شبكة النبأ: في مقابلة أجرتها مجلة
السياسة الخارجية Foreign Policy مع الجنرال دافيد بتريوس حول
استراتيجية مواجهة العصيان وإمكانية تطبيقها في أفغانستان على غرار
العراق، أكد بتريوس أن كل حالة مستقلة بذاتها، إلا أن هناك دروسًا
مستفادة في هذا السياق أبرزها: محورية قيام القوات الأمريكي بتأمين
وتقديم الخدمات للسكان، فضلاً عن أهمية العيش بين الناس لتأمينهم. وفي
هذا الصدد يؤكد الجنرال بتريوس أن آليات التواصل مع الشعب الأفغاني
تختلف كليةً عن آليات التعامل مع الشعب العراقي، لاسيما في ضوء التزايد
الشديد في معدلات الأمية بين الأفغان، فضلاً عن انخفاض عدد أجهزة
التليفزيون. ومن ثم فالتواصل مع الشعب الأفغاني يجب أن يتم من خلال:
شيوخ القبائل، أو توزيع أجهزة راديو صغيرة بحجم اليد تلتقط الإذاعات
المحلية، أو مجالس الشورى. بحسب موقع تقرير واشنطن.
ويؤكد بتريوس كذلك أن الجهود الأمريكية لابد وأن تهدف إلى الحل
السملي للمشكلة وذلك عبر مصالحة وطنية، وهو ما يتطلب من الولايات
المتحدة أن تكون في موضع قوة وفي الوقت ذاته لابد أن تعطي الأطراف
سببًا يقنعها أن تصبح جزءًا من مثل هذا الحل السلمي. وهنا يشير بتريوس
إلى أن القوات الأمريكية في أفغانستان لابد وأن تتبنى مفهوم العمليات
شاملة النطاق والذي يعني أن تكون العمليات العسكرية خليطًا من عمليات
الدفاع والهجوم التقليدية (الكر والفر) من ناحية، وعمليات الدعم وتحقيق
الاستقرار من جانب آخر.
ويشير راجيف تشانراسكران في مقال له بعنوان "القوات تواجه اختبارات
جديدة في أفغانستان.
نُشِرَ بصحيفة الواشنطن بوست بتاريخ 15 من مارس 2009 إلى ما يجب
تجنبه في المرحلة القادمة، ناصحًا بعدم محاكاة السياسة الأمريكية في
العراق فيما يخص تكوين مليشيات للقبائل بهدف تحجيم نشاط طالبان،
فالقادة العسكريون يرون أن الفوائد التي يمكن أن تجنيها القوات
الأمريكية من التفاوض مع طالبان في الوقت الحاضر قليلة، رغم دعم الرئيس
أوباما لمثل هذا الاقتراح. من ناحية أخرى يلفت تشانراسكران الانتباه
إلى أن هناك حالة من عدم التأكد حول رد فعل قيادات طالبان على التحركات
الجديدة للقوات الأمريكية في الجنوب؛ ففي حين يتوقع البعض أن تتجه
طالبان إلى الاختفاء أو تحريك قواتها إلى مناطق أخرى لا تتواجد فيها
القوات الأمريكية بشكل كثيف، يرى آخرون أن طالبان قد تكثف من هجماتها
بالقنابل والكمائن الاعتراضية على نحو يؤدي إلى تزايد واضح في أعداد
الضحايا والقتلى في صفوف الجيش الأمريكي. ولذا لا يجب على الولايات
المتحدة الاعتقاد بأن كل شيء سيتغير فور استقبال الجنوب الأفغاني
للجنود الإضافيين إذ على هذه القوات العمل على أراضٍ لم تدخلها أية
قوات أجنبية منذ فترة طويلة.
وغيرَ بعيد عن ذلك يأتي رأي هيلين كوبر Helene Cooper التي ترى في
مقال يحمل عنوان "الخوف من مستنقع آخر في أفغانستان" Fearing Another
Quagmire in Afghanistan نشر بتاريخ 25 يناير 2009 بصحيفة نيويورك
تايمز New York Times أن زيادة عدد القوات الأمريكية في أفغانستان ليس
هو الحل، فعلى الرغم من أن زيادة عدد القوات من شأنه المساعدة في تحقيق
الاستقرار إلا أنه من غير الممكن تحقيق تغيير فعلي في أفغانستان دون
تغييرات جذرية في سياسات واشنطن تجاهها، وتقترح كوبر أن يبدأ التغيير
بإعادة النظر في العلاقة مع الرئيس الأفغاني حامد كرزاي مشيرة إلى
تنامي الإحباط من رفضه القبض على أمراء تجارة المخدرات وعدم كفاية
جهوده لمحاربة الفساد، وفي هذا السياق تلفت كوبر الانتباه إلى أهمية
البحث عن سبل لإرغام الرئيس الأفغاني على مواجهة الفساد وتجارة
المخدرات أو البحث عن بديل آخر له إذا ما رفض ذلك، مشيرة إلى ضرورة
التأمل في فكرة وجود عالم بدون كرزاي.
