حكمة الصمت ووجوب الكلام

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: هل يجوز للانسان أن يطلق صوته وكلماته جزافا وقتما يشاء ذلك؟، بمعنى هل له أن يتحدث وقتما يحلو له الكلام في مناسبة أو من دونها؟ من جانب آخر، هل له حق الصمت في جيمع الأحيان؟ وما هو المطلوب منه لكي يحقق الموازنة الناجحة بين حالتيّ الصمت والكلام؟.

هذه الأسئلة المترادفة تشترك جميعها في الاجابة عن الجانب الأهم في شخصية الانسان، ولعلها تكشف مزايا هذه الشخصية من حيث جوانبها الجيدة والرديئة في آن واحد.

وقد تطرق المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي في كتابه الموسوم بـ (العلم النافع) الى وجوب الموازنة بين إطلاق الكلام في موضع وكبحه في موضع آخر، وقد جاء في هذا الكتاب حول قيمة الصمت والكلام:

(روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنّه قال: «السكوت ذهب والكلام فضّة»(1).
لكلّ من الذهب والفضّة قيمة ولكن الذهب أغلى من الفضّة كما هو معلوم، وقد لوحظ ذلك في الأحكام الشرعية أيضاً. فدية المرء المسلم ـ مثلاً ـ هي ألف دينار من الذهب أو عشرة آلاف درهم فضّة، وهذا الحديث الشريف يجعل النسبة بين الكلام والسكوت كالنسبة بين الفضّة والذهب).

ومما ورد في هذا الكلام المأخوذ من كتاب (العلم النافع) نستنتج بأن صمت الانسان هو أعلى قيمة من كلامه، غير أن هذا لاينطبق على جميع الظروف والاحداث التي قد توجب الكلام وتفضله كثيرا على الصمت، بمعنى ان القول بأفضلية الصمت ليس قانونا ينطبق على كل ظروف الانسان وأنشطة حياته المتنوعة، فربما يتعرض الانسان المؤمن لموقف لايصح معه السكوت (فالساكت عن الحق شيطان أخرس) لهذا ينبغي على الانسان أن يغادر حكمة الصمت عندما يكون الكلام سبيلا الى ردع المسيء مثلا او سبيلا الى التوعية وترصين النزعة الأخلاقية والايمانية في الانسان، وفي هذا الصدد يقول المرجع الشيرازي:

(فكما أن للفضّة قيمة وللذهب قيمة، فكذلك يمكن مقارنة السكوت إلى الكلام.
تارة يكون الكلام واجباً، ولاشك أنّ السكوت غير مفضّل عليه في مثل هذه الحالة، كما هو الحال في الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر).

في وقت يكون الصمت واجبا في بعض الأحيان كونه يقود الى حالة إيجابية كما يقول المرجع الشيرازي في ذلك:

(وتارة يكون السكوت واجباً ويأثم الإنسان بتركه كما لو أدّى إلى قتل النفس المحترمة، وفي مثل هذه الحالة يكون السكوت مفضّلاً، بل لا يجوز الكلام.

 ومن الواضح أنّ الحديث الشريف غير ناظر لمثل هذه الموارد، بل هو يقرّر حقيقة أخلاقية مفادها أنّ السكوت بنفسه ـ إذا لم تكن هناك مرجّحات للكلام عليه ـ خير وأغلى).

إن هذه المقارنة بين حكمة الصمت وترك الكلام لمواضعه المناسبة، تُعد أحد الدروس المهمة التي ينبغي على الانسان تعلمها، فالحياة المعاصرة تفرض على الانسان صيغا جديدة من السلوك والكلام لكي يكون مؤثرا في المحيط الذي ينشط فيه، بمعنى آخر أن على الانسان أن يجد ويتعب من أجل أن يكون ناجحا ومؤثرا في المجتمع، وفي أضعف الحالات ينبغي أن يكون مقبولا في الوسط الذي يتحرك فيه، وهذا يتطلب منه سبل جيدة للسلوك ومفردات منتقاة ومؤثرة للكلام، كذلك عليه أن يتقن فن الإصغاء، وهنا نكتشف بأن الصمت الذي تحدث عنه المرجع الشيرازي هو نوع من أنواع الفن المفيدة التي ينبغي على الانسان أن يتقنها لكي يكون ناجحا ومؤثرا في محيطه.

بمعنى أن الصمت عندما يأتي في موضعه سيكون ذهبا وهذا يعني إتقان الانسان لفن الصمت والاصغاء في الوقت المناسب، على ان لايكون هذا الصمت سمة دائمة تطبع شخصية الانسان، إذن هنالك ظروف واحداث تفرض على الانسان أن يطلق صوته ويبوح برأيه بل ويوجه نصيحته لمن يسيء عن جهل او قصد مسبق.

وهنا يؤكد المرجع الشيرازي في كتابه (العلم النافع):

(بأن المقصود من الحديث الشريف أنّ السكوت النافع أغلى من الكلام النافع).

ويورد لنا (العلم النافع) حديثا آخر يدخل في مضمار صمت الانسان المؤمن، فنقرأ في هذا المجال:

(«إذا رأيتم المؤمن صموتاً فادنوا منه فإنّه يلقي الحكمة»(2).

هنا نستطيع أن نصل الى رأي مفاده إن الانسان الصموت أكثر حكمة من غيره، مع أهمية الموازنة التي وردت سابقا في هذا المقال، فالصمت عندما ينتج عن تأمل وتعقّل في التعامل مع أمور الحياة وتمحيصها، قطعا سكون أكثر أهمية وتأثيرا ونجاحا من الكلام الذي إذغ كثر وجاء في غير ظرفه وموضعه تحول الى ثرثرة يتجاهلها الآخرون إن لم تتعرض لنقد مصدرها الذي سيوصف بالرجل الثرثار.

وقد أكد المرجع الشيرازي على أهمية أن يكون الانسان متوازنا في صمته وكلامه وأن يمتنع ويحاذر من زج نفسه في أمور لاتقع ضمن اختصاصه وأورد في كتابه (العلم النافع) ما يدعم هذا الرأي من أحاديث شريفة ومنها:

قول رسول الله صلى الله عليه وآله: «مِنْ حُسْن إسلام المرء تركه الكلام فيما لا يعنيه» .

وخلاصة الكلام يبقى الصمت في وقته وموضعه ذهبا، ويبقى الكلام في وقته وموضعه ايضا فضة، وعلى الانسان المؤمن أن يلجأ الى كليهما في الوقت المناسب كي يبقى عنصرا فاعلا وناجحا ومقبولا في المجتمع.

.......................................................

هامش:

(1) مستدرك الوسائل: ج 9 ص16 ح1.

(2) بحار الأنوار: ج1 ص154 ب4 ح30، في الوصية الطويلة للإمام الكاظم سلام الله عليه إلى هشام بن الحكم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 13/نيسان/2009 - 16/ربيع الثاني/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م