الغرب هدف سهل حين يتخذ المسعى الجهادي منحى أكثر سرية

السياسة الاجتماعية لها دور في مواجهة التطرف بين الشبان

إعداد: محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: تتمتع المدن الغربية بدفاعات أقوى من نظيراتها الاسيوية ضد الهجمات مثل الهجوم الذي نفذ بأسلوب القوات الخاصة ضد لاعبي كريكيت من سريلانكا في باكستان بفضل تطبيق قوانين اكثر صرامة على استخدام الاسلحة فضلا عن فرض مراقبة مشددة.

لكن محللين يقولون ان الكمين الذي جرى في وضح النهار في لاهور يظهر مدى السهولة التي تستطيع بها الجماعات المسلحة تصدر عناوين الصحف العالمية بارتكابها أعمال عنف مروعة وبالتالي فان التكتيكات المتحدية قد تؤدي الى محاولات للمحاكاة بين المسلحين في قارات أخرى.

الغرب ليس هدفا سهلا

يقول فرانسوا هايسبورج من مؤسسة الابحاث الاستراتيجية وهي مؤسسة بحثية مقرها العاصمة الفرنسية باريس "هل هذا قابل للتطبيق بما يكفي ليثير قلق السلطات الامنية في اوروبا.. الاجابة هي نعم." حسب رويترز.

وأضاف "انني أصنفها في الفئة (الصعبة) على الارهابيين في اوروبا لكن في الوقت نفسه اذا حدثت فانها ستكون واحدة من اكثر الوقائع تحديا للتعامل معها."

في لاهور أصيب ستة لاعبي كريكيت سريلانكيين الى جانب مساعد مدرب بريطاني وقتل سبعة أشخاص حين هاجم مسلحون الحافلة التي كانت تقل الفريق اثناء توجهه الى الاستاد مما أثار حالة من الذعر محليا ودقائق من الدعاية على القنوات التلفزيونية الفضائية.

ووقع الهجوم بعد ثلاثة اشهر من قتل مسلحين نحو 170 شخصا في مومباي في سلسلة من الهجمات على أهداف تثير الانتباه حولت العاصمة المالية للهند الى منطقة حرب.

وقال روبرت ايرز المحلل الامني بالمعهد الملكي للشؤون الدولية ومقره بريطانيا "اي ارهابي عاقل كان سينظر الى هجوم مومباي ويلاحظ التغطية الهائلة التي حظي بها ويقرر أن هذا هو النموذج الذي يجب أن يحتذى."

ويقول بول بيفر المحلل الدفاعي المستقل ان هجوم مومباي أدى الى اعادة تقييم أمن المدن في أنحاء العالم وخضع لدراسة عن كثب في المدن التي توجد بها موانيء من مرسيليا وليفربول الى سيدني وسان فرانسيسكو.

وأضاف "بعد هجوم مومباي مرت مدن كثيرة بعملية استفادة من الدروس"، وتابع "في اوروبا لدينا سيطرة صارمة على الاسلحة النارية وأنظمة قوية لمكافحة الارهاب تقودها المخابرات. لكننا لسنا راضين عن أنفسنا."

ويقول محللون أمنيون انه لابد من توافر ثلاثة شروط كحد أدنى حتى يصادف هجوم "صاخب" على غرار هجوم مومباي نجاحا.. -توافر البنادق - امكانية الوصول الى مناطق منعزلة غير محكومة وأشهر من الوقت للتدريب على استخدام الاسلحة بنظام الفرق. -مراقبة معيبة للغاية للجماعات المسلحة، ويقول محللون ان باكستان مستوفية لجميع الشروط.

الى جانب هذا سيحتاج المهاجمون الى الاختيار والتخطيط لمهاجمة هدف هين يحقق لهم أقصى قدر من الدعاية مثل حدث رياضي او سياسي او ثقافي او تجمع دولي يستقطب بطبيعة الحال أعدادا كبيرة من الناس.

