شبكة النبأ: استقبلَ العرب السنّة في
مدينة سامراء شمال العاصمة أكثر من مليون زائر شيعي تدفقوا على المدينة
للمشاركة في إحياء ذكرى استشهاد الامام الحسن العسكري (ع)، في مؤشر
جديد على حماسة العراقيين الساعين لوضع النزاعات الداخلية خلفهم وتأسيس
مرحلة جديدة في تاريخ العراق.
هذا ما جاء في تقرير لمراسل جريدة لوس أنجلوس تايمز الأميركية من
سامراء حيث تجمع أمس الجمعة أعداد غفيرة من العراقيين الشيعة تلبية
لدعوة رجل الدين مقتدى الصدر لإحياء مراسم ذكرى وفاة الإمام الحسن
العسكري، التي جرت وسط إجراءات أمنية مشددة.
ولفت المراسل إلى أن الهدوء كان الحاضر الأكبر في هذه المدينة التي
شهدت قبل ثلاث سنوات تفجير المسجد الذهبي أو ما يطلق عليه الشيعة أسم "الروضة
العسكرية" في إشارة إلى ضريحي الإمامين الحسن العسكري وابنه الهادي
اللذين ينحدران من سلالة الرسول الكريم محمد (ص).
وقام الزوار بجولة على المسجد الذي وصلت عملية إعادة بنائه إلى
مراحلها الأخيرة، بعدها أدى أكثر من خمسة آلاف عراقي شيعي وسني صلاة
الجمعة معا في مسجد سامراء الكبير، وخرجوا بعدها في مسيرة واحدة يطلقون
شعارات تعبر عن الوحدة الوطنية بين جميع أطياف ومكونات الشعب العراقي.
وقد نقل مراسل الصحيفة الأميركية عن بعض الزوار الشيعة سعادتهم
بهذا الاستقبال والهدوء الذي رافق مراسم إحياء الذكرى المقدسة لديهم
دون أي حادث يذكر، فيما اعتبر البعض أن الإجراءات الأمنية المشددة
منعتهم من التجوال في المدينة التي أقامت لهم خياما لاستقبالهم وتقديم
الضيافة المناسبة لهم.
وتزامن هذا الحدث -الذي يعتبر بحسب مراسل لوس أنجلوس تايمز أمرا
يحمل الكثير من الدلالات الإيجابية- مع دعوات رئيس الوزراء العراقي
نوري المالكي الذي كان يتحدث في بغداد عن استعداد الحكومة لفتح صفحة
جديدة مع أنصار الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.
وجاء ذلك في خطاب متلفز ألقاه المالكي في اجتماع عشائري الجمعة دعا
فيه العراقيين لطي صفحة الماضي والتطلع إلى المستقبل.
وعلى الرغم من تراجع معدلات العنف في العراق قياسا بالسنوات الماضية،
فلا تزال عمليات الاغتيال والتفجيرات تقع في أماكن متفرقة وفي أوقات
مختلفة، بانتظار أن يتمكن العراقيون شيعة وسنة عربا وكردا من الاتفاق
على طريقة لتقاسم السلطة، مع العلم أن أي توتر بين هذه المكونات
الرئيسية ستقوض الجهود المبذولة لتحقيق الأمن والاستقرار الدائم في
العراق.
ترحيب أهالي سامراء بالزوار إشارة كبيرة عن
التصالح بين العراقيين
ورأت صحيفة لوس انجلس تايمز Los Angeles Times في تقرير لها أن
ترحيب عرب سنّة بما يزيد عن مليون شيعي زاروا مدينة سامراء أمس (الجمعة)
لإحياء وفاة أحد الأئمة، يعدّ أحدث إشارة على المصالحة بين العراقيين
المتلهفين لرمي الحرب الأهلية وراء ظهورهم.
وقالت الصحيفة إن زوارا “جاءوا من مختلف مناطق العراق بعد دعوة
وجهها رجل الدين مقتدى الصدر لإحياء اليوم المقدس بسامراء”، مشيرة إلى
أن الأجواء الأمنية “كانت محكمة ولم ترد تقارير عن حدوث هجمات”.
وذكرت الصحيفة أن الأمن “كان استثنائيا في مدينة فجر فيها مسلحون
سنة قبل ثلاث سنوات مضت مرقد الإمامين العسكريين وأشعلوا بذلك شرارة
حرب أهلية خلفت عشرات الآلاف من القتلى”. ولاحظت الصحيفة أن مساجد سنية
“استضافت زوارا شيعة للصلاة استذكارا لمقتل الإمام الحسن العسكري في
العام 847″.
ونقلت الصحيفة عن قائمقام سامراء، محمود خلف، قوله إن هذه الزيارة
“قد تجاوزت كل التوقعات”، مبينا أن “قدوم ما يزيد عن مليون زائر إلى
مدينة غالبيتها من السنة أمر يخدم وحدة العراق”.
وذكرت الصحيفة أن الزوار الشيعة “أمّوا مرقد حفيدي النبي محمد،
العسكريين، الذي تعرض للهجوم في أواخر شباط فبراير من العام 2006 على
يد عناصر من تنظيم القاعدة في العراق”، وبينت أن المرقد الآن “في مراحل
الإعمار الأخيرة”.
وأقام حوالي 5000 شخص من السنة والشيعة صلاة مشتركة أمس الجمعة، كما
تقول الصحيفة، في مسجد سامراء الكبير و”ترنموا بشعارات تندد بالعنف
الطائفي، وكانوا يقولون بصوت واحد سنة وشيعة إخوة، هذا الوطن لا نبيعه”،
بحسب الصحيفة.
