قراءة في كتاب: المستبد العادل

كتاب لمصري يحاول تحطيم أسطورة المستبد العادل

الكتاب: المستبد العادل

المؤلف: محمد عفيفي

الناشر: المجلس الاعلى للثقافة-القاهرة

عدد الصفحات: 94 صفحة كبيرة القطع

 

شبكة النبأ: يرى كاتب مصري أن القرن العشرين عربيا هو "قرن المستبد العادل" وينسب المصطلح الى الشيخ محمد عبده.

لكنه يسعى الى تحطيم هذه الفكرة بطرح سؤال استنكاري "كيف يكون المستبد عادلاً في الوقت نفسه.." لما تنطوي عليه الصفتان من تناقض.

ويقول محمد عفيفي أستاذ التاريخ الحديث بجامعة القاهرة ان صيغة المستبد العادل تبدو كأسطورة يلجأ اليها الانسان أحيانا ليهرب من أزمات واقعه وعادة ما تكون هذه الصيغة مناسبة للشعوب الضعيفة أما الامم القوية فتستغني عنها وتستبدل بها دولة المؤسسات. بحسب رويترز.

ويطرح في الصفحة الاولى من كتابه (المستبد العادل) هذا السؤال.. "لماذا انتقل العقل العربي من عبادة الاصنام في الجاهلية الاولى الى عبادة المستبد العادل في الجاهلية الثانية."

وربما لا يوافقه كثيرون على مثل هذا التعميم عن العقل العربي الذي لم يكن يميل ككتلة صماء الى عبادة الاصنام قبل الاسلام وهي مرحلة تاريخية يتردد كثيرون فيما يشبه الاستنكار في تسميتها بالجاهلية بل يرى البعض أن مصطلح الجاهلية يجب ألا يتجاوز مفهومه الديني "القرآني" الى المعنى التاريخي الاشمل.

وصدر الكتاب في القاهرة عن المجلس الاعلى للثقافة ويقع في 94 صفحة كبيرة القطع.

ويرجع عفيفي مقولة المستبد العادل الى محمد عبده (1849-1905) وهو من أبرز رموز الاصلاح في مصر في نهاية القرن التاسع عشر.

وسجن محمد عبده بعد انكسار الثورة العرابية في مصر 1881 واحتلال بريطانيا للبلاد في العام التالي كما نفي الى الشام وذهب الى باريس ليصدر من هناك مجلة (العروة الوثقى) مع جمال الدين الافغاني قبل أن يعود الى مصر ليتولى منصب مفتي الديار المصرية عام 1899.

ويقول عفيفي ان محمد عبده أرسل الى مجلة الجامعة العثمانية في مايو ايار 1899 مقالاً عنوانه (انما ينهض بالشرق مستبد عادل) يطرح فيه هذا السؤال.. "هل يعدم الشرق كله مستبدا من أهله عادلا في قومه يتمكن به العدل أن يصنع في خمس عشرة سنة ما لا يصنع العقل وحده في خمسة عشر قرنا."

وفي ظن محمد عبده أن هذا المستبد العادل يتمكن خلال خمسة عشر عاما من انجاز مهمة توحيد الصف تحت زعامة رشيدة حتى يستطيع أن " يحشد له جمهورا عظيما من أعوان الاصلاح من صالحين كانوا ينتظرونه وناشئين شبوا وهم ينتظرونه واخرين رهبوه فاتبعوه وغيرهم رغبوا في فضله فجاوروه" وهو ما كان يأمل أن يكون جدول أعمال تدريجيا لنهج ديمقراطي في الشرق كما يقول عفيفي.

ويرى المؤلف أن هذا المقال أصبح "علامة فارقة في تاريخ الفكر العربي والاسلامي اذ قدم عبده ربما بشكل لا ارادي الاطار النظري لهذا النموذج الذي سيسود النظام العربي الاسلامي بعد ذلك" في اشارة الى صيغة المستبد العادل التي كان أبرز نموذج لها الرئيس المصري الاسبق جمال عبد الناصر.

كما يرى أن تاريخ محمد عبده يتناقض مع هذا المقال الغريب على فكره اذ كان يرفض الاستبداد وينشد الحرية.

الا أن عفيفي ينوه الى أن محمد عبده لم يقدم لنموذج المستبد العادل غطاء دينيا أو تأطيرا اسلاميا بل رسم ملامح هذا النموذج في اطار اجتهاد عقلي ضمن سياق تاريخي سقطت فيه دول عربية فريسة للاستعمار وفشلت صيغة المثقف الثائر متمثلة في نموذج الافغاني كما كان محمد عبده بحكم اقامته في أوروبا متأثرا بنظرية "الرجل العظيم أو المصلح كنابليون أو على الاكثر بسمارك في ألمانيا."

ويضيف أن أراء محمد عبده حول المستبد العادل كانت لها أصداء في بلاد الشام بين مفكرين منهم المناضل السوري عبد الرحمن الشهبندر (1879-1940) في ثلاثينيات القرن العشرين.

ويسجل أن زعيم حزب الامة 1907 أحمد لطفي السيد (1872-1963) الملقب بأستاذ الجيل تصدى لمقولة المستبد العادل بحكم أنه "أبو الليبرالية المصرية" اذ نشر في العاشر من يناير كانون الثاني 1914 عشية الحرب العالمية الاولى مقالا عنوانه (حقوق الامة) رأى فيه أن الجمع بين الاستبداد والعدل فكرة خيالية.

ويقول ان لطفي السيد رصد مبكرا أبرز أسباب انتشار أسطورة المستبد العادل "وهو فشل المشروع الليبرالي في الشرق" الذي استبدلت به الشعوب العربية نظرية المستبد العادل أو الزعيم على سبيل الاستسهال.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 19/نيسان/2009 - 22/ربيع الثاني/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م