شبكة النبأ: ما ان تتجه صوب الشارع
المؤدي الى مرقد الامام العباس عليه السلام في مدينة كربلاء المقدسة
حتى تطالعك على الجانب الايمن صور أولئك الباعة وهم يهمون بتصنيف
بضاعتهم وقد تجد في محيط ذلك المعروض من تضمنت بضاعته الحصى بمختلف
اشكاله والوانه الرمادية والحمراء، ومنها من يستقي من لون السماء زرقته
والوان اخرى غريبة.
وقد لا تنتهي فصول ذلك التنوع ليبدء بعد ذلك مشروع التباين في
الاسماء والوظائف، فمنها عظم الهدهد، وعرج السواعد، وحصى ضد الرصاص!،
وللرزق وللمحبة وللاطفال حديثي الولادة وللمرأة الحامل ولمرض ابو صفار
وللمَحاكِم، وهي بمثابة وصفات طبية جاهزة وذات قدرة سحرية عالية في نظر
من يروّج لها او يقتنيها على حد واحد.
ويمكن ان تجد لهذا النوع من البضائع مريدين ومؤيدين كثر ومتاجرين
ايضا يبالغون احيانا بالاسعار والاثمان لقاء اقتنائك نوع من انواع تلك
الاحجار، كما انهم يزفون اليك بشرى فاعليتها وعملها، وربما تصادف اثناء
تجوالك هناك صرعات اخرى مثل قراءة الكف والطالع وإحضار الجان، وأبو
مرايه، وهي كنية للعرافين الذين يكتشفون السرقات!...
ومن اجل تسليط الضوء على هذه الظاهرة او نقطة الالتقاء التي مكنتها
من الانتشار بين صفوف شباب كربلاء كانت لنا هذه الجولة.
الاستاذ عقيل الجابري وهو باحث في هذا المجال، يرى بذلك المخاض
فضاءات واسعة ومتشعبة كما هي طبيعة كل الاشياء في الحياة ففيها
الاستخدام الجيد وفيها الاستخدام السيء، وهذا مما يجعل من التعرض لصنوف
الاحجار شيىء فيه الكثير من اللبس في نظر الكثير من الناس، إلا انني
والكلام لحد الان للجابري، أنظُر للموضوع من زوايا أخرى كون الاحجار
الكريمة عالم جميل وفيه غرابة، واذا ما أردنا أن نبحر بذلك العالم
بأيجاز فلابد ان نقف عند حدود السؤالين التاليين، فهناك ثمة جوانب
علمية وهناك جوانب دينية مرتبطة بها وحتى نصل الى نسبة من الحقيقة عسى
ان تكون كبيرة.
فالسؤال الاول يتمحور حول ماهية الاحجار الملونة وممّ تكونت؟
والجواب من ناحية علمية يؤكد على ان الاحجار الكريمة ما هي إلا
تأكسد أرضي للتربة ضمن جغرافية ومناخ معينين، فمثلاً العقيق الاحمر
الآتي من اليمن يكون لونه أحمر لأن مناخ تربة اليمن جبلي مع وجود البحر
فيها فكان التأكسد ضمن نوعية التربة الموجودة هناك، اما نوع الفيروزج
في نيسابور، وهي منقطة تقع في ايران وتبعد عن مدينة مشهد 140 كيلو متر،
فلون ذلك الحجر يمتاز بالزرقة.
ويتابع الاستاذ الجابري البيان بقوله لـ شبكة النبأ: اما بخصوص
النظرة الدينية لعالم الاحجار فان الله عزه وجل قد وضع في أماكن من هذا
العالم كرامات، فمثلا قد روي عن الامام الصادق(ع) انه قال: "تختموا
بالعقيق فأنه اول جبل أُقرَّ لله بالربوبية ولمحمد بالنبوة ولعلي(ع)
بالوصية عليه" وهو الجبل الذي كلم الله عليه النبي موسى(ع). هذا
بالنسبة للعقيق والفيروزج...
فضلا عن ذلك فان الاحجار وعبر التاريخ كان لها حضور طيب في
الحضارات القديمة حيث كانوا يهتمون بها اهتمام علمي، فتجدها عند
اليونانيين والفرس وقد أشتهر بهذا العلم أرسطوطاليس، اما العرب فقد
جادوا في عهد العباسيين كل الاجادة في هذا المجال لأنهم دونوا كل ما
وصفه العلماء القدامى من يونان ورومان وفرس.
علما بان تاريخ أي علم هو جزء من ذلك العلم ان لم يكن عينه، فقد ورد
ذكر بعض الاحجار الكريمة والمجوهرات في القرآن الكريم، وفي سورة الرحمن
حيث يقول المولى تبارك وتعالى:"يخرج منها اللؤلؤ والمرجان، وفي آية
أخرى" كأنهن الياقوت والمرجان".
