الملابس الرسمية بين التقيد بربطة العنق وشُبهة السفاري

 تحقيق: هشام البيضاني

 

شبكة النبأ: عانى (علي يحيى) كثيرا للحصول على بدلة التخرج، فلم يعتد من قبل على لبس (القاط) وهي التسمية التي تطلق على البذلة الرسمية في العراق.

فلم يعتد (علي) طالب المرحلة الرابعة في كلية الإدارة والاقتصاد على الملابس الرسمية، ولأنه (القاط) الأول... فقد عانى الأمرين من مسالة الاختيار وسوء معاملة صاحب المحل الذي ضجر من إلحاح (الطالب الجامعي) في اختيار الفصال واللون وكأنه سيركّب عضوا بشري جديد لجسمه.

وأخيرا استسلم (علي) مكرهاً لذوق صاحب المحل الذي ذاق ذرعا بتردد مبتدئ في عالم القاط. والحال نفسه ينطبق على كثير من الشباب على حد وصف (عبد شدحة) صاحب محل متخصص ببيع البدلات.

ويصف (شدحة) المحامون بأنهم الزبون المثالي لشراء البدلات كونهم اعتادوا على لبسه إثناء المرافعات القضائية واصفا إياهم بأهم زبائن كل موسم وأضاف مازحا (بس بالدفع موشي) على عكس أعضاء المجالس البلدية.

أما عن السفاري(الوجه الآخر من اللباس الرسمي في العراق) يقول صاحب المحل بان الكثيرين يتمنون لبسه في الصيف والخريف إلا إنهم يمتنعون وذلك لشبهته إذ ارتبط (بالرفاق) على حد وصفه. والرفاق جمع رفيق وهو مصطلح يطلق على (البعثيين)الذين كان هذا النوع من اللبس ملازما لهم وللعلم إن السفاري بدله من قطعتين من لون واحد (قمصلة وبنطال) اعتاد الموظف العراقي ارتدائها أثناء الدوام الرسمي، وربما ذهب بعضهم إلى ارتدائها خارج الدوام حيث يؤدي الواجبات الاجتماعية.

أكثر من هذا لازال أشقائنا في اليمن والسودان يلبسون السفاري. وهناك معلومة أخرى تقول إن السفاري لباس صيني الأصل  وانتشر في دول الشرق الأقصى حتى أضحى الزى الرسمي لرؤساء كوريا الشمالية.

(سالم معيوف) لا يفضل الملابس الجاهزة ويفضل قصد الخياط لفصالها قال لـ شبكة النبأ: كلفني (قاط السفاري) ثمانون ألف دينار إلا أني لم ارتده إلا مرة واحدة في احد المناسبات الاجتماعية أدركت إن (السفاري) يذكر الناس بحقبة هم أحوج لنسيانها إذ مازحني شخص كان يجلس بقربي في مجلس الفاتحة الذي قصدته وبدلا من (الله بالخير) التي اعتدنا سماعها بعد قراءة الفاتحة قال لي (استاد لازم اليوم اجتماع) قاصدا اجتماع الرفاق سابقا فلم اعر للموضوع أهمية عدى انها وجهة نظر شخصية. بعدها أردف ساخرا (يمكن الأخ خفارته اليوم) فأدركت أنها نظرة عامة فخرجت من المجلس بعد أداء الواجب الاجتماعي بعدها قصدت البقال للتسوق قبل العودة للمنزل فباغتني مستهزئاً (استاد  يراد لك يشماغ احمر) وهو ما يلبسه الرفاق عادة أثناء حفاراتهم الليلية  فأخذت حاجتي وعدت إلى المنزل مباشرة لأنزع (رداء الشبهة) معاهدا نفسي أمام زوجتي على أن لا البسه مستقبلا.

 (فرات خالد) مدرس رأيه في السفاري قاسيا بعض الشيء بالنسبة لجماد واصفا اياه بأنه غطاء لكل متسلط بل تعدى الأمر به بتشبيهه بشعار النازية بالنسبة للألمان وأضاف طيلة عقود لم نرى الرفاق يتخلون عن السفاري فكيف نشعر تجاهه.

