
شبكة النبأ: تحولت المنطقة المحظورة
في تشرنوبيل وقطرها 30 كيلومترا حول موقع انفجار مفاعل بمحطة تشرنوبيل
النووية في 26 ابريل نيسان 1986 وهي لا زالت غير صالحة لسكنى الإنسان،
لمحمية طبيعية تجوبها الذئاب والايائل وانواع من الثيران والخنازير
البرية والدببة.
وبالرغم من أن العالم قد لا يعرف أبداً الاثر الكامل لأسوأ كارثة
نووية في العالم الا أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للامم
المتحدة ترغب في وضع نهاية للفوضى المثارة بين ملايين من ضحايا حادث
تشرنوبيل والذين لازالوا يعانون من اعراض وامراض مختلفة...
ففي الذكرى العشرين لكارثة تشرنوبيل ينشط العالم في إحياء ذكرى من
سقطوا جرّاء الإشعاعات. وكذلك يحاول إيجاد الإجابة على كثير من الأسئلة
التي طرحت وما زالت تطرح وأهمها: هل أصبح العالم اليوم أكثر أمنا بفعل
التكنولوجيا الحديثة التي تضمن الحد من آثار التسرب أم أنّه لا أمان
ولا أمن لأحد مع تسرب نووي كبير قد لا يبقي ولا يذر؟
وتنهب الخنازير البرية التي عادة لا تخرج إلا وقت مغيب الشمس ما
تبقى من حدائق في وضح النهار وتسير في شوارع القرية الخاوية وتجوب
المزارع والمستوطنات بحثا عن غذاء. كما تتجول الايائل مثل بقرة
وصغيريها تظهر على جانب الطرق وتتغذى على افرع الشجر المتدلية.
ويقول جريجوري سيس من علماء الطبيعة الذين يراقبون الحيوانات في
الغابة التي لا تزال متأثرة بالاشعاع "الايائل كائنات شديدة الفضول.
تريد ان تمعن النظر الينا لدقيقتين قبل ان تنطلق الى الغابة."
ومنذ ان التقيته قبل اربعة اعوام رافقت سيس في ست جولات حول المنطقة
ومساحتها 2162 كيلومترا مربعا التي خلت من البشر عقب الانفجار والحريق
الذي الذي شب في المحطة الواقعة بالقرب من الحدود في اوكرانيا.
وكانت روسيا البيضاء الاكثر تضررا من اسوأ حادثة نووية مدنية في
العالم. واصاب التلوث ربع اراضيها وهجرت القرى على جانبي الحدود بين
الجمهوريتين السوفيتيتين السابقتين. بحسب رويترز.
ويصعب وصف المعاناة الانسانية فقد مات العشرات في محاولة اطفاء
الحريق في المحطة وجرى اجلاء عشرات الالاف البعض مرتين لان السلطات لم
تقدر مدى الاشعاع بشكل جيد واصيب الالاف بسرطان الغدة الدرقية. ولكن
هذا الاجلاء كان دون شك نعمة للحيوانات البرية.
ويعني التجول في المنطقة تمضية عدة ليال في كوخ في الغابة مزود
بقليل من وسائل الراحة اضافة الى ثلاثة اسرة بسيطة وموقد.
نتجول بسيارتي في قرى المنطقة المهجورة ونشاهد منازل ومتعلقات شخصية
ومتاجر بل واماكن ترفيهية مثل الملاهي لم يمسها انسان منذ اواخر الحقبة
السوفيتية.
ويقول سيس ان الذئاب التي يصل عددها الان الى 300 هي سيدة الموقف
الان. ويضيف "الذئب ذكي جدا وماهر. يكتسب احترام اي عدو. قتلت الذئاب
بالمئات في اي فرصة بل واستخدمت طائرات هليكوبتر (في قتلها) ولكنها
تكيفت وبقت على قيد الحياة."
أسوأ كارثة نووية في العالم..
وبالرغم من أن العالم قد لا يعرف أبدا الاثر الكامل لاسوأ كارثة
نووية في العالم الا أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للامم
المتحدة ترغب في وضع نهاية للفوضى المثارة بين ملايين من ضحايا حادث
تشرنوبيل..
وقعت كارثة تشرنوبيل منذ 18عاما الساعة الواحدة و 24 دقيقة صباحا
بالتوقيت المحلي في 26 ابريل/نيسان عام 1986عندما وقع انفجار في
المفاعل الرابع بمحطة الطاقة في اوكرانيا لتتصاعد سحابة مشعة وتغطي شتى
أنحاء اوروبا والاتحاد السوفيتي سابقا.
