قصور السياسات الامريكية وأسباب استعداء غالبية المسلمين

التأكيد على التعاون بين الشباب المسلمين والمسيحيين

 

شبكة النبأ: بعد ثماني سنوات من تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي، دشن أوباما في خطاب التنصيب وفي أول لقاء تلفزيوني مع قناة العربية عهدًا جديدًا من السياسة الأمريكية تجاه العالم الإسلامي.

وفي محاولة لتدشين سياسة أمريكية جديدة تجاه العالم الإسلامي في عهد أوباما عقدت لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ جلسة استماع تحت عنوان " التعامل مع المجتمعات الإسلامية حول العالم"، تحدث فيها عدد من السياسيين والباحثين هم: وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت، ووليام فالون الأدميرال المتقاعد من البحرية الأمريكية، وداليا مجاهد المدير التنفيذي لمركز جالوب للدراسات الإسلامية، وأيضًا إبو باتيل المؤسس والمدير التنفيذي لمؤسسة Interfaith Youth Core ومقرها شيكاغو، وأخيرًا زينو باران كبيرة الباحثين بمركز الإسلام والديمقراطية ومستقبل العالم الإسلامي بمعهد هدسون.

وجاءت الشهادات أمام اللجنة في غالبيتها داعية لسياسات أمريكية جديدة تجاه الدول ذات الأغلبية المسلمة والجاليات المسلمة في الغرب تقوم على الحوار والمشاركة والاستماع وإدماج الجاليات الإسلامية داخل المجتمعات الغربية وإسقاط السياسات التي توجد مناخًا عدائًّيا وتخلط بين الإسلام والإرهاب. وداعية أيضًا إلى دعم الإصلاح والديمقراطية وتحسين الأوضاع الاقتصادية في الدول ذات الأغلبية المسلمة.

الإسلام والغرب.. صراع ديني أم سياسي؟

في بداية الجلسة أكدت مادلين أولبرايت أن الجاليات والتجمعات الإسلامية متعددة ومختلفة ويجب أخذ هذه الحقيقية في الاعتبار عند وضع سياسات للتعامل معها. وأشارت إلى غياب آلية حوار حقيقية بين المسلمين والغرب، فكل طرف يتحدث وحده دون الاستماع للطرف الآخر مما يخلق مناخًا يُتهم فيه المنادون بالبحث عن أوساط الحلول بالخيانة. بحسب موقع تقرير واشنطن.

وتضيف أولبرايت أن الاهتمام الغربي بالمجتمعات الإسلامية من الجاليات الإسلامية في الغرب أو الدول ذات الغالبية المسلمة قد تصاعدت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر من عام 2001 وأكدت أنه على الولايات المتحدة أن تُخرج قضايا الشراكة مع المسلمين من سياق الحرب على الإرهاب. وأكدت أن الإعلام الغربي لا يخلو من الإشارات والاتهامات للمسلمين واستخدام مصطلح "الإرهاب الإسلامي" مما يزيد الأوضاع توترًا. وقالت: إنه حينما قام إرهابي مسيحي بتفجيرات أوكلاهوما لم يطلق أحدٌ على هذا العمل إرهابًا مسيحيًّا وأكدت أن هذا ينبغي أن ينطبق على الإسلام أيضًا وقالت:" إنه حينما يقوم المسلمون بأعمال إرهابية فإنهم بهذا الفعل لا يمارسون عقيدتهم ، بل إنهم يقومون بخيانتها".

وأكدت داليا مجاهد في شهادتها أمام اللجنة أن الخلافات بين الغرب والمسلمين هي خلافات سياسية في أصلها وليست قائمة على اختلافات فكرية أو عقائدية، وأكدت أنه على العكس من الصور التي تظهرها وسائل الإعلام فإن ما بين المسلمين والأمريكيين كثيرٌ من الاهتمامات والأفكار المشتركة مثل إعجابهم بالقيم الديمقراطية وتدينهم وتقديرهم للعائلة ورفض قاطع للعنف والإرهاب.

