أسس بناء المجتمع الاسلامي

قبسات من فكر الامام السيد محمد الشيرازي (قده)

 

شبكة النبأ: تعرض الاسلام كما يذكر التأريخ لكثير من التشويه والتهجم غير المسوَّغ، وتعرض المسلمون لكثير من التجني والتفكيك المبرمج من لدن الآخرين الذين يرون بالاسلام والمسلمين خطرا عليهم، مع أن الاسلام ينطوي على تعاليم ومبادئ ذات سمة انسانية تقف الى جانب عموم الخلق في شكلها وجوهرها.

لذلك تعرض المجتمع الاسلامي بل البشري عامة الى حالة من التحطيم المتواصل بسبب القيادات المستبدة التي تسيّدته وقادته من سيء الى ماهو أسوأ.

حيث يقول الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي رحمه الله في كتابه الموسوم بـ (الاجتماع الجزء الاول - إن الاجتماع الإسلامي لألف مليون مسلم قد تحطم، بل قد تحطم الاجتماع البشري كله، حيث استبد بالعالم قيادات غير رشيدة، فاللازم أن نتحرى أفضل السبل لإعادة الاجتماع الصحيح، لا بالنسبة إلى المسلمين فقط، بل بالنسبة إلى البشرية جمعاء).

إذن لم يتعرض المسلمون فقط لحالات التحطيم بل المجتمع الانساني كافة، وذلك بسبب السياسات الخاطئة لبعض قادة العالم سواء عن قصد او بدونه، مما يتطلب إعادة بناء المجتمع الاسلامي والبشري عامة وفق أسس سليمة لها القدرة على القيام بهذا الدور الجسيم، لذلك ينبغي دراسة أنماط القيادات وشخصيات القادة ومعرفة مكوناتهم السايكلوجية والسلوكية ومعرفة ما يؤثر في نوعية هذه السياسات وتوجهاتها، فالقائد السياسي هو انسان قبل أن يكون قائدا او سلطانا، ومعروف أن ثمة عناصر تتحكم بسلوك الانسان وطبيعته، وهنا يذكر الامام السيد الشيرازي الراحل في كتابه نفسه:

إن (الإنسان نفس وبدن وروح، وقد ذكر القرآن الحكيم النفس وجعلها محتملة الأمرين، مثل قوله سبحانه: «ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها، قد افلح من زكاها، وقد خاب من دساها»).

إذن هناك ثلاثة عناصر تشترك في تكوين الانسان هي: النفس والبدن والروح، ونفهم من شرح الامام الشيرازي في كتابه هذا استنادا الى بعض الآيات القرآنية الكريمة، بأن جسد الانسان هو المركز وعلى جانبيه النفس والروح وهما على طرفي نقيض، وهنا نقرأ في هذا الكتاب:

(فكأن البدن سفل، والروح علو، والنفس بينهما إن مالت إلى الأعلى كانت مع العليين، وإن مالت إلى الأسفل كانت في سجين).

فالجسد هو ملعب الإثنين وكلاهما يؤثر عليه سلبا وأيجابا، ولذلك تعتبر خطوة إصلاح النفوس لاسيما لقادة المجتمع هي الخطوة الاهم في عموم عملية الارتقاء والتطور الاسلامي والبشري عموما، فإذا صلحت نفوس القادة السياسيين صلحت سياساتها وبالتالي صلحت شعوبها وتطورت وارتقت الى مستوى التحضّر الانساني المطلوب.

لكن ذلك يتطلب أسسا صحيحة يستند إليها الحراك الاجتماعي، لكي يكون التطور المنشود هو الهدف المطلوب دائما، ولكي تشتد حالة التآزر بين المسلمين في جوانب وأمور الحياة كافة، ومن هذه الاسس كما يرى الامام السيد الشيرازي رحمه الله:

(التنظيم الحديدي الذي يراعى فيه جانب التنظيم من ناحية، وجانب الحرية من جانب آخر، حتى يكون التنظيم هيكلاً استشارياً في العمل.)

بمعنى أهمية الموازنة بين الدقة والتنظيم في العمل من جانب، ومنح الحرية لمصدر العمل او القائم به من اجل الابداع في تنفيذه من جانب ثانٍ.

كذلك لدينا مسألة التوعية التي تتطلب من المصلحين والمفكرين والمثقفين بمختلف مشاربهم كثيرا من الجهد والعمل والمثابرة لنشر الوعي المعاصر بين عامة الناس حيث يرى المجدد الثاني:

أهمية (التوعية الكاملة المناسبة للعصر، والتي تبدأ [بعد الإيمان الرشيد] بالسياسة، والاقتصاد، والاجتماع).

ومن الاسس السليمة التي ينبغي أن يقوم عليها بناء المجتمع الاسلامي والبشري كافة هو السلم، حيث يذكر التأريخ أن الحضارات الشاخصة في التأريخ البشري غالبا ما قامت في حواظن مسالمة كانت تتخذ من السلام عنصرا فاعلا لتفعيل الأنشطة المتطورة لديها ثم نشرها الى اوسع رقعة ممكنة في العالم، فالسلام او السلم كما يقول السيد الشيرازي:

(نبتة لا تقلعها العواصف، قال سبحانه: «ادخلوا في السلم كافة»(3) وشعار الإسلام السلام، وحتى الدولة المرهوبة الجانب، خير لها أن تحل كل مشاكلها بسلام، لأنّه أحمد عاقبة، وأهنأ مذاقاً).

كذلك هناك أهمية النزعة الجماهيرية لتنظيم الاعمال، بمعنى ان التنظيم بلا مبدأ سيكون مرفوضا وفي هذا يرى الامام السيد الشيرازي:

ان (كل حركة اتخذت الصنمية انفصلت عن الجماهير، وبذلك تذوي وتذبل، وجزاؤها حينئذ أن لا تصل إلى الهدف المنشود).

واخيرا لدينا جانب الاكتفاء الذاتي، حيث تعتبر الحاجة الى الآخر بمثابة رهن لحرية وطاقات المجتمع وبالتالي التأثير على تطوره او مواكبته للتحضّر والارتقاء، وجاء في كتاب الامام السيد الشيرازي (الاجتماع ج1) عن أهمية الاكتفاء الذاتي:

إن (كل محتاج إلى غيره مقود له، وبذلك يفقد صفة القيادة.

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: احتج إلى من شئت تكن أسيره، واستغن عمن شئت تكن نظيره، وأحسن إلى من شئت تكن أميره).

إذن نستطيع بهذه الأسس المستقاة من كتاب السيد الشيرازي رحمه الله أن نواكب مسيرتنا بما يجعل منا مجتمعا ناجحا متطورا وقادرا على الموازنة بين متطلبات الدنيا والآخرة في آن واحد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 1/نيسان/2009 - 4/ربيع الثاني/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م