وروي عن الامام الحسن العسكري (ع) ان" علامات المؤمن خمسة منها
التختم باليمين"، وهناك الكثير من الاحاديث التي تشير الى ذات المعنى.
ويتابع الاستاذ الجابري القول، اما من جهة لماذا يقتني الناس
الاحجار الكريمة والى كم قسم ينقسم المتعاملون بها، فهناك ثلاثة اقسام
هي:
1- للبيع والشراء، أي تعتبر مصدر للرزق.
2- لغرض الاحتفاظ بها ككنوز او تحف وتراثيات (انتيكه)
3- لغرض مادي او معنوي أي لجلب الرزق او لدفع الأسقام وما شاكل.
ومن خلال هذه الاقسام يمكن ان نعي الاغراض الحقيقية لتلك الرغبات،
فعند القسم الاول تعتبر الحالة مجرد تجارة رائجة ومربحة وخصوصا في
الدول الاسلامية، اما النوع الثاني فهم يحرصون على اقتناء الاحجار او
الاحتفاظ بها لكونها تشكل ميل كباقي الميول والهوايات.
اما القسم الثالث فهم يعتقدون بأن الحجر الفلاني يجلب الرزق او الحظ
او يدفع الاسقام وغيرها من الاعتقادات، وهذه الاشياء قد لا تاتي من
فراغ كما أسلفنا فالتاريخ يشير الى قيمة هذه الاشياء وما تحمل من
اشارات ذات منفعة معنوية.
وما أن انتهى الاستاذ عقيل الجابري من حديثه حتى وصل بنا المقام الى
محمد صاحب، حجّار معروف في كربلاء، وله خبره يعتد بها بالاحجار
الكريمة، فتحدث طارحاً رأيه، اعتقد ان الميول العاطفية هي العامل المهم
الذي يدفع الشباب باتجاه اقتناء ذلك النوع من الاحجار، سيما اذا ما
أخذنا بنظر الاعتبار بان اهتمامهم محصور باتجاه واحد وهو كيفية بناء
العلاقات العاطفية، لذا تراهم يتجهون صوب تلك الاحجار التي تحمل اسم
المحبة او عبر طرائق والشعوذة وهم يتعاملون معها وفق منظار فطرتهم
وبيئتهم، اما البعض الاخر فيعتقدون أن هذه الامور مبالغ بها وتدخل في
باب الدجل، وهناك مجموعة من الناس لا تعتقد بهذه الامور مطلقا، علما
بان هناك ثمة حقائق طبية تذهب باتجاه صحة تاثير بعض الاحجار، وتشير الى
انواع بعينها من حيث القدرة على التفاعل او التاثير الطبي على الجسم،
وعلى سبيل المثال فـ حجر الكهرب، تكمن فائدته في معالجة التهاب الكبد
الفيروسي الملقب محلياً بـ ابو صفار، أما حجر الياقوت ففقد ثبت علميا
بانه يطلق نوع من انواع الاشعة تعمل على تنظيم دقات القلب وتكون مفيدة
في هذا المجال، وايضا هناك حجر يدعى بـ حجر الملكات، وثبت بالتجربة
بانه يفيد مرضى الكلى، وهو ايضا يحتوي على مادة سامة وقد استخدم في
قديم الزمان للذين يحملون الكتب والرسائل مخافة تعرضهم للحوادث فعند
ابتلاعهم لهذا الحجر يتحقق الموت!.
أما ابو احمد، 50 سنة، من اهالي قضاء المسيب، فقال لـ شبكة النبأ
بالحرف الواحد، انني احتفظ بحجر منذ عشرين عاما، وقد اشتريته من مدينة
الكاظمية ببغداد، حيث نقش عليه رسم لسمكة كبيرة ونوع من انواع الطيور
الجميلة وهي تبدو واضحة للعيان وقد كنت ارجو من ذلك الحجر معاني الرزق
المادي إلا انني ولحد هذه اللحظة احتفظ به ولم يتحقق ذلك المعنى او
الحلم.
وما أن غادرنا ذلك المكان حتى بدت علائق التسائل المحموم تنساب
بكثافة على مصاديق تلك الاجوبة التي تلقيناها من اولئك المهتمين بذلك
العالم الغريب، فليس من قبيل المصادفة ان تساق اليك عشرات الامثلة بل
وربما الاف، من المهتمين وهم يمنّون انفسهم بجدوى الاحجار، وما لها من
ابعاد مفترضة دينية وعلمية وانسانية وتاريخية، في جلب الكثير من
المنافع الجسدية والنفسية، وهناك من يذهب بالقول الى انها تشكل نوع من
الارتباط الفكري بين مكونات الواقع الانساني وهي بالتاكيد لم تُخلق
سداً بل هي تخفي من ورائها اسرار ابداعية وتاثيرات قد تمتلك في يوم من
الايام خاصية الاقناع لأناس آخرين... |