وقالت مجاهد: إن استطلاعات الرأي التي قامت بها من خلال عملها في مركز جالوب أظهرت أنه بالرغم من تأييد قطاعات كبيرة من المسلمين للشريعة الإسلامية، فإنهم وبالدرجة ذاتها يؤيدون قيم الديمقراطية والمساواة بما تشمله من حقوق المرأة وحرية الرأي والتعبير. وأكدت أيضًا أن الاستطلاعات كشفت عن أن من يؤيد الأعمال الإرهابية من المسلمين ضد المدنيين الأمريكيين قد أرجعوا تأييدهم هذا لاعتبارات سياسية وأيديولوجية، بينما أرجع الرافضون للعنف ضد المدنيين رفضهم هذا لاعتبارات دينية وأخلاقية. كما أكدت أنه عند سؤال المسلمين عما يخيفهم جاءت الإجابة بالخوف من الوقوع ضحية لأحداث إرهابية.

وفي شهادتها حددت مجاهد ثلاثة أسباب رئيسة للصورة السلبية للولايات المتحدة لدى المسلمين أولها: الصراعات في منطقة الشرق الأوسط والتي تأتى على رأسها الحرب على العراق وأيضًا أفغانستان والصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي بالإضافة إلى الممارسات الأمريكية في سجن (أبو غريب) ومعتقل جوانتانامو. أما العامل الثاني: فهو يرجع إلى إحساس المسلمين بالهيمنة والسيطرة الأمريكية على بلادهم واستخدام الولايات المتحدة معايير مزدوجة في تعاملها معهم فهي (أي الولايات المتحدة) لا تلتزم بمبادئها الخاصة بالحرية والديمقراطية والمساواة في تعاملاتها مع المسلمين كما يعتقد غالبية المسلمين أن الولايات المتحدة ليست جادة في دعوتها للإصلاح والديمقراطية في بلادهم. وثالثًا: هناك شعور بين المسلمين بعدم احترام الغرب لهم؛ حيث يعتقد كثيرون أن الولايات المتحدة تحرم المسلمين من الحقوق والحريات وحق تقرير المصير وحقوق الإنسان من خلال دعمها للنظم السلطوية في بلادهم والاحتلال المباشر لبعض الدول في منطقة الشرق الأوسط بما يتضمنه ذلك من انتهاكات لحقوق الإنسان ودعم مستمر للعنف الإسرائيلي. نتيجة تلك الممارسات من قبل الولايات المتحدة يذهب المسلمون، من وجهة نظرها، إلى الاعتقاد بعداء الولايات المتحدة للمسلمين والنظر إليهم نظرة دونية، يعزز من هذا الاعتقاد قيام بعض المسئولين باستخدام خطاب معادٍ للإسلام وانتهاك قدسية الرموز الدينية الإسلامية.

ومن جانبها قالت زينو باران: إن التحدي الرئيسَ أمام الولايات المتحدة يكمن في إشكالية "نحن" و"هم" فبينما يدرك صناع القرار في واشنطن، من وجهة نظرها، أن الحرب على الإرهاب لا تعني أي عداء للمسلمين، فإن غالبية المسلمين لا يفهمون ذلك ويعتقدون أنهم مصنفون من قبل الولايات المتحدة ضمن الفئات الإرهابية المتطرفة، وبالتالي ينبغي على الولايات المتحدة أن تحدد صراحة المعنيين بمصطلحات "نحن" و"هم" حتى لا تستمر، في رأيها، عملية تهميش المسلمين وتقوية الإسلاميين.

توصيات بالحوار ودعم الديمقراطية وحل الصراعات

الحوار مع المسلمين كان من أهم ما أوصى به المتحدثون؛ فقد أوصى وليام فالون بالتحاور مع المسلمين والاستماع إلى وجهات نظرهم كما دعت أولبرايت إلى التركيز على العمل الدبلوماسي وفتح قنوات الحوار مع أي طرف يمكن أن يسهم الحوار معه في تحقيق المصالح الأمريكية.

