ثَمَانِيَةٌ وثَمَانُونَ يَوْمَاً فِي عَهْدِ أوبَامَا

محمّد جواد سنبه

 

(يجب أنْ تعمل كرئيس على إستعادة ما فُقِدْ، والمضي قدماً من هناك. ويجب أنْ تبدأ بإدراك أنّ حقّّنا في القيادة لم يَعُد مقبولاً. لقد فقدنا شرعيتنا الأخلاقية. وإذا لم نفهم ذلك، فلنْ نعرف كيف نصيغ استراتيجية ناجحة.)

( من كتاب / مذكرة الى الرئيس المُنْتَخَبْ/ مادلين أولبرايت/ ص23).

 

الرئيس الأمريكي الرابع والأربعون، دخل البيت الأبيض يوم الثلاثاء 20/1/2009، وباشر مهامه الرئاسيّة. وهو يحمل في ذهنه الخطط الكفيلة، بتنّفيذ وعوده التي قطعها للشعب الأمريكي، (بأنَّ وقت التغيير قد بدأ). وبموجب مدّة التقييم الأوليّة، التي تبلغ أوّل مئة يوّم عمل، في ممارسة الحكم للرئيس المنتخب، التي يمنحها الكونكرس الأمريكي للرئيس الجديد. وبموجب معطياتها العمليّة، يقيّم بدقّة عالية، عمل الرئيس المنتخب وفريق عمله.

فهذه المدّة بالنسبة للعقل السّياسي الأمريكي، هي انطلاقة مستقبل أمريكا، وليست مجرد تاريخ خدمة، للرئيس الجديد وإدارته، يتمّ احتسابها لأغراض الترفيع والعلاوة والتقاعد (كما هو الحال عندنا)، إنّها انجازات عالميّة في تاريخ أمريكا.

 لذا وضع الكونكرس الأمريكي، هذا التقليد ليكن مؤشراً دقيقاً، يحدّد كفاءة وفاعلية عمل الرئيس الجديد، وأعضاء إدارته التي اختارها ورشحها بنفسه. وإذا ما أثبت الرئيس الجديد، نجاحه خلال فترة المئة يوم الأولى من حكمه، فإنّ الكونكرس سيدعم سياسته بثقة عالية، دون الكثير من الإعتراضات والتّشكيك، والعكس صحيح تماماً.

ولعلّ الرئيس باراك أوباما محظوظاً، أكثر من غيّرة من الرؤساء الأمريكان، لعدّة أسباب، تولّدت جرّاء تراكمات من أخطاء أسلافه (كلاً أوجزءاً)، فأصبحت له اليوم(رُبَّ ضارّة نافعة)، فهي التي ستجعل أوّل مئة يوم من حكم الرئيس الجديد، خصبة بالمنجزات، ومن هذه اسباب هي:

1. الرئيس أوباما وصل الى سدّة الرئاسة، بعد تجربة تاريخية خلّدت في الذاكرة البشريّة الوجه البشع لأمريكا، منذ أن ظهرت كقوّة عظمى في نهاية الحرب العالميّة الثانية. هذه الحقبة التاريخيّة، تحمل في طيّاتها الكثير من آلام الشّعوب، جرّاء ممارسة سّياسة القوّة ضدّها. والتّعامل مع القضايا العالميّة، بقوّة السّلاح وهيّمنة قوات التّدخل السّريع، وإسقاط الأنظمة بالإنقلابات العسكريّة (التي تخطط لها وكالة الاستخبارات المركزيّة)، وكان منها إحتلال العراق بالجيوش الجرارة. فالحروب الأمريكيّة الكثيرة، خلّفت في مخيّلة العالم، ما يعرف بعقدة (كراهيّة أمريكا).

2. ذوبان كيان الإتّحاد السوفييتي، وتفتيت هيكليّته السّياسيّة، وإنهاء مرحلة الحرب الباردة، التي استمر الصراع فيها بين القطبين زهاء نصف قرن.

3. تراجع دوّر الاستعمار الأوربي في العالم، بسبب انّتهاج أوربا لسياسات جديدة، تعتمد على التعاون الإقتصادي مع دول العالم، وإقامة العلاقات الوديّة معها. بدلاً من حاكميّة الإسلوب الاستعماري. ويعتبر الجنرال الفرنسي (ديكول)، السبّاق في تغيير نهجه السّياسي، منذ حرب الهند الصينيّة، التي انسحبت منها فرنسا، وتركت الميدان على مصراعيّة للنفوذ الأمريكي.

