اختيار الأصدقاء ودوره في نجاح الإنسان

 

شبكة النبأ: ليس هناك انسان يستطيع أن يلغي دور الصداقة وتأثيرها في مسيرة حياته، حيث يفتح عينيه منذ منبته الطفولي ويتطلع الى الاطفال الموجودين في محيطه الاجتماعي والمكاني، فيختلط بهم ويختار منهم أطفالا معينين ليشركهم او يشترك معهم بنشاطاته المختلفة في اللهو واللعب وما شابه.

ولكن ما هي المعايير التي دفعت هذا الطفل كي يختار هؤلاء الأصدقاء من دون غيرهم، يقول العلماء المختصون إن الجانب النفسي له دور مهم في ذلك، بمعنى أن هذا الطفل الذي لا يزال وعيه محدودا سيشعر بالراحة النفسية عندما يكون معه الطفل الفلاني وبالعكس سوف يتأزم ويقلق ويشمئز بمشاركة طفل آخر، وهذا ما يُطلق عليه دوافع الصداقة او مقوماتها، وستستمر هذه الدوافع بالتصاعد والرسوخ مع نمو الانسان جسديا وذهنيا وغالبا ما يكون الصديق قريبا من الانسان في أفكاره ووضعه النفسي .

وفي هذا المجال يقول احد الكتّاب: إنّ صديقك يُعبِّر عن شخصيّتك، فعندما يعرف الناس شخصية صديقك يعرفونك، وعندما يعرفونك يعرفون شخصية صديقك .. والحكمة تقول: صديق المرء شريكه في عقله .. فالإنسان يألف الناس الذين يماثلونه ويتقاربون معه في الأخلاق والسلوك والأفكار ..

لذلك جاء في الحديث النبوي الشريف:

«المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم مَنْ يُخالِل».

فالصّداقة هي التقاء نفسي وفكري يربط بين الأشخاص، ويوحِّد المشاعر والعواطف بينهم ..

والقرآن يوضِّح أنّ الاُخوة والعلاقات الأخوية التي تكون بين الأشخاص على أساس الهدى والصّلاح هي ألفة ومحبّة بين القلوب، وترابط بين المشاعر والنفوس، واعتبر هذه الاُخوّة والمحبّة، نعمة كبيرة على الانسان ..

إذن هذه هي قيمة الصداقة وهذا هو دورها في بناء العلاقات الانسانية الناجحة التي تصب في الصالح الفردي والجمعي في آن واحد، حيث يصعب على المرء أن يحقق ما يصبو إليه من نجاح في أي مجال من مجالات العمل والعلم معا من دون أن يستشير أصدقاءه اولا ويمكنه أن يستنير بأفكار غيره، حيث يقول المثل المعروف (من شارك الرجال بآرائهم شاركهم بعقولهم).

وغالبا ما تستند علاقات الصداقة الى تقارب في الافكار وفي الوضع النفسي كما ذكرنا، فالطيور على اشكالها تقع، والمؤمن سيكون قريبا من المؤمن في فكره وافعاله والعكس يصح هنا، حيث لا يجني الانسان من اصدقاء السوء سوى الخسائر، ويقول الكاتب في هذا الجانب:

إن التحلـيل النفسي لعلاقة الاُخوّة والمحبّة التي تنشأ بين الأشخاص، على أساس الإيمان والإرتباط السّليم، هي اُخوّة صادقة ونزيهة، لا يشوبها الغشّ أو المطامع.. والتجربة الاجتماعية والإحصاءات التي تسجِّلها دوائر إحصاء الجريمة توضِّح لنا أنّ أصدقاء السّوء ليسوا أصدقاء، بل أعداء.. فكم جرّت الصّداقات السيِّئة من كوارث ومآسي، وسمعة سيِّئة على الأشـخاص الذين كانوا أبرياء، ولكنّهم تلوّثوا بمخالطتهم لأصدقاء السّوء .. وأصبحوا مجرمين، أو شملتهم الجريمة، وسوء السمعة لعلاقتهم بأصدقاء السّوء .. ويحذِّرنا القرآن من أصدقاء السّوء، لينقذنا من النّدم بعد فوات الأوان .

قال تعالى :

 (الأخلّاءُ يَومَئِذ بَعْضُهُم لِبَعْض عَدُوّ إلّا المتّقين).         (الزّخرف / 67)

وعرض أمامنا قول الصّاحب النادم على صحبته، درساً وموعظة لنا .. عرض هذا المشهد من تحوّل الصّحبة إلى عداوة وكراهية، وتمنِّي البُعْد عن قرين السّوء، بعد أن كان يبتغي القرابة والعيش معه ..

 (قالَ يا لَيْتَ بيني وبينكَ بُعد المشرقين فبِئْسَ القَرين).(الزّخرف / 38)

وإذاً فاختيار الصّديق هو في حقيقته اختيار لنوع شخصيّتنا وسمعتنا في المجتمع، وربّما لمصيرنا في المستقبل.. فكم من اناس أصبحوا صالحين وناجحين في حياتهم بسب أصدقائهم، وكم من أناس خسروا حياتهم، وتحمّلوا الأذى والمشاكل المعقّدة بسبب أصدقائهم .

وفي الجانب الآخر ثمة صداقات رائعة ومفيدة وناجحة تقود الانسان من نجاح الى نجاح ناهيك عن الشعور النفسي المطمئن الذي تحققه الصداقات الجيدة حيث ترتفع في مستواها الى مرتبة الأخوة الحقة، إذ يقول المثل (رب أخ لك لم تلده أمك) والمعني هنا الصديق الجيد الذي يصل بصداقته الى مرتبة الأخ للانسان في الضراء والسراء، وهنا تحديدا تكمن أهمية اختيار الانسان لأصدقائه حيث تتطلب الحياة أناسا ناجحين مخلصين مؤمنين يدعمون الانسان في رحلته الطويلة كي يحقق ما يصبو إليه من حياة كريمة ناجحة متميزة.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 2/آيار/2009 - 5/جمادى الآولى/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م