وتحدثت أولبرايت عن باكستان ودعت إلى ضرورة إصلاح العلاقات بين الولايات المتحدة وباكستان. وقالت: إن التحدي الرئيس أمام باكستان يكمن في الحكم والإدارة؛ فمع غياب المؤسسات الرسمية للدولة وفشلها في تقديم الخدمات التعليمية والصحية وتوفير الأمان لمواطنيها تتهيأ الأجواء للتطرف. وأكدت أنه على الولايات المتحدة أن تفرق ما بين ما يمكن اعتباره يشكل خطرًا وما هو مختلف فحسب، حيث يوجد في باكستان أناس يعيشون بصورة مختلفة، غير أن أفقهم السياسي داخلي ومحلي لا يشكل أي خطر على المصالح الأمريكية ولكن عندما يتعرضون لفقدان أقرانهم بالقنابل الأمريكية فإنهم يتحولون لإرهابيين؛ ولذا فإن على الولايات المتحدة من وجهة نظرها أن تعدل من سياساتها لأنها لن تتمكن من تحقيق أي نصر في حربها على الإرهاب إذا ما أدت سياساتها بخلق مزيد من الإرهابيين. وقد شاركها في الرأي فالون والذي رأى أن المصالح الأمريكية تستدعي تحسين العلاقات مع الدول الإسلامية وعلى رأسها باكستان وإندونيسيا.

وأوصى غالبية المتحدثين بضرورة قيام الولايات المتحدة بدعم عمليات الإصلاح السياسي والاقتصادي والتحول الديمقراطي في الدول العربية والإسلامية. فقد أكدت مجاهد أنه بالرغم من السياسات الكارثية التي انتهجتها الولايات المتحدة في السنوات الماضية والتي جعلت كثيرين ينظرون إلى دعم الديمقراطية بحذرٍ شديدٍ، إلا أن المصالح الأمريكية تقتضي العمل على دعم العملية الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط على ألا ينحصر ذلك في دعم أفراد بعينهم وعلى الولايات المتحدة أيضًا من وجهة نظرها أن تقبل نتائج صناديق الاقتراع. كما أوصت بدعم هذه الدول اقتصاديًّا بما يحقق النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل لبناء طبقة متوسطة ومجتمع مدني نشط ليكونا أساسًا لتحول ديمقراطي حقيقي.

وجاءت توصيات زينو باران بدعم الديمقراطية، مختلفة عن توصيات مجاهد. فأكدت باران على ضرورة العمل على نشر الديمقراطية والتي فشلت الجهود الأمريكية على مر ستة عقود، تأرجحت بها السياسات الأمريكية ما بين دعم الديمقراطية والسكوت عنها، من تغيير المشهد السياسي في كثير من الدول والتي يغلب عليها ثنائية نظم حكم سلطوية وقوى معارضة متطرفة. وقد دعت صراحة إلى ضرورة قيام الولايات المتحدة بدعم القوى السياسية الليبرالية والديمقراطية داخل تلك دول باعتبارها القوى الوحيدة، التي رغم ضعفها الحالي، تعد الوحيدة القادرة على إحداث تغيير وتحول ليبرالي وديمقراطي حقيقي.

كما انتقدت رأى بعض الباحثين والسياسيين الداعين إلى إدماج الإسلاميين داخل النظم السياسية معللاً ذلك بأن القوى والأحزاب السياسية غالباً ما تقوم بتقديم بعض التنازلات السطحية مع استمرار تمسكها بأفكار ورؤى وأيديولوجيات جامدة غير قابلة للنقاش. وأعطت مثالاً على ذلك جماعة الإخوان المسلمين منتقدة من يعتبرونها قوى إسلامية معتدلة لأنهم بذلك، في رأيه، يتجاهلون الأيديولوجية التي تقوم عليها الجماعة وتاريخها واستراتيجيتها. فبالرغم من عدم قيام الجماعة بالدعوة بصورة مباشرة لأي أعمال إرهابية غير أن ذلك من، وجهة نظرها، غير كافٍ لاعتبارها جماعة معتدلة.

وأكدت أنه ينبغي على الولايات المتحدة أن تدعم مبادئها الحقيقية وأن تعمل على نشر الديمقراطية الليبرالية وليس، ما أطلق عليه، الإسلام المعتدل. ونفت وجود أي نوع من الخصوصية للمجتمعات العربية والإسلامية التي يدعيها بعض الحكام وذلك، في رأى باران، بهدف الحفاظ على سلطاتهم وحكمهم. وأكدت أنه مع اختلاف المسميات في المناطق المختلفة من العالم فإن مطلب الحرية والديمقراطية الليبرالية يعد مطلبًا عالميًّا. وقد أوصت أولبرايت أيضاً بأنه على الولايات المتحدة أن تدعم بصورة واضحة وصريحة عمليات الإصلاح والتحول الديمقراطي وأعلنت رفضها مشاركة ما أطلقت عليهم الجماعات الإسلامية المسلحة مثل حماس المشاركة في العملية السياسية.