وقال هنري ويلكنسون من مؤسسة جانوزيان سيكيوريتي "أقول ان فكرة أن هذه الهجمات يمكن محاكاتها بسهولة في أي مكان ليست محصنة ضد الخطأ."

وأضاف "تحتاج مثل هذه الهجمات الى تنظيم واستطلاع ومعلومات مخابرات وتدريب واجندة سياسية وفوق كل هذا احتمال قوي للنجاح. ليس مدهشا أن كل هذا حدث في سياق محيط أمني ضعيف."

ويقول محللون انه في المقابل يتمتع العالم المتقدم بحماية افضل على الرغم من اتاحة البنادق في بعض الولايات في امريكا وذلك بفضل أنظمة المخابرات والمراقبة القوية للارض والعقارات في اوروبا والولايات المتحدة.

في روسيا ما زالت الهجمات بالقنابل والاسلحة النارية تؤثر على الحياة في شمال القوقاز بشكل شبه يومي لكن ماثيو كليمنتس محلل شؤون اوروبا واسيا بمجموعة جينز للمعلومات يقول ان العنف متمركز فيها ومن غير المرجح أن يمتد الى موسكو.

وأضاف أن المقاتلين الاجانب الاكثر حرصا على استهداف أهداف مدنية رفيعة المستوى قتلوا على يد قوات الامن الروسية او انتقلوا الى افغانستان والعراق، وتابع أن "مستوى الخطر لم يعد كما كان عليه."

ولطالما نظر الى أنظمة النقل او المناطق التي تزخر بالسياح على أنها أهداف محتملة في اوروبا حيث نفذ مفجرون هجمات مدمرة في قطار الانفاق بالعاصمة البريطانية لندن عام 2005 ونظام القطارات بالعاصمة الاسبانية مدريد عام 2004.

لكن اختيار الهدف وهو الرياضيون يثير مخاوف بين منظمي الاحداث الرياضية وربما منظمي الاحداث الترفيهية الحية الاخرى التي تستقطب الجماهير.

وأصبح الامن هما في الرياضة العالمية منذ قتل 11 اسرائيليا في الدورة الاولمبية بميونيخ عام 1972 بعد أن احتجزهم مسلحون فلسطينيون رهائن وقامت السلطات الالمانية بمحاولة فاشلة للانقاذ. وقتلت قنبلة في الدورة الاولمبية في اتلانتا عام 1996 شخصا واحدا وأصابت اكثر من مئة.

وقال ويلكنسون "الرياضة لها جاذبية منتشرة على نطاق واسع عبر كل الحدود والاديان... انها هدف ضعيف جدا."

ومن المقرر أن تشارك باكستان في استضافة كأس العالم للكريكت الى جانب الهند وسريلانكا عام 2011.

وطلب المجلس الدولي للكريكيت من المنظمين التخطيط لمواقع بديلة اذا أصبح من الصعوبة بمكان اللعب في باكستان بسبب المخاوف الامنية.

المسعى الجهادي في منحى سريا

في سياق متصل قال اكاديمي إن سجونا ومنازل خاصة حلت محل المساجد كمراكز تجنيد لمتشددين اسلاميين في اوروبا وهو تحول لا يمكن معالجته بمجرد اجراءات حكومية أمنية قصيرة الامد.

وقال بيتر نيومان استاذ العلوم السياسية بجامعة كينجز كوليدج بلندن ان النشطاء الذين اتخذوا في وقت من الاوقات مساجد بارزة لعمليات التجنيد يتزايد حاليا استخدامهم لمقار سرية بينها قاعات صلاة مؤقتة ومكتبات وذلك بعد تعرضهم لضغوط من مراقبة الحكومات واستياء المجتمعات المحلية. حسب رويترز.

وقال نيومان وهو كاتب تقرير "الانضمام الى القاعدة" عن التحول للتشدد في اوروبا الذي نشره مركز ابحاث مستقل مقره بريطانيا "هذا النمط من الانسحاب من احداث اثارة علنية ثابت في انحاء غرب اوروبا."