4. الإخفاق في فرض إستراتيجيّة الهيمنة الأمريكيّة على العالم. ويتجلى ذلك في عدم نجاح السّياسة الأمريكيّة، في كبح جماح إيران وكوريا الشماليّة، من تنفيذ مشروعيّهما النووييّن، واستمرارهما في تحديهما لأمريكا، من خلال مواصلة نشاطهما التسليحي.

5. لمّ يكنْ للرئيس أوباما، دوّر في الأزمة الماليّة العالميّة.

6. الرئيس أوباما جاء من حزّب، يخالف منّهج الحزب الجّمهوري السّابق، في توجهاته التكتيكيّة، وفي فهم ظروف الدّاخل الأمريكي، وفي رؤيته لفهم العالم الخارجي، على مستوى السّياسية الاستراتيجيّة، وتطلعاته الفكرية والثقافية في منظوره للعلاقة مع الأخر.

هذه المعطيات وغيرها، شكّلت أرضيّة الخارطة السّياسيّة، التي ينبغي أنْ يلعب عليها الرئيس أوباما، فبدأ في اعتماد إصلاح السّياسة الأمريكيّة في الداخل والخارج معاً. فعلى صعيد الدّاخل الأمريكي حقّق باختصار المنّجزات التالية :

1. إعلان خطته بصدد تبني سياسة إقتصاديّة جديدة، لإنقاذ الإقتصاد الأمريكي من حالة الركود التي يعاني منها.

2. أعلن عن خطته الجديدة، لدعم صناعة السيارات في الولايات المتحدة الأمريكيّة، وإنقاذ الشركات الكبرى (جنرال موتورز وكرايسلر)، التي يعني إفلاسها ومن ثم انهيارها، كارثة على الاقتصاد الأمريكي ككل.

3. أعلن الرئيس أوباما عن قراره، برفع الحظرعن التمويل الفيدرالي، الممنوح للأبحاث الخاصة بالخلايا الجذعيّة، (لضمان حضور التقدم العلمي الأمريكي في العالم)، وكانت الإدارة الأمريكية السابقة، قد جمّدت نشاط هذه الأبحاث.

4. إصلاح نظام التعليم الأمريكي العام، كي يبقى مصدراً لتزويد البلاد بالطاقات الإبداعية الخلاّقة .

أمّا على الصعيد الخارجي، فلم يكنْ إصلاح السّياسة الخارجيّة الأمريكيّة، أقلّ عناية، من إصلاح سياسة الداخل الأمريكي. فقد تحرك الرئيس أوباما، بعدة اتجاهات بمنطلقاته الجديدة، بعدما وطّأ لخطواته، النشاط الإعلامي والدبلوماسي، لوزيرة خارجيّته (هيلاري كلنتون)، التي كانت تتحرك في العالم، حركة متناغمة تماماً، مع الخطوات اللاحقة، التي سيخطوها الرئيس أوباما، ومن جملة هذه المنجزات الخارجيّة هي :

1. اعتماد منهج جديد مع العالم الإسلامي، يقوم على الإحترام المتبادل. وأكد أوباما بخطاب التنصيب : (أنّ الولايات المتحدة تريد أن تكون صديقة للجميع ... (من أصغر قرية كتلك التي ولد فيها أبي إلى أكبر دولة)).

2. تبني سياسة ليّنة لإحتواء إيران، في ساحة الصّراع الدّولي، (سّياسة اليدّ المفتوحة). لذا توجه الرئيس باراك أوباما مباشرة، يوّم 20/3/2009، بخطابه التاريخي للحكومة والشعب الإيرانييّن، بمناسبة رأس السنة الفارسيّة، وعرض فكرة تجاوز النزاع الذي استمر، ثلاثين عاماً من الزمن بيّن الطّرفيّن. ويلاحظ في هذا الخطاب، فطنة بارعة، فقد خاطب الرئيس أوباما، الشّعب الإيراني بمناسبة يعتزّ بها هذا الشّعب، معبراً عن مشاركته مع الآخرين، لرسم مستقبل زاهر للجميع. حيث قال:(إنّ إدارته مصممة على السعي إلى حوار نزيه يرتكز على الإحترام المتبادل).

