شبكة النبأ:
عانت الاهوار في جنوب العراق طويلا؛ نتيجة انعدام خطط التنمية،
وتجفيفها لأسباب أمنية إبان فترة التسعينيات بعد قيام الشيعة بانتفاضة
ضد حكم صدام، واليوم باتت الاهوار تشكو من الاهمال مرة أخرى؛ بسبب عدم
وجود تخطيط ناجح، وعدم الاعتناء بهذه الثروة التي تشكل مساحات واسعة،
ولها موارد مهمة كالاسماك، والقصب. و تعتبر اهم الاجسام المائية في
منطقة الشرق. فالاهوار تمثل نظاما بيئيا فريدا تمكن عبر عدة قرون من
ادامة تنوع هائل من الحيوانات والنباتات، كما مكنت طبيعتها ومساحتها
الشاسعة سكانها من تطوير اسلوب حياة متميز.
شحة في المياه
اضطر العديد من عرب الاهوار، الذين عاشوا في تناغم مع هذه البيئة
لآلاف السنين، الى هجرها من الجديد؛ بسبب الجفاف وشح المياه المتأتي عن
قيام الدول المجاورة للعراق ببناء السدود على نهري دجلة والفرات
وروافدهما. فالمنطقة، التي كانت عبارة عن مساحة شاسعة من المياه وحقول
البردي، قد تحولت الى صحراء جرداء تتخللها السواقي الطينية. في حين
كانت منطقة الاهوار تغطي تاريخيا مساحة تتجاوز الـ 15 الف كيلومتر مربع،
ولو انها تقلصت في العصور الحديثة الى حوالي تسعة آلاف من الامتار
المربعة.
ولكن هذه المساحة تقلصت بشكل كبير بعد ان نفذ نظام صدام حسين خطة
لتجفيفها بحيث اصبحت لا تتجاوز 760 كيلومترا مربعا.
الا ان الاهوار ازدهرت من جديد بعد زوال النظام السابق في عام 2003،
حيث هدمت السدود التي حجبت المياه عن الاهوار واعيدت الحياة الى اكثر
من 40 في المئة من مساحتها.
ولكن الوضع تدهور من جديد الآن، حيث تقلصت مساحة الاهوار ثانية الى
30 في المئة فقط من مساحتها السابقة، والوضع مرشح للتفاقم اذا انحبست
الامطار لسنة اخرى. حسب الـ( BBC).
وقال مهندس المياه حازم الدلي، الذي يعمل في وزارة البيئة العراقية،
إن شح المياه الذي نشهده حاليا يمثل مشكلة كبيرة. انه ليس طبيعيا.
واضاف حازم الدلي: فنتائج هذا الشح وتأتثيراته على نوعية المياه
المتوفرة وعلى التنوع البيئي في الاهوار واضحة للعيان، وهي تجبر سكان
المنطقة على النزوح منها. وفي الحقيقة، يسهل لنا ان نرى تأثير الشح
المياه من خلال ملاحظة انخفاض منسوب نهر دجلة في بغداد.
وتعتبر ندرة هطول الامطار في السنوات الاخيرة السبب المباشر لانحسار
الاهوار، الا انها ليست السبب الوحيد بأي حل من الاحوال.
مشكلة خطيرة
يقول الخبير في برنامج البيئة التابع للامم المتحدة حسن برتو: إن
مشكلة الجفاف التي يعاني منها العراق خطيرة حقا، فموسم 2007-2008 كان
واحدا من اقل المواسم مطرا على الاطلاق كما كان مستوى تساقط الثلوج في
منابع دجلة والفرات اقل من الاعتيادي.
واضاف الخبير العراقي: وتشير كل التوقعات الى ان هذا الجفاف سيستمر
هذا الشتاء إذ ليس من المتوقع ان يشهد العراق تساقط امطار غزيرة.
وقال:اما بالنسبة للاهوار، والتي تغذيها المياه الناتجة عن تساقط
الثلوج، فإن شهري مارس/آذار وابريل/نيسان يشكلان فترة مهمة للغاية.
وبالرغم من اننا لا نعلم حجم الفيضان (الناتج عن ذوبان الجليد في جبال
تركيا وايران)، فإن العلائم المتوفرة غير مشجعة بالمرة.
ولكن حتى في حال تساقط الامطار والثلوج بمعدلات فوق الطبيعية، فإن
كثرة السدود والمشاريع الاروائية التي شيدت على حوضي نهري دجلة والفرات
كفيلة بحجب نسبة كبيرة من المياه عن الاهوار.
يقول مدير جماعة (Nature Iraq) المعنية بشؤون البيئة عزام علوش، إن
دورة الفيضان الطبيعية للنهرين قد قوضت بفعل السدود التي انشئت في
تركيا وسورية والعراق ذاته - ولكن تركيا على وجه الخصوص.
