إحدى ظواهر التحول الأساسية والمهمة في العالم العربي والإسلامي، خلال السنوات القادمة، الأمر الذي يعني أنها ستظل على طاولة البحث والتحليل بهدف فهم أعمق وأشمل لأبعاد وتداعيات تلك الظاهرة.

وقد اكتسبت عملية المراجعات تلك زخما عقب إصدار سيد إمام شريف، الأمير السابق لتنظيم الجهاد المصري، "وثيقة ترشيد العمل الجهادي في مصر والعالم" في نوفمبر 2007، والتي راجع فيها الكثير من المقولات والأسس النظرية لنظرية العنف لدى الحركات الإسلامية- المحلية والدولية. وكانت "رؤى عربية" قد أفردت مقالا مهما في عددها قبل السابق لفهم تداعيات تلك المراجعات.

غير أن إصدار هذه الوثيقة كان له تداعياته المهمة على تنظيم القاعدة، على نحو دفع بأيمن الظواهري الرد على هذه الوثيقة من خلال كتابه "التبرئة"، وجه فيه انتقادات لوثيقة سيد إمام، دفعت بالأخير إلى الرد بدوره على الظواهري بوثيقة جديدة أطلق عليها "المذكرة في تعرية التبرئه"، والذي تم نشره بعنوان "التعرية وهكذا أصبحنا أمام جدل عميق داخل التيار السلفي الجهادي، وأمام عملية واسعة من الفعل ورد الفعل، طرفها الأول هو إحدى الحركات الإسلامية الجهادية المحلية (ممثلة في تنظيم الجهاد في مصر، ومن قبله الجماعة الإسلامية في مصر أيضا) بينما يقع على الطرف الأول أحد الحركات الإسلامية الجهادية الدولية ممثلة في تنظيم القاعدة.

وكما سبق القول، طرح هذا الجدل الكثير من التساؤلات حول حدود تأثير هذه المراجعات على التيار السلفي، بشقيه السلمي والعنيف، والمحلي والدولي. كما طرح التساؤلات حول مستقبل عملية المراجعات ذاتها، خاصة بعد أن أخذت الوثيقة الثانية لسيد إمام الشريف أبعادا شخصية في الرد على كتاب أيمن الظواهري، وانزلاقها من عالم الأفكار – الذي ميز "وثيقة ترشيد العمل الجهادي في مصر والعالم" أو ما عُرف بالمراجعات الأولى لسيد إمام- إلى عالم الأشخاص، ومن عالم الأصول والتخريجات الفقهية والنظر العلمي والاستقرائي إلى عالم الملاسنات الحادة الذي وصل لحد السباب والشتائم والاتهام بالخيانة والكذب والخداع.الخ، وذلك بدلا من أن يأخذ سيد إمام خطوة جديدة إلى الأمام لتعميق المراجعات الأولى.

هذه التحولات، وما ارتبط بها من موجات من التفاؤل والتشاؤم حول حدود تأثيرها السلبي والإيجابي على التيار السلفي الجهادي، أعادت التساؤل من جديد حول حدود تأثير هذه المراجعات على الحركات الإسلامية المعتدلة نسبيا ذات الأجندة السياسية- الاجتماعية، في اتجاه خطوة أمامية أكثر تقدما في اتجاه الليبرالية السياسية والاجتماعية.

أسئلة عديدة بدون إجابات

وهكذا، فإننا أصبحنا أمام مجموعة من الأسئلة الجديدة المهمة بشأن الظاهرة الإسلامية في العالم العربي والإسلامي: هل ستؤدي المراجعات التي تجريها مجموعة من الحركات الإسلامية، وانتقال هذه الحركات من السلفية الجهادية العنيفة المحلية إلى فئة الحركات الإسلامية السلمية، إلى حدوث خلل داخل الحركات السلفية الجهادية العنيفة، المحلية أو الدولية ؟ وهل ستأخذ الحركات الإسلامية السلمية الخطوات اللازمة لكي تتوافق مع مبادئ وقيم الديمقراطية والليبرالية، بأبعادها السياسية والاجتماعية والثقافية؟

وتحاول رؤى عربية تقديم بعض الإجابات على هذين السؤالين خلال تخصيص ملف مستقل، يضم خمسة مقالات أساسية، تحاول أربعة منها تقديم إجابات محددة حول التأثيرات المتوقعة لتلك المراجعات على التيار السلفي الجهادي، بينما يحاول مقال آخر الإجابة على السؤال الخاص بإمكانية تحول واحدة من أهم وأكبر الحركات الإسلامية المعتدلة (هي جماعة الإخوان المسلمين) إلى قوة ليبرالية

وبالإضافة إلى هذا الملف المهم، يتناول هذا العدد من "رؤى عربية" مجموعة من الظواهر الاقتصادية والاجتماعية المهمة، تشمل التحديات التي تواجه التعليم العالي في العالم العربي، وأنماط الحضور العربي على "الفيس بوك"، وحالة البنوك السعودية في سياق الأزمة المالية الراهنة، وحالة الفجوة في توزيع القدرات الاقتصادية العربية. كما كان من الصعب أن يصدر هذا العدد من رؤى عربية بدون عرض لواحدة من الرؤى العربية حول أسباب وتداعيات العدوان الإسرائيلي على غزة.

وتُعد دورية "رؤى عربية"، التي تصدر باللغة الإنجليزية، الأولى من نوعها التي يكتبها باحثون ومتخصصون من مختلف الدول العربية، وتُوزع على مختلف دوائر صنع القرار الأمريكي المهمة والنافذة مثل كبريات وسائل الإعلام الأمريكية، ومراكز الأبحاث المتخصصة، وأعضاء ومساعدي لجنتي العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ والعلاقات الدولية بمجلس النواب، وإدارة الشرق الأوسط بوزارة الخارجية، والبيت الأبيض. ويتم توزيعها على أساتذة وطلاب دراسات الشرق الأوسط، والدراسات الإسلامية بمختلف الجامعات الأمريكية. وتتوافر الدورية بمكتبة الكونجرس، وكبريات مكتبات الجامعات الأمريكية.

وتهدف دورية "رؤى عربية" إلى أن تكون منبراً جديداً ومحايداً للتحليلات العربية المستقلة داخل العاصمة الأمريكية. فعلى الرغم من تعدد وتنوع مراكز الأبحاث والرأي المتخصصة بالولايات المتحدة ، وتزايد عدد النشطاء الأمريكيين من أصول عربية، وممثلين للحكومات العربية، يغيب الصوت العربي العاكس لنبض وفكر الشعوب العربية داخل العاصمة الأمريكية، فهو ما زال شيئاً مفقوداً.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 6/آيار/2009 - 9/جمادى الآولى/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م