ثمة قلقل كبير يساور الأنظمة الحاكمة في العالم من بروز حركات
تتنافر مع السلطات في رفع شعارات تعد غير مقبولة في العرف الحاكم وتخل
بالنظام العام حسب رؤاها السياسية. وتتنوع الشعارات بين ما هو حقاً
خطراً على الأمن القومي وبين ما هو داخل في إطار حرية الرأي.
فتارة تكون المعارضات الشعبية بالوقوف ضد السياسات القائمة
والاصطدام بها بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة نتيجة لمجموعة
تراكمات واضطهادات أدت إلى الاحتقان الشعبي تفضي في النهاية إلى الصدام
المباشر، وتارة أخرى تكون حركات إصلاحية تطالب بإنجازات سياسية
واجتماعية ولا يمكن تصنيفها ضمن المعارضة بالمفهوم الأول، وأخرى تدخل
في جانب المعارضة النظامية المنصوص عليها في دستور بعض البلاد كما في
مجالس النواب حول العالم.
وقد تتفق أشكال المعارضة الثلاث في استخدام الأساليب السلمية للفت
الرأي العام والمسئولين في إطار المحيط المحلي والإقليمي، مستخدمة
اللاعنف وما يندرج تحته من مفهوم العصيان المدني كالاعتصام والإضراب
العام عن العمل والطعام والتظاهر الذي يعبر عن حالة غضب وهيجان سرعان
ما تهدأ بعد أن تعبر عن رسالتها وكل ما لا يؤدي إلى خلل يعتد به في تلف
الأرواح والأبدان.
وتتيح الأنظمة الديمقراطية الواثقة الحرية للأصوات المخالفة
للسياسات الداخلية والمطالبة بالإصلاح للتعبير عن رأيها ما لم تهدد
وتضر بأمن الدولة وسيادتها المبسوطة على أراضيها، فهي تقوَم سلوك
السلطة السياسية التي إن أرادت إشاعة مفهوم الحريات والإصلاح أخذت
بأصوات الضد التي هي بمثابة ترجمة وتوضيح لرأي الجمهور العام لتصل إلى
ما يحقق السلم الأهلي والاستقرار والتغيير الإيجابي.
وينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته التاسعة عشر على أنه "لكل
شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء
دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة
كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية" وبالتالي ضرورة إتاحة الفرصة للتعبير
والاعتراض.
إن الأنظمة السياسية بسياساتها هي من تصنع المعترضين والمعارضين
وتعطيهم أكبر الأحجام، وهي القادرة على احتوائهم والحد من سقف نشاطهم
إلى درجة ما، فتقمعهم لمجرد أي صوت أو رأي يصدر منهم فيصبح النظام في
منظورهم ذلك الطاغوت القمعي الاستبدادي ويصبحون الأبطال الكبار في عيون
المستضعفين من أبناء أوطانهم ورموزاً لهم .
أو تتمكن الحكومات من الصد عن المعارضين وتترك لهم مجال التعبير
دون أي تفاعل مع مطالبهم فتكون بذلك أتاحت حرية التعبير وقللت من
الغليان الداخلي الذي يتبخر بترجمته من خلال طرق التعبير المشروعة
سلمياً والمنصوص عليها في الأعراف الدولية وإن لم يتحقق شيء من مطالبهم.
فالترهيب والعصا العسكرية ليست هي من تخلق الطاعة لسيادة الرئيس
وتزرع حبه قهراً في الأنفس وما حكم صدام حسين البائد الذي تسلط بالنار
والحديد لأكثر من 30 عام وانقلاب الشعب وتخلي فدائيوه عنه وعن الدفاع
عن وطنهم ساعة الصفر إلا ترجمة حقيقية للطريقة البائسة التي انتهجها في
إدارة دولته وشعبه.
ولكي يتحقق السلم الوطني والاحترام للأنظمة الإدارية والسياسية
المتمثلة في القوانين والأحكام في بلدان العالم، يتطلب ذلك عدد من
الأمور من بينها الشفافية بين الحكومات والشعوب في معرفة ما للحاكم
والمحكوم وما عليهما كل تجاه الآخر.
كما يلزم إتاحة الفرصة للتعبير الشعبي عن الرأي من خلال الإعلام
الرسمي وتأسيس السلطة الرابعة المستقلة من خلال الصحف والمجلات الأهلية
وتكوين النقابات والجمعيات المختلفة التي بمقدورها ضبط الشارع العام
وتنظيمه وعدم السماح له بالخروج إلا من خلالها.
كل ذلك سيكون له الأثر البالغ في أن يرفع الكل صوته ورأيه للتعبير
الحر الذي يحد من حالات التشنج أو الاصطدام السياسي ويجعل الأنظمة محل
قبول في أعين الشعوب ، فيكون بمقدور الدول أن تظهر بمظهر الديمقراطية
وإن كانت ظاهراً لم ترضخ لأي رد ومطلب شعبي داخلي. |