واضاف علوش إن نظام الانسيابة الطبيعية للمياه لن يعود ثانية ما لم
تجري ادارة السدود الواقعة خارج العراق كجزء من نظام متكامل ومنسق يشمل
حوضي النهرين.
وختم علوش كلامه بالقول: علينا ضمان توزيع عادل ومتساوي للموارد
المائية، وان نزيد من كفاءة استخدام الموارد الموجودة.
خطوة حيوية
فحقول البردي التي تعتبر عماد البيئة المميزة للاهوار - والتي يعتمد
عليها سكان المنطقة في الكثير من مناحي حياتهم - تمتاز بالقدرة على
تحمل الجفاف والعودة الى الحياة حال توفر كميات مناسبة من المياه.
وقد اعتمدت وزارة الري العراقية بالفعل خطة تقضي ببناء 17 ناظما
تسمح بخزن المياه في الشتاء واطلاقها في موسم الربيع مما يخلق نبضة
فيضانية اصطناعية تشبه الى حد بعيد الفيضان الطبيعي.
ويقول الناشط البيئي عزام علوش: "هذه خطوة حيوية لن تضمن اعادة
الحياة الى اجزاء كبيرة من الاهوار فحسب، بل ستؤدي ايضا الى زيادة
المساحات المسترجعة."
ويعتقد علوش ايضا ان النشاط الزراعي الذي يعتمد على الاستغلال
الزائد والمبذر للموارد المائية يجب ان تعتمد تقنيات الري الحديثة
الاكثر كفاءة، والا سيكون مصيرها الفناء نتيجة تزايد نسب الملوحة.
واضاف: "اذا لم يطوروا اساليب الارواء، فسيحكمون على انفسهم بالموت
نتيجة ترسب الاملاح. اما الاهوار، فسيمكنها الاستمرار بالرغم من المياه
المالحة ولو بتنوع بيئي يختلف عما نراه اليوم."
يبدو الامر الآن ان الاهوار ستواجه سنة صعبة للغاية، ولكن اذا طبقت
الدول المعنية اتفاقات المشاركة في الموارد المائية بشكل صحيح، واذا
اعتمدت انظمة متطورة لادارة الموارد المائية في الانهار كما في الاهوار
ذاتها، فالمستقبل آنئذ لن يبدو كالحا كما يبدو اليوم.
تحرك لإعادة إحياء الأهوار
كما أطلقت الحكومة العراقية وعدد من منظمات الأمم المتحدة مبادرة
لجمع 47 مليون دولار لإزالة الحواجز والقنوات التي وضعها نظام الرئيس
العراقي السابق صدام حسين من أجل تمكين المياه من العودة من جديد إلى
مناطق الأهوار.
وتهدف هذه المبادرة إلى مساعدة الحكومة على تعزيز الخدمات ووضع
أنظمة حكم أفضل وتطوير الزراعة والخدمات العمومية في هذه المناطق. بحسب
شبكة الانباء ايرين
وأفاد، نائب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق
ديفيد شيرر،في بيان أن سكان الأهوار هم من أفقر الناس وأقلهم استفادة
من الخدمات الأساسية.
و أفاد مسؤول محلي فضل عدم الكشف عن هويته أن إعادة إحياء أهوار
العراق التي تمثل أكبر الأراضي الرطبة في الشرق الأوسط هي مهمة بيئية
وإنسانية عاجلة تحتاج إلى دعم قومي وإقليمي ودولي.
نازحون
وتشمل المشاكل الأخرى التي تعاني منها منطقة الأهوار تدهور جودة
المياه بسبب الصرف الصحي وارتفاع نسبة الملوحة والتلوث الناتج عن
المبيدات والمخلفات الصناعية غير المعالَجة مما أدى إلى نزوح العديد من
سكانها.
كما قامت مبادرة تقييم الاحتياجات التي أجراها برنامج الأمم المتحدة
للبيئة والبنك الدولي لإعادة إعمار العراق بتحديد الأضرار التي لحقت
بالأهوار وما نتج عنها من نزوح.
عضو مجلس محافظة البصرة في لجنة التنمية والاعمار ورئيس لجنة
الأهوار حامد الظالمي، من جهته قال أن هناك حاجة لملايين الدولارات
لتنفيذ المشاريع اللازمة للمحافظة على سبل عيش سكان الأهوار. كما أن
هناك حاجة للتعاون مع تركيا وإيران وحثهما على إعطاء المزيد من المياه
للعراق.
وأضاف أن انخفاض مستوى المياه يعني ارتفاع مستوى الملوحة مما يضر
بالأعشاب والأسماك والطيور والمواشي التي تعد ضرورية لعيش السكان...فقد
انخفض مستوى المياه إلى نصف ما كان عليه عام 2003 تقريباً.