وهنا، تجدر الإشارة إلى رؤية وزير الخارجية الأمريكي الأسبق والأشهر
هنرى كيسنجر التي عبر عنها في مقال له بصحيفة الواشنطن بوست Washington
Post نشر بتاريخ 26 من فبراير 2009 تحت عنوان "استراتيجية لأفغانستان"،
ومضمونها أن الإصلاح في أفغانستان يتطلب عقودًا من الزمان وأنه يجب أن
يأتي كنتيجة لتحقيق الأمن، فلا يمكن أن يكون شرطًا سابقًا على تحقيق
الأمن أو حتى أن يتم تحقيقهما في الوقت ذاته بالتوازي.
باكستان رقم لا يمكن إغفاله في المعادلة
هناك اتفاق بين الأطروحات المختلفة على أنه لا يمكن حل المشكلة
الأفغانية دون وضع المتغير الباكستاني في الاعتبار، إذ يرى الجنرال
بتريوس أنه لابد من إضافة باكستان إلى المعادلة، على الرغم من أن قادة
باكستان مصممون على استخدام قواتهم الأمنية الوطنية للتعامل مع مشكلة
المتطرفين التي تواجه بلدهم.
أما ناثانيال فيك Nathaniel C. Fick وجون ناجل John A. Nagl، في
مقالتهما السابق الإشارة إليها فيشيران إلى أنه لابد من إقناع باكستان
أن تعمل كحليف للولايات المتحدة في أفغانستان، وهو ما يتطلب التخلي عن
المكاسب التكتيكية قصيرة المدى التي تحققها الغارات الأمريكية على
المنطقة الحدودية بين أفغانستان وباكستان، مقابل تدعيم أعمال
الدبلوماسية الإقليمية التي من شأنها تعميق علاقة الولايات المتحدة مع
باكستان.
ومن جانبه، يتبنى هنري كيسنجر في مقاله نهجًا أكثر حدة في التعاطي
مع الشأن الباكستاني في هذه القضية، إذ يؤكد على أن هناك شرطًا مسبقًا
لتبني سياسة جديدة في أفغانستان ألا وهو التعاون مع باكستان التي يجب
على قادتها أن يدركوا بما لا يدع مجالاً للشك أن استمرارهم في سياستهم
غير الجادة في مواجهة المتطرفين سيضع بلدهم في مواجهة مع المجتمع
الدولي، فضلاً عن أنها ستكون الهدف التالي للجهاديين jihadists، أي أن
باكستان كغيرها من الأطراف المعنية بأفغانستان عليها أن تتخذ قرارات من
شأنها أن تؤثر على موقعها في المجتمع الدولي لعقود قادمة.
أهمية التعاون الدولي
تأتي أبرز دعوات تدعيم التعاون الدولي في الشأن الأفغاني على لسان
وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كيسنجر الذي يقترح على واشنطن أن تنشئ
مجموعة عمل دولية تضم جيران أفغانستان، الهند، والدول دائمة العضوية في
مجلس الأمن الدولي على أن تتمثل مهام هذه المجموعة في المساعدة في
إعادة البناء والإصلاح في أفغانستان، فضلاً عن تحديد مبادئ على أساسها
تلتزم الدولة بمواجهة الأنشطة الإرهابية. وبمرور الزمن يمكن أن تتحد
الجهود العسكرية الأمريكية بالجهود الدبلوماسية لهذه المجموعة.
وفي الإطار ذاته، يرى كيسنجر أنه لابد من التنسيق مع روسيا بشكل خاص
في هذا الإطار مقترحًا أن يتم ذلك عبر التحديد الواضح للأولويات، ووضع
موسكو أمام خيارين واضحين إما الشراكة أو العداء، مؤكدًا أن الأمر في
النهاية يعتمد على الولايات المتحدة. وأخيرًا، يؤكد كيسنجر أن زيادة
إسهام حلف الناتو NATO في إعادة بناء أفغانستان أكثر فائدة من جهوده
العسكرية الهامشية والمحدودة في الوقت الراهن من وجهة نظره. |