قمة العشرين ومستقبل العولمة

الاستفادة من دروس الأزمة الاقتصادية الراهنة

المحلل السياسي/شبكة النبأ

 

شبكة النبأ: يؤكد الخبراء المختصون أن العالم من أقصاه الى أقصاه يتخبط في أزمة اقتصادية أطبقت الخناق عليه ولازالت وستستمر، إذا لم تتصدَ لها عقول اقتصادية نيرة تضع في حساباتها محاربة الجشع وتفشي المصلحية في التخطيط والتطبيق لادارة الاقتصاد العالمي.

لقد كانت النتائج وخيمة على العالم جراء السياسات الاقتصادية ذات المنحى المنفعي الذي لايضع في حساباته مصالح الآخرين لاسيما الفقراء منهم، واذا كانت مواصفات العصر تتطلب عولمة الاقتصاد وغيره من مجالات الحياة، فهذا لايعني أن يُسحق الفقراء بعجلات إقتصاديات الدول العملاقة.

إن قمة العشرين التي أنهت أعمالها مؤخرا حشدت الافكار والاعمال من اجل انتشال العالم من الركود الاقتصادي الذي يعاني منه والذي قد يقوده الى خسائر اقتصادية متنامية، ولكن هل درس هؤلاء المجتمعون في هذه القمة طبيعة الاسباب التي أوصلت العالم الى هذه النتيجة المخيفة؟ وفي حال دُرست الأسباب وعُرفت، ومن أهمها كما نرى (إنصاف الدول الفقيرة وتنمية اقتصادياتها ونبذ المنفعة المتنامية على حساب الآخرين وامتصاص ثروات الشعوب الفقيرة على فقرها وما الى ذلك من اسباب متعددة) فهل ستتجاوز قمة العشرين هذه الاسباب الى ما ينصف الشعوب الفقيرة بحيث تجد لها مكانا يليق بها من بين الاقتصاديات (الحيتانية) العملاقة؟!!.

إن العولمة ومن بينها (عولمة الاقتصاد) أمر لامفر منه!! أو هي هدف انساني لاغنى عنه إلا بنشره وتعميمه كما يقول الامام السيد محمد الشيرازي رحمه الله في كتابه (فقه العولمة) ونقرأ في هذا الكتاب ايضا:

(ولا طريق للإنسانية إلا بالدخول فيها -العولمة- والانتماء إليها، علماً بأنه لم يكن الدخول فيها قد بدأ في هذه الأيام، بل كان مع بداية إرسال الأنبياء أولي العزم وأخذت تتبلور وتتكامل منذ بدأ عهد الرسالة الإسلامية).

ولكن ثمة ضوابط تؤطر عمل العولمة او يفترض بالقائمين على تحقيقها أن يضعوا ضوابط عملية محددة تحفظ مصالح الآخرين أثناء التطبيق، فإذا ذوِّبت الاقتصاديات الصغيرة في الكبيرة، فقدت في هذه الحالة جميع امكانياتها وعناصر تفردها وقوتها، وعند ذاك يكون المستفيد هو صاحب الاقتصاد الاقوى، لذلك برزت الأخطار التي تهدد الشعوب الفقيرة على الارض، فالقلة من العالم يعيشون في نمط اقتصادي وسلوكي بالغ الراحة والترفيه والغنى، والكثرة تعاني من بؤس الجهل والمرض وما عليها إلا أن تكدح ليل لنهار لا لشيء إلاّ لسد الرمق فحسب، ناهيك عن آلية سلب الثروات التي تنتهجها إقتصاديات الدول الكبيرة من هذه الشعوب الفقيرة كمواد أولية لتشغيل معاملها ومصانعها العملاقة.

وقد تعهد زعماء مجموعة العشرين بمساعدة الاقتصاد العالمي ورحب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بذلك لكنه قال: إن من المهم للغاية أن تستفيد الدول الأكثر فقرا. بمعنى ان المعالجات التي تنصب على تحريك الاقتصاد العالمي وانقاذه من حالة الركود والتراجع التي يعاني منها ينبغي أن لاتجيَّر لصالح الشركات العملاقة فحسب، فأن تعود هذه الشركات الى العمل والانتاج من خلال الدعم المالي المقدم لها، هذا لايعني ان الاقتصاد العالمي سيسترد عافيته، إن المطلوب هو تحديد آليات عمل تنصف جميع الاطراف التي تشترك في النشاط الاقتصادي، وإغفال حقوق الفقراء او التجاوز عليها يعني تحديدا بقاء معاناة العالم اجمع من خطر الركود والتراجع الى خسائر اقتصادية اكبر فأكبر.