وتنفق الحكومة 50 مليون دولار سنوياً منذ عام 2006 لتعزيز سبل عيش
سكان الأهوار ولكن انخفاض مستوى المياه مؤخراً أجبر العائدين على
مغادرة المنطقة من جديد.
وقد خصصت وزارة الدولة لشؤون الأهوار مبلغ 5 ملايين دولار لمنظمة
الأغذية والزراعة (الفاو) كجزء من المحاولات الرامية لإطلاق برنامج
للتنمية الزراعية المستدامة. وأفاد وزير الدولة المكلف بإدارة ملف
الأهوار، حسن الساري أن "الحكومة العراقية تساعد الناس على العودة إلى
المناطق المهجورة في الأهوار.
غير أن المبادرة الجديدة التي أطلقتها الحكومة العراقية والأمم
المتحدة قد لا تكفي لإغراء أناس مثل راضي محمد البالغ من العمر 44 عاماً
والساكن بأهوار البصرة على البقاء فيها، حيث قال: سأنتظر حتى شهر يونيو/حزيران،
فإذا عادت المياه للتدفق مرة أخرى وانطلقت المشاريع سأبقى. وإذا لم يتم
ذلك سنحزم أمتعتنا ونبحث عن مكان بالقرب من المدينة.
منازل لإيواء سكان الأهوار
الحكومة العراقية من جهتها تعتزم بناء مجمعات سكنية تتكون من 5,000
شقة لإيواء أكبر عدد ممكن من الأسر في منطقة الأهوار جنوب العراق، حسب
تصريح مسؤولين محليين.
وأفاد عضو مجلس محافظة البصرة ورئيس لجنة الأهوار حامد الظالمي، أنه
سيتم بناء 3,000 وحدة سكنية في محافظة ميسان و1,000 وحدة سكنية أخرى في
محافظتي الناصرية والبصرة – وهي المحافظات الثلاث التي توجد فيها
الأهوار. بحسب شبكة الأنباء إيرين.
وسيكلف المشروع 144.6 مليار دينار عراقي (حوالي 125 مليون دولار)
ومن المتوقع أن ينتهي تنفيذه خلال 10 أشهر.
رئيس لجنة محافظة ميسان لإعادة إحياء الأهوار الشيخ محمد العبادي من
جهته أفاد أن المجمعات ستتضمن أيضاً مدارس ومراكز طبية ومساجد وحظائر
للمواشي ومراكز مياه وصرف صحي.
كما أشار العبادي إلى أن المشروع مجرد خطوة أولى في الاتجاه الصحيح
ولا يشكل حلاً شاملاً لمشاكل الأهوار. وأوضح قائلاً: سيقدم المشروع
العون لجزء صغير من سكان الأهوار وليس للجميع، فنحن بحاجة للمزيد من
التمويل والوقت لتحسين حياة جميع الناس.
تراجع الأهوار
هذا وأفاد تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن 90 بالمائة
من الأهوار اندثرت وأن الأراضي الرطبة تحولت إلى صحراء مما أجبر حوالي
300,000 ساكن على مغادرتها. وقد تكللت محاولات إعادة إحياء المنطقة
التي بدأت منذ 2003 ببعض النجاح مما شجع بعض من غادروها على العودة
إليها من جديد.
تقدر منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) أن
عدد سكان الأهوار الذين لا زالوا يقيمون فيها اليوم لا يتعدى 20,000
نسمة
أما اليوم، فتقدر منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة
(اليونسكو) أن عدد سكان الأهوار الذين لا زالوا يقيمون فيها لا يتعدى
20,000 نسمة، حيث غادر باقي السكان إلى إيران أو مناطق أخرى ونزح حوالي
100,000 شخص داخل العراق نفسه.
وتأتي مبادرة الإسكان الأخيرة وسط الجهود التي تبذلها المنظمات
العراقية والدولية لإعادة إحياء الأهوار التي تعاني من انخفاض كبير في
مستويات المياه.
وأطلقت الحكومة العراقية وعدد من منظمات الأمم المتحدة مبادرة لجمع
47 مليون دولار لإزالة الحواجز والقنوات الموضوعة من قبل نظام الرئيس
العراقي السابق صدام حسين وذلك بغية تمكين المياه من العودة من جديد
إلى مناطق الأهوار. كما تهدف هذه المبادرة إلى مساعدة الحكومة على
تعزيز الخدمات ووضع أنظمة حكم أفضل وتطوير الزراعة والخدمات العمومية
في هذه المناطق.
.....................................................................................
-المركز الوثائقي والمعلوماتي في مؤسسة النبأ
للثقافة والاعلام يقدم الخدمات الوثائقية والمعلوماتية للاشتراك
والاتصال www.annabaa.org//arch_docu@yahoo.com |