يقول البروفسور السويدي (تورستن هوسن): إن الموهبة المثقفة في
المجتمع المعاصر، هي بديل لعراقة النسب والثروة الموروثة. وإن أسلم
طريقة ينتهجها الآباء للاستثمار وأبعدها عن الكساد والتضخم هي تعليم
أبنائها..
تختلف أفهام الناس ونظرياتهم وقناعاتهم العامة، نظرا لاختلاف البيئة
والأعراف والتقاليد في تحديد القيمة الاجتماعية للإنسان. فهناك بعض من
الناس، يعتمد في تعزيز قيمته الاجتماعية على مكاسب آبائه وأسلافه
ومنجزاتهم، إذ أن هذه المكاسب الاقتصادية أو الاجتماعية أو ما أشبه
التي حققها الآباء، هي البوابة السهلة للأبناء كي يحققوا قيمتهم
الاجتماعية.
وبطبيعة الحال فإن هذا النهج في التعاطي مع مكاسب الآباء ومنجزاتهم،
هو وليد الترهل والكسل والتواكل والغياب التام لروح المسؤولية
والمبادرة والفعالية، ولهذا قال الشاعر:
ليس الفتى من قال كان أبي
إن الفتى من قال هآنذا
وآخرون يحاولون أن يحققوا قيمتهم الاجتماعية عن طريق المال والثروة،
فإذا كان ابن عائلة ميسورة، فإن قيمة أبناء العائلة الاجتماعية، ستكون
بمقدار يسرهم وثروتهم.
وهكذا تتعدد طرق تحقيق المكانة الاجتماعية للإنسان بتعدد ثقافة
المجتمع أو البيئة العائلية التي يعيش فيها الإنسان.
ونحن في هذا المقال، نحاول أن نؤكد على منظور آخر وطريق آخر، للوصول
إلى مكانة اجتماعية مرموقة، وهو التعليم ومواصلة الدراسة العليا كطريق
مشروع للوصول إلى قيمة ومكانة اجتماعية محترمة..
٭ القيمة الاجتماعية وليدة الكسب الذاتي:
وكما يبدو من التجارب الإنسانية المختلفة، فإن القيمة الاجتماعية
الحقيقية للإنسان، لا تحددها عراقة النسب أو انجازات الآباء مع ما لها
من تأثير في هذا المجال. إلا أن الفيصل في تحديد القيمة الاجتماعية، هو
كسب الإنسان وانجازاته وكفاءاته ومواهبه.
إن اجتهاد الإنسان، وسعيه الدؤوب لتحقيق تطلعاته وطموحاته، وتجاوزه
لصعاب الطريق والمسيرة، وعصاميته وتضحياته، كل هذه الأمور هي التي تحدد
قيمة الإنسان الاجتماعية.
لهذا فإن مهمة الآباء التربوية، هي غرس قيم المسؤولية، وضرورة صناعة
الكفاءة الذاتية القادرة على مواجهة صعوبات الحياة وتحولاتها السريعة.
ودفع وتشجيع الآباء لأبنائهم لمواصلة الدراسات العليا في اختصاصات
علمية نوعية وامتلاك شهادة علمية متقدمة، هو أحد الضمانات الأساسية
التي تحول دون الخضوع لصعوبات الحياة.
والتشجيع وحده لا يكفي وإنما من الأهمية أن يسند هذا التشجيع، بجو
ومحيط أسري - اجتماعي، يعلي من شأن العلم ويحترم الكفاءات العلمية،
ويحفز الشباب على مواصلة دراساتهم العلمية العليا.
٭ العلم قوة إنتاج:
وبفعل تعاظم الثروة التقنية والتكنولوجية، وما أحدثته من تغيرات
هائلة في ميادين الالكترونيات الدقيقة والحاسبات والإنسان الآلي وصناعة
المعلومات والاتصالات والطاقة النووية وتكنولوجيا الفضاء والهندسة
الوراثية وتخليق المواد الجديدة وإحلالها محل المواد الطبيعية القديمة
على أساس التكنولوجيا الكيماوية والبتروكيماوية. وتغير طابع العمل
البشري، إذ يلعب النشاط الذهني والعلمي دورا أساسيا في عملية الإنتاج.
توحي كل هذه الأمور: إلى أن العلم أضحى قوة إنتاجية هائلة، بحيث
أصبح القاعدة الأساسية لكل تطور تقني أو تقدم اقتصادي.