ولقي نحو 30 فردا حتفهم جراء التعرض للاشعاع بعد الحادث كما ألقي
باللوم على الكارثة في اصابة نحو الفي طفل في وقت لاحق بسرطان الغدة
الدرقية وآلاف من الامراض القاتلة الاخرى. وأعيد توطين أكثر من مئة الف
نسمة مما تسبب في مصاعب جسدية ونفسية واقتصادية.
ومن بين الملايين الذين تأثرت حياتهم بالكارثة قد يكون هناك الآلاف
الذين أصيبوا بالسرطان وتوفوا نتيجة لمرضهم ولكن السجلات الضعيفة
والفساد حالا دون تسجيل دقيق للعاملين الذين ساعدوا في اخماد النيران
ودفن المفاعل النووي المحترق عام
1986.وقال أبيل جونزاليس رئيس قسم سلامة التعامل مع الاشعاع
والنفايات النووية بالوكالة الدولية للطاقة الذرية ان الوكالة عاجزة عن
معرفة عدد محدد للمرضى بعد حادث تشرنوبيل باستثناء " 1800طفل أصيبوا
بسرطان الغدة الدرقية والعاملين الذين تعرضوا لجرعة زائدة من الاشعاع.
لا نعلم الباقين."
وليس هناك حد فقط لمقدرة الخبراء النوويين في فهم الاثر الكامل
لحادث تشرنوبيل ولكن الدراسات والبيانات المتضاربة عن الكارثة أصابت
الملايين الذين تأثرت حياتهم بالكارثة بالارتباك.
وقال جونزاليس "الناس الذين يعيشون في القرى المتأثرة يشعرون
باستياء بالغ لان المعلومات التي يتلقونها من خبير لاخر غير متناغمة.
الناس الذين يعيشون هناك يشعرون بالخوف على أبنائهم."
وعلى مدار الاعوام أشارت تقارير مختلفة الى أن عدد الوفيات الناجمة
عن حادث تشرنوبيل قد يصل الى 15الفا.
ومضى جوزنزاليس يقول انه لهذا السبب أنشأت الوكالة الدولية للطاقة
الذرية منتدى تشرنوبيل ومهمته تقديم "بيانات رسمية شفافة تعبر عن الوضع
الحقيقي في أعقاب الحادث." ويمثل جونزاليس الوكالة في المنتدى.
وسيضم المنتدى اوكرانيا وروسيا وروسيا البيضاء والوكالة الدولية وكل
منظمات الامم المتحدة الاخرى المعنية بحادث تشرنوبيل. وسيقوم المنتدى
بمراجعة كل الدراسات والبيانات الصادرة عن تشرنوبيل واستخراج الجيد
منها واستبعاد السيىء قبل طرح موجز واضح على الجمعية العامة للامم
المتحدة العام المقبل.
وجونزاليس الارجنتيني ليس بغريب عن تشرنوبيل ففي الفترة من عام
1989الى عام 1991رأس فريقا تابعا للوكالة قام بدراسة للاثار الصحية
والبيئية والاشعاعية الناجمة عن الكارثة في قرى وبلدات روسيا وروسيا
البيضاء واوكرانيا الاكثر تأثرا بالتلوث الناجم عن حادث تشرنوبيل.
ودائما ما أعرب عن اقتناعه بأن العديد من حالات الاصابة بسرطان الدم
ستظهر بين 600 الف عملوا خلال ربيع عام 1986 لاخماد النيران المندلعة
في المفاعل المنصهر ودفنه مضيفا "كنت مقتنعا بأن سرطان الدم سيظهر بين
هؤلاء العاملين ولكن حتى الآن لم يظهر ذلك."
وقال جونزاليس ان ذلك ربما يرجع الى أن بعض الاشخاص الذين حصلوا على
بطاقات خاصة توضح انهم ممن عملوا في اخماد الحريق ودفن المفاعل والتي
تمنح حاملها حق ركوب وسائل المواصلات العامة بالمجان ومزايا أخرى ليسوا
ممن عملوا بحق داخل تشرنوبيل ولكنهم حصلوا على هذه البطاقات عن طريق
معارف لهم.
واستطرد "شاهدت ذلك بنفسي. شخص يحمل هذه البطاقة ولم يعمل هناك ابدا.
