بعد أن استعرضنا شيئاَ من ثمار الحب، ووجدنا أنه يصنع المعجزات
ويخلق السعادة ويرقى بنا إلى النجاح.. يقفز أمامنا سؤال مهم:
هل أن إفاضة سيول متدفقة من الحب في العلاقة الزوجية كفيل بالإحساس
بمذاق ثماره ؟
إن الحب وحده وسط فراغ لم تتحدد معالمه، وفي عرض بحر لا يعرف له
قرار، وطريق لا يرى له هدف.. لا يكون كافياً، فأنت لا تستغني في حياتك
عن الكثير من الأمور، أبرزها:
أ ـ الإيمان بالله، لأنه تعالى المتفضّل علينا بهذا الوجود،
والإيمان هو الطريق المنجي في الدنيا والآخرة.
ب ـ الثقافة السليمة، وهي الآلة والهدى التي نسير في ضوئها للنجاة
من ظلام الأفكار ألاّ مسئولة.
ج ـ الهدفية الحقة، التي من أجلها يعيش الإنسان، وهي بلوغ رضا الله
تعالى.
د ـ الأخلاق الفاضلة، التي يتحلّى بها الإنسان في معاملته مع الناس.
هذا، بالإضافة لممارسة الحياة الطبيعية التي تحافظ على سلامة
الإنسان وتؤمّن له الرقي.. فعندما تتفاعل تلك الدعائم في شخصية الإنسان،
يأتي دور الحب وتأثيره الخارق، ليكلّلها بالنجاح، ويضفي عليها هالة من
الجمال، وحلاوة المذاق.
الهيام بلا حدود !!
هل لنا أن نهيم بأحاسيسنا بلا حدود ؟
أم للحب حدود ينبغي أن يتوقف عندها ؟
إن شعور الحب مثله كباقي الأشياء التي تخضع لقانون (لا إفراط ولا
تفريط)، فينبغي منّا المحافظة على توازن مشاعرنا تجاه أزواجنا، فلا
نسمح لها بالانحدار والانطفاء، وفي ذات الوقت لا نتمادى فيها لدرجة
الهيام القاتل و ألاّ عقلانية..
إننا كثيراً ما نسمع مقولات سلبية عن الحب، مثل عبارات (الحب عذاب)،
و (الحب أعمى)، و (لا يجتمع الحب والحكمة في نفس الشخص)، و (لا كرامة
في الحب)، وما شابهها، جميعها تدل على آثار سلبية قد تصيب بعض الذين
يربطهم رباط المحبة، والصحيح أنها ليست آثار الحب المتوازن، إنما هي
آثار الإفراط فيه، والتوغل فيه حتى الجنون، وهؤلاء الذين جرفتهم
مشاعرهم نحو الضياع والتيه إنما تمكّنت منهم للأسباب التالية:
أ ـ سعيهم لاتباع شتى الوسائل للوصول إلى مادة الحب، وكلما لهثوا
وراءها كلما ازدادت بعداً، فإنهم يقصدون مشاعر غامضة لا يعرفون ماهيتها،
ولا يعرفون ماذا سيحدث بعد استلامهم أزمّتها..
فليس الحب هدفاً بذاته، إنما هو وسيلة للوصول إلى أهداف كثيرة،
السعادة في الحياة، والفاعلية، والتنشئة الحسنة، والعون على المصاعب،
وبلوغ الأهداف.. هذه هي الحقيقة الغائبة عن عقل أمثال هؤلاء..
وبجهلهم هذا تراهم يجهدون أنفسهم ويستغرقون السنين، ويفنون الأعمار
سعياً للوصول إلى ساحة الحب، وعندما يتفاجئون بأنهم صاروا وسطها،
يستحوذ عليهم الجهل، فلا يعرفون ما هي الخطوة التالية.. بل قد يستنكر
البعض ذلك الشعور، ويفضل الإحساس الذي كان يحسّ به وهو يلهث وراءه،
ويعتقد أن لذّة الحب في فناء الحياة جرياً وراءه، وإذا امسكه عاد
وأطلقه…إنها عقدة الحب التي ينتج عنها فناء العمر في طريق خاطئ، فعلينا
أن نعرف هذه الحقيقة: إن الحب سحاب وثير يحمل صاحبه إلى أهدافه بسلام،
وليس هدفاً نلهث خلفه كالسراب.
ب ـ ومن دواعي الإفراط في الحب، عدم التفريق بين الانجذاب الحبّي،
وبين الانجذاب الجنسي، لذا نرى الكثير من الشباب المولع بجنس النساء،
يكونون عنيفين في علاقاتهم النسوية والعكس صحيح، فيتحدَّون كل الصعاب،
والأعراف، ويحطّمون المبادئ.. ليصلوا إلى المرأة التي يريدون، وبعد
فترة زمنية، بعدما يشبع رغبته الجنسية، أو يرى المرأة الأكثر جمالاً،
ينساق خلفها بذات القوّة.. إنه تيّار الشهوة العارم عند الشباب، وليست
مشاعر الحب العاطفي.. فالفرق شاسع بينهما.
فإن الجنس غريزة شهوانية مرتبطة بالجهاز التناسلي، تلح هذه الغريزة
على الإنسان بالحاجة لإشباعها، وتذهب أدراج الرياح إذا ما أخذ الإنسان
مطلبه، وأشبع غريزته.
أما الحب فهو غريزة فطرية ترتبط بالعاطفة تجاه الاجتماع، إنها
تتمثّل في الأنس الروحي، واللّذة النفسية، وحالة الرضا العام لدى
الإنسان، و هذه من شأنها أن تستمر وتؤدّي وظيفتها في الحياة لإسعاد
الإنسان ورقيه على الدوام.
وفي هذا الصدد تسعى وسائل الإعلام الغربية ومن حذا حذوها لإذابة
المحتوى الحقيقي للحب في قالب جنسي، فيدعون لممارسة الجنس بدعوى ممارسة
الحب، وشتّان بين هذا وذاك..
ولا يعني هذا الخلط أن الغريزة الجنسية لا أهمية لها في الجانب
الزوجي، بل الاعتماد عليها وجعلها المحور للعلاقة هو الأمر الذي يوهن
العلاقة الزوجية ويجعل عمرها قصيراً لا يدوم.. فالجنس يساهم في تعزيز
العاطفة وليس بديلاً عنها.
إن الحب العنيف الذي يقصده بعض الأزواج لا يولّد إلا مزيداً من
المشكلات في الحياة الزوجية، كما يقول الدكتور القائمي: (يعيش بعض
الشباب هاجس الطفولة بالرغم من تخطيهم ذلك وعبورهم تلك المرحلة، فهم
ينشدون من أزواجهم ـ مثلاً ـ حباً عنيفاً يصل درجة العبادة ! وأي تقصير
أو إهمال قليل في تلك (الطقوس) يجعلهم يشعرون بالمرارة والحزن والألم،
الذي سرعان ما يفجر حالة من العدوانية والتنازع)[1].
* فصل من كتاب الحب في العلاقات الزوجية
www.mosawy.org
[1]
/ الأسرة وقضايا الزواج، الدكتور علي القائمي، ص54
|