3. في 6 /3/2009، أطلقت الوزيرة (هيلاري كلينتون)، مع نظيرها الروسي، مبادرة عرفت بآليّة (إعادة التشغيل)، تعبيراً عن النيّة، لبدء العلاقات البنّاءة، بيّن موسكووواشنطن. وقدّ رحّبت روسيا بهذه المبادرة.

4. قبل انعقاد قمّة مجموعة العشرين بيوّم واحد، أعلن الرئيس أوباما يوم 1/4/ 2009، في مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء البريطاني قائلاً أنّه: (جاء الى لندن ليس لعرض أفكاره على قادة العشرين فقط، بل للاستماع اليهم أيضا، وأنّه لا يجب إضاعة الفرصة المتاحة لمواجهة الأزمة الحالية التي لا تعرف حدوداً لها). وفي هذا إشارة، إلى أنّ السّياسة الأمريكيّة الجّديدة، تعتمد على التّفاعل مع آراء الآخرين، وسماع وجّهة نظرهم، على النّقيض تماماً، من السّياسة الأمريكيّة السّابقة.

5. استغل الرئيس أوباما، وجود ملك السعوديّة، في مؤتمر قمّة مجموعة العشرين، ليعلن إهتمامه بالمنطقة العربيّة، والتعاون معها في شتى المجالات. فقد أعلن البيان الصادر عن البيّت الأبيض يوم 2/4/2009 إلى أنّ الزعيمين :(أكدا على التزام كلّ من البلدين بالعلاقات الوثيقة التي تربطهما، وناقشا التعاون الدّولي في قضايا الإقتصاد والأمن والتعاون لمكافحة الإرهاب).

6. في 6/4/2009 قام الرئيس أوباما، بأوّل زيارة لدوّلة إسلامية وهي تركيا، مؤكداً: (أنّ أمريكا لن تكون أبداً في حرب مع الإسلام). كما أشفع هذه الزيارة، بزيارة للعراق يوم 7 نيسان 2009، مؤكداً اهتمام الولايات المتّحدة بالعراق ومستقبله، سواءً بوجود القوّات الأمريكيّة على أرضه، أوبعد انسحابها منه في عام 2010. وبهاتين الزيارتين، أفشل جميع التخيلات، التي توحي إلى الأذهان، بأنّ الدّور الأمريكي في المنّطقة، يمرّ بدوّرة ركود أوسبات، وأنّ لأمريكا أهدافاً طويلة الأمدّ في تلك المنّطقة.

7. ربّما لمْ يكنْ حضور الرئيس أوباما، لمؤتمر قمة الامريكيتين، المنعقد في (ترينيداد وتابوكو) يوم 18 نيسان 2009، مجرد إعلان عن النيّة الأمريكيّة، في تجّسير العلاقة مع دول أمريكا اللاتينيّة، وقرارها بإنّهاء القطيّعة، مع كوبا التي دامتّ 47 عاماً، بلّ أكّد على أنّ حكومته، تريد بناء علاقة متكافئة مع دول أمريكا اللاتينيّة. وهذا إعتراف ضمنيّ، بثقل الآخرين وتأثيرهم، برسم معالم الأحداث في العالم. وما الإقرار بالتكافؤ مع الآخرين، إلاّ سابقة غيّر مألوفة، في السّياسة الخارجيّة الأمريكيّة، قدّ تكون سنّة حسنة ابتكرها الرئيس أوباما.

وفي الختام لابدّ من الاشارة، إلى أنّ عهداً جديداً، من السّياسة الأمريكيّة في العالم، قد بدأ شوطه على يد الرئيس أوباما، قبل انتهاء مدّة المئة يوم من تدشين حكمه. وعلينا أنْ ننتظر لنرى، هل أنّ أمريكا، مستعدة لتغيير صورتها الكالحة في أنظار العالم ؟؛ أمّ أنّها مجرد أضغاث أحلام . (حرر المقال بتاريخ 18/4/2009).

* كاتب وباحث عراقي

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 24/نيسان/2009 - 28/ربيع الثاني/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م