الشباب بين القروض الصغيرة والمعالجات الجذرية

إعداد: علي حسين عبيد

شبكة النبأ: بين حين وآخر نقرأ او نسمع ان الجهات ذات العلاقة بالشباب قد أقدمت على اتخاذ الاجراءات اللازمة لمعالجة ازمات الشباب المتعلقة بتوظيف طاقاتهم المتنوعة ومن ثم توفير فرص العمل المنتجة المفيدة التي تقدم خدمة للشاب نفسه وللجهة التي استثمرت جهده العلمي والعملي في آن، لكننا في الغالب نكتشف ان هذه المعالجات غير مكتملة، فأما ان تكون عشوائية بلا دراسة مستفيضة واما ان تكون فارغة من عنصر الفائدة كونها لا تقدم مردودا اقتصاديا ملموسا لكلا الطرفين.

ان هذا التشتت في التخطيط والتنفيذ ايضا ناجم حتما من غياب الاستراتيجية التي تخص تشغيل الشباب واستغلال طاقاتهم المتوفرة في شتى المجالات، فقد اعتمدت الجهات المعنية بالشباب اسلوب تقديم القروض لهم وفق شروط وآليات محددة تصل بعضها الى عشرة ملايين دينار للشباب الخريجين، ولعل الظاهر من هذا الاسلوب يعطي صورة رائعة للمتابعين كما هو الحال مع عشرات القرارات التي تقف الي جانب الناس في صياغة بنودها، لكن الكارثة الحقيقية ستكمن دائما في طريقة التطبيق لتلك القرارات ولغيرها.

لا أحد من العراقيين يرى عيبا في منح الخرجين قرضا جيدا كهذا بل كلهم يشجعون الجهات المختصة على تطبيق هذه الخطوة الرائعة ولكن هل يعلم المشرعون والمنفذون ايضا لمن تذهب هذه القروض ومن الذي سيستفيد منها وهل ستُطبق بنود وشروط المنح التي ترافق هذه القروض بصورتها المناسبة وهل سيستفيد منها الذي يستحقها حصرا، إن العيب يكمن ها هنا تماما، أي في آلية منح هذه القروض التي سيذهب قسم كبير منها الي الاشخاص (الخطأ)، أولئك الذين يتربصون بمثل هذه الفرص وينقضون عليها بوسائلهم التي خبروها جيدا، وهم من أولئك الذين لهم جهات داعمة (أصحاب الواسطات وغيرهم)، أما حصر هذه القروض بالخريجين فهذه ليست مشكلة عصية على التلاعب إذ توجد الشهادات والوثائق المزورة الجاهزة لمن يريدها وتوجد الرشا التي تعمي عين المسؤول حتى لو اكتشف عملية التزوير او التجاوز على الشروط الاخرى لمنح هذه القروض، وهناك من يسأل الآن وماذا تقترح علينا من بدائل، هل تود الغاء منح القروض وإبقاء الشباب بين فكي البطالة والارهاب، هنا نجيب بأن غالبية العراقيين لا همَّ لهم سوى مساعدة الشباب وتيسير حياتهم ولكن نحن ضد الجرعات التخديرية المؤقتة وضد الحلول الاستعراضية الضارة ومع الحلول العميقة الناجعة التي تصب في فائدة هذه الشريحة وسواها بالصورة الصحيحة آنيا ومستقبليا.

بمعنى أن الجرعة المخدرة لن تصب في الطريق الصواب وان العلاج الدائم ولو كان بطيئا فهو المطلوب، فليس هناك متسع من الصبر للشباب ولغيرهم وهم يرون بأم أعينهم إهدار المليارات من الثروات العراقية في عمليات فساد فاقت كل التوقعات المحلية والعالمية، إن المطلوب حقا هو إمتصاص البطالة أولا من خلال إقامة المشاريع الانتاجية الكبيرة والمتوسطة وتشغيل الأيدي العاملة في عمليات انتاجية واسعة وحقيقية وعدم التذرع بفقدان الأمن، لأن البلد فيه أماكن كثيرة تصلح لتعميم الانتاج الحقيقي وليس الشكلي، إذن لا أحد يرفض مساعدة الشباب مطلقا لكن ما نرفضه حتما هو القرارات الجيدة في شكلها والمسيئة في تطبيقها.

ثم هناك غياب القاعدة الاقتصادية السليمة في توظيف هذه القروض، بمعنى قد تهدر هذه القروض في احتياجات فردية آنية ولا تحوَّل الى مشروع انتاجي مهما صغر حجمه أم كبر فرديا كان ام جماعيا والسبب هو غياب البنود الاجرائية التي تلزم المقترض بتحويل المال الى عمل منتج، بمعنى ان المستفيد لايُقيد بتوظيف المال اقتصاديا، فما ان يصبح المال بين يديه حتى تكون له الحرية الكاملة في طريقة استهلاكه، فيتحول بطريقة آلية الى مصروفات فردية لسببين هما:

1-   غياب التخطيط المسبق لتوظيف هذه القروض بطرق اقتصادية سليمة.

2-   حاجة الشاب الى المصاريف الفردية بسبب البطالة المسبقة التي عانى منها.

لهذا نعتقد ان قروضا من هذا النوع تشكل عبئا على الاقتصاد الوطني اولا وعبئا على الشباب ثانيا، ولعل المطلوب في هذا الجانب، او اهم ما يمكن أن يُقال، هو وجوب التخطيط المسبق لتحويل القرض الى واقع منتج، وإلزام المستفيد بالتنفيذ الفعلي للمشروع عبر بنود دقيقة ومراقبة مباشرة.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 14/آذار/2009 - 16/ربيع الاول/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م