وفي معرض حديثها أوصت باران بضرورة سعي الولايات المتحدة لتحسين أوضاع المرأة في المجتمعات العربية والإسلامية معتبرة كلاًّ من القوى الإسلامية والنظم الحاكمة العلمانية سواءً في فرض قيود على المرأة في تلك المجتمعات. ودعت إلى دعم تعليم المرأة وتجريم كافة ممارسات العنف والاعتداء ضد المرأة.

و قد أوصى كل من فالون ومجاهد بضرورة العمل على حل الصراعات في المنطقة وانسحاب الولايات المتحدة الأمريكية بصورة مسئولة ومنظمة من العراق وأفغانستان وكذلك عدم التصعيد مع إيران وسوريا وكذلك دعم عملية السلام وتحويل الخطب والأحاديث إلى أفعال وتحقيق نتائج حقيقية وملموسة على أرض الواقع. ودعا كل منهما إلى توفير الاحترام للإسلام والمسلمين من خلال معاملة المسلمين بعدل وإنصاف في القضايا التي تخصهم والامتناع عن انتهاك رموزهم الدينية المقدسة وكذلك تقليل الإجراءات الروتينية داخل السفارات لمنح تأشيرات دخول للولايات المتحدة لمن يرغبون في زيارتها بغرض حضور المؤتمرات والمقابلات وبرامج التبادل الثقافي مع استخدام لغة تعكس إدراكًا أن الضحايا الرئيسيين من جراء العمليات الإرهابية هم المسلمون في الخارج ولذلك فإن المسلمين والغرب هم حلفاء ضد خطر واحد.

توصيات بالتركيز على التعاون بين الشباب المسلمين والمسيحيين

من منظور مختلف ركز إبو باتيل في شهادته على الشباب حيث وجد أن غالبية من يتم تجنيدهم في المنظمات المتطرفة للقيام بأعمال إرهابية هم من الشباب. فهؤلاء الشباب يتعرضون لعدد من العوامل التي تجعلهم ضحايا لهذا الفكر المتطرف أهمها في رأيه تأثيرات العولمة والتغييرات الاقتصادية والاجتماعية التي تخلق شعورًا بعدم الأمان مثل صعوبة إيجاد فرص عمل مناسبة هذا الإحياء الديني في كافة أرجاء العالم. تلك العوامل مجتمعة تساعد الجماعات الإرهابية في تجنيد الشباب مستغلة الهويات الدينية والتي تمثل جانبًا كبيرًا من هوية الأشخاص لترويج العنف وعدم التسامح. ولذلك فقد جاءت غالبية توصياته بالتركيز على الشباب وخلق مزيد من التعاون بين الشباب المسلم والمسيحي لخلق أجواء من السلام والتعاون. ورأى أنه لا ينبغي أن تقتصر جهود الحوار بين الأديان والتعاون بين الأشخاص ذوى المعتقدات المختلفة على المؤتمرات التي تضم الأكاديميين ورجال الدين بينما من ينفذ الأعمال الإرهابية هم من الشباب، وبالتالي ينبغي في رأيه أن تركز الولايات المتحدة جهودها في دعم التعاون بين الشباب المتدين من المسلمين والمسيحيين ودعم المنظمات التي تسعى للقيام بهذا الدور.

جاءت إذن توصيات المتحدثين موضحة لجوانب القصور في السياسات الأمريكية والتي أدت إلى استعداء غالبية الشعوب العربية والمسلمة وموصية باتخاذ خطوات جادة لتحسين العلاقات مع المسلمين في جميع أنحاء العالم من خلال الاحترام وتقديم مساعدات حقيقية لهم من خلال دعم إصلاح سياسي واقتصادي حقيقي في الدول العربية والإسلامية والعمل على حل الصراعات في المنطقة وعلى رأسها العراق وأفغانستان والصراع العربي ـ الإسرائيلي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 12/آذار/2009 - 14/ربيع الاول/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م