الثياب الرسمية وغير الرسمية كابوس كل موظف ورجل أعمال وطالب. فما هو اللباس الرسمي وغير الرسمي، وما هو اللباس الذي يناسب معظم المناسبات سؤال يطرح نفسه خصوصا بعد تحسن الوضع الاقتصادي للفرد العراقي واهتمامه بالمظاهر بعد عقود عجاف.

(كريم سعدون ظيف) باحث اجتماعي يحدثنا عن تاريخ البذلة الرسمية ونشوئها قائلا: لا يعرف تاريخ محدد إلا إن اغلب المصادر تشير إلى  ما قبل الميلاد إذ ارتدى زعماء اسيويون لباسا خاصا مصحوب بمناديل على العنق.

ومهما اختلفت الأذواق والثقافات والعصور ومهما حاول الرجل تجاهلها باسم روح الشباب وغيرها من الأعذار، تبقى، كما في الماضي، فرصة الرجل لإبراز ذوقه وأناقته وأيضا مركزه الاجتماعي وشخصيته. أما عن الربطة فأول نسخة لربطة العنق عرفها الإنسان، على ما يبدو، كانت في عهد الإمبراطور الصيني،Shih Huang Ti الذي مات في 210 قبل الميلاد. لكن أول من استعملها في الغرب ونشرها هو الملك الفرنسي، المشهور بأناقته، لويس السادس عشر في عام 1660 بعد أن رأى الجنود يلبسون إيشاربات ملفوفة حول أعناقهم.

أعجبه المظهر فقرر تبنيه رغم كونه صرعة في ذلك الوقت، لكنه على ما يبدو كان سابقا لوقته، على الأقل فيما يتعلق بالأناقة، فقد طلب عددا منها بخامات مترفة كان يغيرها حسب ألوان أزيائه، وسرعان ما انتشرت هذه الموضة انتشار النار في الهشيم بين أوساط المجتمع المخملي في مجموع أوروبا وأصبحت ترمز للمكانة والطبقة التي ينتمي لها لابسها.

خلال إل 200 عام التي تلت عهد لويس السادس عشر، تنوعت أشكال ربطة العنق، أو المنديل الذي كان يلف حول العنق، كما تنوعت أقمشته. من جانبه يصف (علاء الحجار) صحفي بان للقاط طقوسه.

فلا يمكن للمرء أن يرتدي بدله رسمية وهو يلهث وراء سيارات النقل العام والكيّات. فالسيارة الخاصة أول شرط من شروط لبس القاط وشخصيا أراه ملازما (للعريس) ولشحت ارتداء القوط من قبل الشباب تجد من يسخر من لابسي البدلات الرسمية.إذ اعتاد اغلب الشباب على لبس الجينز وشخصيا أراه ملبس عملي فاخر عكس ألبدله التي تحتاج إلى عناية دائمة.

وزاد (الحجار) في مكان العمل العاديِ أنت تريد أن تظهر بشكل محترف وأنيق. أما القاعدة الرئيسية التي يجب أن تتذكرها في العمل فهي البحث عن نظرة كلاسيكية، بدلاً من النظرة العصرية.

وأردف قائلا في طفولتي كنت أنظر إلى معلمي كملاك ! لم أكن لأصدق أن هذا الرجل الذي يرتدي بدله رسمية وربطة عنق دائما من الممكن أن يأكل الطعام كباقي البشر أو يمشي في الأسواق !كنت أظن أنه كالشمس يشرق صباح كل يوم في المدرسة ويغرب عند انتهاء حصص الدروس دون أن أعرف إلى أين (يتوارى) بقيت تلك الصورة راسخة ببالي حتى شاهدت يوما معلمي وهو يقود طفلته الصغيرة في شارعنا دون ربطة عنق! أدركت حينها أن معلمي من البشر ولا عجب.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 19/آذار/2009 - 21/ربيع الاول/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م