واضاف في مقابلة على هامش مؤتمر امني في بلجيكا "كثير من الانشطة العلنية التي جرت العادة ان تقام في مساجد تحدث الان في شقق ومساكن خاصة حيث اصبحت المساجد نفسها اكثر يقظة وصرامة."

وقال:"لقد اصبحت (الانشطة) سرية. بات من الصعوبة البالغة على اشخاص مثل ابو حمزة ان يعمل في العلن رغم ان ذلك لا يعني انهم اختفوا عن الانظار."

وكان يشير الى ابو حمزة المصري وهو واعظ مسلم كان مصدر جذب للاصوليين الى مسجده في شمال لندن في التسعينات وهو هدف يسهل للشرطة التي تتابع مثل هذه الانشطة مراقبته، ويقضي ابو حمزة حكما بالسجن مدته سبع سنوات في بريطانيا لحضه اتباعه على العنف.

وتجنيد متشددين اسلاميين مبعث قلق في انحاء اوروبا لان وكالات انفاذ القوانين تعتقد ان بضعة الاف من الشبان المسلمين في القارة هم جزء من شبكات مماثلة لتلك التي نفذت تفجيرات انتحارية في لندن قتل فيها 52 شخصا في 2005 وتفجيرات في مدريد التي قتل فيها 191 شخصا في 2004.

وقال التقرير الذي يستهدف صناع السياسات معطيا مثالا على هذا الاتجاه "المتطرفون يواصلون ارتياد المساجد في اسبانيا لكن عمليات التجنيد المحتملة يدعى اليها في جلسات خاصة."

وقال نيومان ان التطرف والتجنيد داخل السجون قد زاد على الارجح بالاخذ في الاعتبار انه قبل 2001 لم يكن بأي دولة اوروبية باستثناء فرنسا عدد كبير من السجناء من المتشددين الاسلاميين. والان يوجد مئات من سجناء كهؤلاء في بريطانيا واسبانيا وحدها.

واضاف قوله "السنوات الاخيرة شهدت بزوغا لعصابات المتشددين الاسلاميين في السجون والتي رغم انها ليست سياسية بشكل صريح في مظهرها فان لغتها بالغة العنف."

وقال نيومان ان عصابات من هذا القبيل امدت النزلاء بشبكة حماية اجتماعية واحساس بتقدير الذات.

ولم تتمكن اجهزة امن اوروبية تحاول احداث توزان بين حماية المواطنين والحفاظ على الحريات المدنية من صياغة استجابة كاملة لهذا الاتجاه.

وقال "احيانا لا تعرف ما تفعله بشأنها. لديها وعي بهذا الاتجاه لكن ذلك لا يعني بالضرورة انها جميعا لديها الحلول الصحيحة."

وحذرت اللجنة الدولية للمحلفين من ان "الحرب على الارهاب" التي شنتها واشنطن بعد هجمات 11 من ايلول سبتمبر قوضت حقوق الانسان في انحاء العالم فيما يرجع جزئيا الى تقييد الحريات.

ويقول تقرير نيومان الذي نشره المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ان السياسة الاجتماعية لها دور في مواجهة التطرف بين الشبان الذين انجذبوا للتشدد الاسلامي بسبب مشكلات اجتماعية من بينها التمييز العنصري.

واضاف التقرير "التجنيد ليس مشكلة امنية فحسب. التحدي يكمن في انشاء مجتمعات اكثر شمولية لن تجد فيها روايات الاستبعاد والظلم صدى."

ويقول محللون ان ما بين نحو 15 مليون مسلم و20 مليونا يعيشون في غرب اوروبا يشكلون ما يصل الى خمس السكان في تلك المنطقة.

وقال التقرير ان قليلا من المتشددين جندوا عبر الانترنت وحده لكن المشاركة في منتدى جهادي على الانترنت سهل عملية التجنيد بتمكين المشاركين من الشعور باحساس انهم جزء من حركة عالمية.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 14/آذار/2009 - 16/ربيع الاول/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م