شبكة النبأ: كثيرا ما يتوارد في
أحاديث الفلاسفة والمصلحين والمفكرين بصورة عامة، تأكيد متواصل على
وجوب خلق المحيط الاجتماعي المتعلم كون التعليم هو السبيل الذي يمهد
لتطور هذا المجتمع في جميع مجالات الحياة، ولعل النقيض الذي غالبا ما
يقف بوجه تحقيق التعلم والنهوض بالمجتمع الى مرتبة أعلى هو التخلف، وهو
مريض خطير ليس بالمعنى البايولوجي، بل بمعناه الادائي في حياة المجتمع،
فالتخلف هو الذي يحرم الانسان من العيش في محيط إنساني قائم على على
العدل والمساواة وتكافئ الفرص والتكافل بين الجميع لتحيق الهدف المنشود
من أجل العيش الكريم.
والتخلف يمكن أن نطلق عليه تسمية (بيئة) كونه يمثل نمطا من انماط
الحياة البشرية بكل تفاصيلها، فالجاهل لايعيش إلاّ في بيئة جاهلة، وحين
يجد نفسه في البيئة المتعلمة سوف يتعلم من عناصرها شاء ذلك أم أبى،
لأنه إذا ما بقي متخلفا سيكون عنصرا شاذا في المحيط المتعلم، والعكس
صحيح، أي المتعلم لايجد ذاته ولا يحقق شرط إنسانيته في محيط متخلف،
لذلك يرى المرجع الديني الراحل الامام السيد محمد الشيرازي رحمه الله
بأن:
(من مقومات الإصلاح، القضاء على بيئة التخلف).
إذن ليس هناك تلاقي او تقارب اذا صح التعبير بين الاصلاح وبيئة
التخلف، فكلاهما مضاد للآخر، وكلاهما ينشط ليطيح بأهداف الآخر، بمعنى
أن الاصلاح عندما ينشط في بيئة متخلفة فإنه يبغي تقويض التخلف وعوامله
ومن ثم أهدافه ويصح العكس تماما، فكما يقول الامام الشيرازي:
إن (للتخلف أيضاً بيئة خاصة به، فبيئة التخلف هي الجهل والنزاع،
والكسل والضجر، وشيوع الزنا والانحرافات الجنسية، والمرض والكآبة، وعدم
الأمن والبطالة، واشتغال كل بلذائذه ومصالحه بأقصى ما يمكنه وعدم
الاعتناء بحقوق الآخرين، عدم تحمل المسؤولية وخدمة الآخرين، والعمل
لكسب المنافع من أي طريق كان ومطاردة ما يتصوره من المضار كذلك، كلها
من أسباب تكوّن بيئة التخلف).
وهكذا نستطيع أن نلاحظ بوضوح مواطن نشاط التخلف التي ذكرها السيد
الشيرازي، وهي مناقضة تماما لمواطن وعوامل الاصلاح، فالهدف المهم
والكبير الذي نخطط له في عملية مقارعة التخلف هو جعل العلم في متناول
اليد، بمعنى أن نؤسس لخطوات اجرائية فاعلة تقارع التخلف في عقر (بيئته)
وذلك من خلال بناء ركائز علمية تدعم التعليم وتزيد مساحته وتجعله قريبا
وممكنا لجميع من يبحث عنه او يسعى إليه.
(ومن مقومات الاصلاح ومقارعة التخلف كما يرد في كتاب الامام
الشيرازي الموسوم بـ (الاصلاح) مواكبة العصر حيث جاء في هذا الكتاب:
(من مقومات الإصلاح مواكبة العصر، فإن الدين الإسلامي هو الدين
الصالح لكل زمان ومكان، وفيه من الأسس والقواعد ما يجعله قابلاً
للتطبيق في مختلف الظروف، وهو الذي يضمن سعادة البشر وتطوره وازدهاره.
ولكن يلزم بيان هذه الميزات بشكل يفهمه الناس في العصر الحاضر، ليعرفوا
تفوق الإسلام على سائر الأنظمة المعاصرة).
إذن يحتاج الاصلاح الى قاعدة علمية يستند إليها في تسيير شؤونه
لاسيما العملية منها، فالفكر او العلم ينبغي أن يتحول الى تطبيق عملي
على الارض، وهكذا سيكون دليلنا الى ذلك التعاليم الاسلامية التي تدفع
نحو الالتزام بمنظومة تقودنا بدورها الى الاصلاح ومن ثم تعطيل العوامل
المساعدة على التخلف، وقد يلتقي الاسلام مع بعض ما يذهب إليه الغرب في
هذا المجال حيث يقول السيد الشيرازي بكتابه هذا:
(فإن بين الإسلام والغرب في العمل عموم من وجه، فالغرب والإسلام
يشتركان في المنع عن جملة من الجنايات ـ وإن اختلفت الطريقة والخصوصيات
ـ مثل تحريمهما القتل والسرقة والاختلاس، ووضع العقوبة لهؤلاء المجرمين
في الجملة، كما يشتركان ولو في نسبة، في التأكيد على النظافة والنظام
وبعض الأخلاقيات وحفظ الجوار والإتقان في العمل، ونحوها، هذا كله في
الجملة).
ثم يستدرك الامام الشيرازي قائلا:
(وهناك فوارق يمتاز بها الإسلام دون الغرب، فالإسلام منع الزنا
والخمر والربا لا الغرب).
لذلك وفي عودة الى موضوع التخلف والاصلاح وصراعهما في كسب المحيط او
الانتشار بين طبقاته وشرائحه، نقول إن الضوابط الانسانية التي تحصّلت
عليها التعاليم الاسلامية، جاءت لتنظم عملية مقارعة التخلف لحساب
الاصلاح وليس عليه، وترفع من كفة التطور البشري ولن تقف حائلا بين نزوع
الانسان الى خلق حياة أفضل شريطة أن تتوافر عناصر هامة كالعدل
والمساواة وتكافؤ الفرص ومن ثم تنظيم الصراع البشري لكي يصبح ذا نزعة
إيجابية، فإذا كان التنافس قائما ومشروعا، فينبغي أن يكون إيجابيا لأنه
الطريق الاصوب لترجيح كفة الاصلاح على التقدم. |