ان كان هناك تسجيل دقيق فعلى الارجح كنا سنلاحظ اصابة بعض العاملين
بسرطان الدم. ولكن التسجيل سيكون صعبا للغاية."
ولهذا السبب فان معرفة عدد الذين لقوا حتفهم على وجه الدقة بسبب هذه
الكارثة قد لا يعرف بشكل صحيح ابدا.
ومضى جونزاليس يقول "انها قضية يستحيل تسويتها لان هناك نوعين من
الوفيات .. وفيات يمكنك التأكد منها وأخرى يمكن فقط تخيلها."
ونتيجة للمعلومات المضللة وسوء ادارة الكارثة بشكل عام أثناء فترة
الاتحاد السوفيتي السابق يرجع ضحايا الحادث كل أنواع الامراض التي
يعانون منها الى تشرنوبيل رغم انه قد يكون ليس للحادث علاقة بها.
وقال جونزاليس "تأتي امرأة برضيعها المريض بسرطان الدم وتقول ان ذلك
سببه تشرنوبيل. كيف يمكن التوضيح لها بأنه حتى ان لم يقع حادث تشرنوبيل
فان طفلها ربما كان سيصاب بسرطان الدم .. "
ووفقا لمقال نشر عام 1996فان نحو 200الف امرأة أجهضت من جراء
مخاوف لا أساس لها من الصحة بأن أطفالهم سيولدون بعيوب خلقية. ولكن
جونزاليس قال انه لا يريد أن يقلل من شأن خطورة الكارثة.
كيف حدثت الكارثة
كانت خطة فريق العمل تقضي باختبار ما إذا كانت التوربينات تستطيع
إنتاج طاقة تكفي لاستمرار عمل مضخات التبريد في حال وجود نقص في
الطاقة. حتّى يتمّ تشغيل محرّكات الديزل للطوارئ لاختبار المفاعل
النووي، يجب تخفيض ٢٥٪ من قدرته على إنتاج الطاقة. لم تجر هذه العملية
كما كان مخططًا لها، ففي غضون ٣٠ ثانية على بدء الاختبار، حدث تدفّق
غير متوقع للطاقة ممّا أدّى إلى انفجار هائل؛ الأسوأ، أنّ تعطيل
المفاعل النووي في حالة الطوارئ لم ينجح. نُسف غطاء المفاعل النووي
الذي كان يزن حوالي ۱۰۰۰ طن، كما فاقت درجة الحرارة ۲۰۰۰ درجة مئويّة
فأذابت مستوعبات الوقود، ممّا أدّى إلى اشتعال الغرافيت (كربون طري)
لمدّة تسعة أيّام، مُصدرًا ١٨^١٠× ١٢بكيورل من الإشعاعات.
الامن النووي وعدم الاعتبار
يبدو أن العالم لم يحسن قراءة أخطار كارثة تشرنوبيل وتبعاتها
البيئية والبشرية، إذ ما يزال التعطش للحصول على الطاقة النووية
مستمرا. ففي هذا الإطار، تحاول الصين جاهدة زيادة الاعتماد على
المفاعلات النووية كمصدر للطاقة بحكم الزيادة المضطردة في نموها
الاقتصادي. وكذلك تبحث بريطانيا مسألة تجديد محطاتها النووية القديمة
رغم الجدل الواسع في الساحة البريطانية، ناهيك عن الملف النووي
الايراني الذي قد يكون مدعاة لحرب ضروس يروح ضحيتها الكثير من الأرواح.
يذكر أن عوامل خارجية ساهمت أيضا في السعي نحو هذه الطاقة بحكم الأزمات
السياسية التي تعصف بمناطق الإنتاج في الشرق الأوسط والخوف من نقص
إمدادات الطاقة في العالم. وفي المقابل، أخذ دعاة حماية البيئة بدق
ناقوس الخطر من هذا التعطش لإنشاء محطات نووية وتبعات ذلك بيئيا وصحيا
واقتصاديا. وحسب تقاريرهم فإنّ التخلص من النفايات النووية والحد من
إمكانيات التسرب النووي يشكل تحديا كبيرا للمجتمع الدولي. وترى جين
مكسورلي إحدى الناشطات في جماعة السلام الأخضر إن هذا "التفاؤل بشأن
القطاع النووي لا يعدو كونه خداعا للناس". ومهما يكن من أمر، فإنّ
الطاقة النووية سلاح ذو حدين يجب التعاطي معه بحذر وروية. |