لذلك فحينما يولي الآباء اهتماما بتعليم أبنائهم، وإزالة أو تذليل
العقبات التي تحول دون ذلك، فإنهم في حقيقة الأمر يهيئون الأبناء لكي
يكون لهم الدور المتقدم في عملية الإنتاج الاقتصادي.
ففي هذا العصر، لا يكفي أن يكون الأب صاحب رأسمال ضخم، وإنما لا بد
للآباء أن يواصلوا أمجاد آبائهم بالتربية والتعليم وامتلاك نواصي العلم،
الذي يرقى به الإنسان إلى مدارج الكمال والتقدم.
إن من الأعمال العظيمة، التي يقدمها الآباء لأبنائهم، هي تربيتهم
وتعليمهم، حتى يتسنى لهم بسلاح التربية والتعليم، الاعتماد على أنفسهم،
وأن يتبؤوا مكانة متميزة في الخريطة الاجتماعية.
وفي إطار دعم الآباء لأبنائهم لمواصلة دراساتهم العليا، فإننا نؤكد
على النقاط التالية:
1) إن مشوار بناء الكفاءة العلمية لأبنائنا، يبدأ من المراحل
التعليمية الأولى، لذلك فإن اهتمامنا بتعليم أبنائنا وتفوقهم في
الدراسة والتحصيل العلمي، هو الخطوة الأولى في مشوار بناء الكفاءة
العلمية لأبنائنا. لذلك ينبغي علينا جميعا، أن نهتم بدراسة أبنائنا،
وذلك عبر متابعة شؤونهم التعليمية والتربوية، وتقوية روابط البيت
والمدرسة والعناية بملاحظات ونصائح التربويين، وإيجاد حوافز تشجيعية
للأبناء للاهتمام بالدراسة والتحصيل العلمي. ولنتذكر جميعا: إن العناية
بالمرحلة الأساسية للتكوين العلمي للإنسان هي التي تؤدي إلى التفوق
العلمي في المراحل اللاحقة.
2) بما أن العلم أضحى قوة إنتاجية هامة، وأصبحت فرص العمل المحترمة
مرتبطة بشكل كبير بالمؤهلات العلمية والفنية التي يمتلكها الإنسان.
لذلك فإن طريق ضمان الحصول على فرصة عمل متميزة، هو مواصلة الدراسات
العليا بتفوق واقتدار، لأنها إحدى الطرق الهامة التي ينبغي ألا نغفلها
جميعا ( كآباء ) لحصول أبنائنا وإخواننا على فرصة عمل مناسبة.
فلنغرس في أبنائنا حب المعرفة والعلم والتفوق، لأنه هو طريقهم إلى
صناعة مستقبل أفضل لهم.
بمعنى أن طريق المستقبل الأفضل، يمر عبر بوابة التحصيل العلمي
والتفوق الدراسي في مختلف المراحل.
3) إن العقبات والموانع التي تحول دون تفوق وتميز أبنائنا الدراسي
والتعليمي، ليست قدرا لا يمكن تغييره أو تبديله وإنما بوعي الآباء
وإرادة الأبناء، يتم تجاوز هذه العقبات وإنهاء هذه الموانع.
فالله سبحانه وتعالى أعطانا جميعا عقولا متساوية وإمكانات ذهنية
واحدة، وتفاوت الناس في هذه المستويات، يرجع إلى أن بعض الناس حرك
عقله، ووظف إمكاناته الذهنية في سبيل تقدمه وتطوره. والبعض الآخر اعتمد
على غيره في تيسير شؤونه، ولم يحرك عقله ويفجر طاقاته الذهنية.. وإننا
نرى أن العقبات والمشكلات، التي تحول دون تفوق أبنائنا التعليمي، تعالج
عن طريق تضافر جهودنا جميعا لتذليلها وإنهائها من الوجود.
ومهمتنا كآباء تتجسد في غرس الوعي والإدراك في عقول أبنائنا، وتطوير
مستوى أدائهم العلمي، وإمكانات التفكير الموضوعي لديهم، والتعاون مع
الآخرين، لإنهاء هذه العقبات من الوجود، أو منعها من التأثير السلبي
على المسيرة التعليمية لأبنائنا.
ووعي الآباء لحاجات أبنائهم النفسية والعقلية والاجتماعية، والعمل
على إشباعها بالطرق المشروعة، يساهم مساهمة كبرى في تطوير أداء أبنائنا
التعليمي والدراسي. |