فقد قال أحد الخبراء تعليقا على مجريات قمة العشرين وما تمخضت عنها من خطوات إجرائية بأن (هذا لن يثمر عن أرقام باهرة في ما يخص النمو الاقتصادي وستستمر الازمة مدة أطول، لذلك يجب أن نركن السيارات الباهظة الثمن جانبا. اسمعهم يحتجون ويقولون إن هذا الرجل مجنون وهو ليس خبيرا اقتصاديا) إذن على الاغنياء أن ينظروا الى الفقراء، لأن التداخل بين الطرفين يبقى قائما، وإن صعودهم في السيارات الباهضة الثمن يعني إفقارا متزايدا للفقراء وهو مايقود بالنتيجة الى افقارهم هم عبر الأزمة الاقتصادية القائمة حاليا أو غيرها من النتائج الخطيرة التي ستطفو على السطح.

وهناك من يعتقد بأنه (يجب علينا أن نتوقف عن مدح العولمة والتخلي عنها وان نخطو خطوة إلى الوراء، لتستثمر الصين مثلا أكثر في اقتصادها داخل البلاد وان تعمل على قطاع الزراعة المهمل كليا، وأن تقوم الهند بتضييق الهوة بين الأغنياء والفقراء من أبنائها، وأوربا تحسن قطاع التعليم فيها وتبتكر أفكاراً جديدة في مجال التنمية المستدامة، وليبدأ الأمريكيون بالادخار).

إذن ثمة غبن بيّن لشرائح دون غيرها وثمة أنماط إستهلاكية فردية وجمعية خاطئة ومضرة ولايتحدد ضررها على القائمين بها حصرا بل ستنعكس هذه الاضرار على شرائح وشعوب أخرى، فالصين تعاني من عدم توازن في العمل كما يحدث في قطاع الزراعة، كذلك حالة التباين الهائلة بين فقراء الهند وأغنيائها.

إننا كوننا نشكل جزءً من منظومة العولمة الاقتصادية وغيرها، نعتقد بأن الاجراءات التي اتخذتها قمة العشرين (برغم بيانات وكلمات الاشادة بها من قبل وزاء مالية دول العشرين وغيرهم) ستظل قاصرة في معالجة أهدافها المتمثلة بإنقاذ الاقتصاد العالمي من أزمته الحالية، ما لم تضع في حساباتها (حصص الدول الأكثر فقرا في العالم) وإن الإجراءات التي تزيد من صلاحيات الصندوق الدولي لن تكون وحدها الكفيلة بتصحيح المسار الخاطئ، كونها (كما كانت في السابق) تهدف من الناحية الاقتصادية الى تدعيم المصالح الاقتصادية العليا على حساب الشعوب الأقل دخلا في العالم، متجاوزة بذلك الشرط الانساني في مراعاة حقوق فقراء العالم.

وأخيرا نقول، إن جميع الخطوات الاقتصادية التي اتُّخِذت في هذه القمة والتي وصفها وزير المالية الألماني بيير شتاينبروك بالقول (أعتقد أننا حققنا تقدما عظيما) ستبقى تعمل بيد واحدة، ما لم تضع في حساباتها التطبيقية تنمية اقتصاديات الدول الفقيرة وتخطط بصورة جدية وعملية للرفع من مستوياتها العلمية والثقافية وغيرها، أما محاولات غض الطرف من ناحية وسلب قدرات هذه الشعوب الفقيرة (كموادها الأولية وما شابه ذلك) من ناحية أخرى، فإن ذلك يعني تدهورا جماعيا متواصلا لمن يتخذ من هذا الكوكب سكنا له غنيا كان أم فقيرا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 7/نيسان/2009 - 10/ربيع الثاني/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م