ظاهرة التجاوز على الحقوق الفكرية في وسائل الاعلام

بعض الصحف العراقية تمارس السطو على افكار الآخرين

 

شبكة النبأ: هل وصلت حالة التجاوز على حقوق الكتاب وخصوصا في العراق الى حد يمكن ان نطلق عليه صفة الظاهرة؟

نعم يمكن ان نقول بلا تردد، إنها اصبحت ظاهرة واضحة للعيان بسبب تفشيها بين معظم وسائل الاعلام لاسيما المقروءة منها، ولكي نعتمد الموضوعية في الطرح والمعالجة نقول بأن عددا من الصحف العراقية الورقية التي تصدر بصورة منتظمة أخذت تسطو على أفكار الكتّاب المنشورة -والمسبوكة بمقالات سياسية او اجتماعية او اقتصادية او نصوص ابداعية ودراسات- سواء في الصحف الاخرى التي غالبا ما تنشر هذه المواد في مواقعها الالكترونية او في مواقع ألكترونية أخرى.

وقد أصبح امرا معتادا أن يجد الكاتب مادته الفكرية منشورة في هذه الصحيفة او تلك من دون أن يكون قد أرسلها لها للنشر ومن دون الاتفاق المسبق او الاستكتاب الذي تنتهجه بعض الصحف المهنية المحترمة، حيث توجه دعوة للكاتب الفلاني وتتفق معه على كتابة مادة فكرية او ادبية او غيرها مقابل ثمن يوازي جهده هذا.

ولعل الأمر يُصبح أكثر مرارة وغبنا حين يتصل الكاتب (المعتدَى) على فكره وحقوقه بمسؤول الجريدة الورقية الفلانية ويسأله عن اسباب هذا التجاوز، فيجيبه المسؤول بصلافة ومن موقع قوة (إننا لم نسرق جهدك بل أخذنا المادة من شبكة الانترنيت) وحين يطالب الكاتب هذه الجريدة او تلك بحقوقه المالية مقابل نشر مقاله او موضوعه، سيكون جواب مسؤول الجريدة سريعا وصلفا (لا حقوق لك عندنا) .

إننا عندما نتطرق لهذه الظاهرة بهذا الوضوح، فإننا أصحاب تجربة مباشرة معها او طرف من اطرافها، وهنا نعني طرف الكتّاب المتجاوَز على حقوقهم، واذا كانت الفوضى التي عمّت مجالات الحياة المتعددة في العراق تقف وراء هذه الظاهرة، فإن وجوب معالجتها وفق قانون فاعل (لحماية الحقوق الفكرية) أصبح أمرا لا مناص منه، فمن غير المقبول مطلقا أن تصدر صحف ورقية تمثل احزابا او كتلا سياسية او غيرها تطرح نفسها أمام القارئ الكريم بجهود غير القائمين عليها او من يدعمون اصدارها، ولعل هذا يشكل سببا رئيسا الى جانب اسباب اخرى لعزوف القراء عن صحف كهذه لمعرفتهم المسبقة بأن هذا النوع من الصحف يعتاش على أفكار الكتاب من دون وجه حق، ويتصيد مادته بصورة غير مشروعة.

إن القول بحداثة التجربة السياسية في العراق وتأسيس تجربة ديمقراطية لها مقوماتها التي أخذت تنمو رويدا، لا يعني مطلقا أن تشيع ظاهرة المقومات الخاطئة، والسبب الأساس هو كون التجربة لا تزال تنتظم في مرحلة التأسيس، ما يوجب صحة هذا التأسيس وسلامته لكي تنمو مقومات التجربة الجديدة  بالصورة الصحيحة التي تشكل عناصر دعم لا هدم وتقويض من خلال انتهاجها للأساليب الخاطئة كالظاهرة التي نتحدث عنها في هذه السطور.

ولا يجب أن تسمح تجربتنا السياسية الجديدة –تحت حجة حداثتها- بنمو مثل هذه الظاهرة، كونها اعلامية وظاهرة للعيان، أي ان أضرارها ستكون مضاعفة قياسا للظواهر الأخرى، لأنها تمثل واجهة التجربة المرئية من لدن الجميع، وقد لا نخطئ اذا قلنا انها اكثر ضررا من الظواهر السلبية الأخرى، كونها تتعلق بالعمل الفكري والاعلامي الذي ينبغي ان يكون واجهة يحتذى بها من لدن جميع مكونات التجربة الاخرى.

من هنا تبدو عملية مكافحة السطو على الحقوق الفكرية ذات طابع جمعي حيث يتطلب التصدي لها جهودا رسمية ومدنية مشتركة مخطط لها وفق رؤية نظرية فكرية (قضائية) قابلة للتنفيذ، وإذا تذكرنا الآن المثل الذي يقول (من شبَّ على شيء شاب عليه) فإننا سنعرف خطورة ان تنمو مثل هذه الظاهرة صحبة التجرية السياسية ومقوماتها، فالمطلوب عدم السماح لهذه الظاهرة الخطيرة ان تنمو وتستفحل ومن المستحسن أن يتحرك السياسيون والمثقفون ومن يهمه الأمر قليلا ويتدارسوا السبل الكفيلة بإعادة الامور الى نصابها الصحيح وفق خطوات اجرائية مخلصة وفاعلة وفي المقدمة من ذلك سن وتطبيق قانون فاعل لحماية الحقوق الفكرية كما هو معمول في بلدان وشعوب أقل منا ثقافة وفكرا وإرثا حضاريا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 30/نيسان/2009 - 3/جمادى الآولى/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م