وأشارت الصحيفة إلى أن الحكومة “نشرت قوات من الشرطة حول المدينة،
بغية منع حدوث أية هجمات واثبات أن البلد قد طوى صفحة العنف الطائفي”.
وعلقت بالقول إنه على الرغم من الانخفاض الكبير في معدلات العنف،
“إلا أن الاغتيالات والتفجيرات الانتحارية ما تزال تحدث على أساس منتظم”.
وتابعت “إذ أن سنة العراق وشيعته، والأكراد لم يتفقوا بعد على التشارك
في السلطة، وما زالت التوترات في ما بينهم تعرقل الجهود المبذولة
للتوصل إلى استقرار دائم”.
ففي الشهر الماضي وخلال مناسبة شيعية، كما تذكر الصحيفة، “أودى
تفجير انتحاري بحياة 30 من الزوار على الأقل وهم في طريقهم إلى مدينة
كربلاء المقدسة”.
وقال عدد من الزوار للصحيفة إن الحشود “فاقت أعداد قوات الأمن
وعجبوا من عدم حدوث هجمات”. في حين قال آخرون إن “الإجراءات الأمنية
حالت دون السماح لهم بالتجوال في سامراء، حيث أنهم سمعوا أن أهالي
سامراء قد أقاموا لهم خيام استقبال ليرتاحوا فيها”.
ونقلت الصحيفة عن أحد الزوار الذي قدم من كربلاء، نبيل الحيدري، 34
عاما، قوله “أنا سعيد جدا بهذه الزيارة، لقد وجدت أمنا مطلقا”.
إلا أن الحيدري “لام قوات الأمن على حصرها الزوار داخل منطقة على
مقربة من المرقدين كي لا يختلطون بالسكان”، واصفا هذا الإجراء بـ”كأنه
هروب من سجن”، حيث كان يخطط لزيارة مواقع أخرى مشهورة في سامراء مثل
الملوية، بحسب ما قال للصحيفة.
الزيارة مؤشر على تجاوز الانقسام في الشارع
العراقي
وفي نفس السياق وصفت صحيفة طهران تايمز، زيارة الإمامين علي الهادي
والحسن العسكري (عليهما السلام) في سامراء بأنها تعبر عن تجاوز مرحلة
الطائفية في العراق.
ونقلت صحيفة طهران تايمز عن رئيس مجلس محافظ سامراء محمود خلف
تأكيده أن “الزيارة هذا العام تجاوزت كل التقديرات المتوقعة، بعد أن
وصل عدد الزائرين الى نحو مليون في المدينة”.
ونقلت الصحيفة عن خلف قوله إن مراسيم زيارة سامراء بذكرى وفاة
الامام العسكري (ع) “عززت الوحدة بين العراقيين”.
وكان السيد مقتدى الصدر دعا أتباعه لتنظيم زيارة مليونية إلى مدينة
سامراء أحياء لهذه الذكرى وإقامة صلاة موحدة في جميع المساجد القريبة
من الصحن العسكري.
وذكرت الصحيفة أن “المرقد الذي وصل الى مراحله النهائية في إعادة
الاعمار، شهد صلاة موحدة لنحو 5000 عراقي من كلا الطائفتين (الشيعية
والسنية)، وهتفوا بشعارات تندد بالعنف والتفرقة الطائفية، مرددين بصوت
واحد : اخوان سنة وشيعة، هذا الوطن مانبيعه”.
وأوضحت الصحيفة أن “هذه المشاهد كانت غائبة طيلة السنين الماضية
لسوء الأوضاع الأمنية. والآن وبعد دحر العصابات الاجرامية رحب أهالي
سامراء من الطائفة السنية باكثر من مليون زائر شيعي خلال زيارتهم
لضريحي سامراء يوم الجمعة الماضية، لاحياء ذكرى وفاة الامام العسكري”.
والإمام الحسن العسكري هو الإمام الحادي عشر لدى المسلمين الشيعة،
ولد في المدينة المنورة عام 232 هجرية، وانتقل مع أبيه علي الهادي إلى
سامراء بعد أن استدعاه المتوكل العباسي إليها. وعاش مع أبيه في سامراء
20 سنة قبل أن يتوفى عام 260 هجرية، وتعرض لأكثر من مرة إلى السجن
ومحاولات القتل من قبل السلطة العباسية، ويقال إنه مات مسموما على يد
المعتمد العباسي.
ويقع مرقدا الإمامين علي الهادي والحسن العسكري في مدينة سامراء،
كبرى مدن محافظة صلاح الدين (100 كلم شمال العاصمة بغداد)، وهو واحد من
أربعة مراقد شيعية رئيسة في العراق، وشيد لأول مرة خلال القرنين العاشر
والحادي عشر.
وعلقت الصحيفة على الزيارة قائلة انها “قد تضع بوادر المصالحة بين
العراقيين الخط الفاصل عن الحرب الاهلية لتكون جزءا من احداث التاريخ”.
وخلال تأدية مراسيم الزيارة تجمع الزائرين من كافة مناطق العراق
“وسط الإجراءات الأمنية المشددة، ولم يعلن عن حصول أي من حوادث العنف،
ويعتبر الهدوء الامني في تلك المدينة نجاحا عسكريا كون تلك المنطقة
كانت مسرحا للعنف الذي بلغ ذروته بعد تعرض ضريح سامراء الى تفجير
إرهابي قبل نحو ثلاثة اعوام”، بحسب الصحيفة.
وتعرضت القبة الذهبية للمرقد، وارتفاعها (68 مترا)، إلى تفجير تسبب
في تدميرها في شباط فبراير من العام 2006، ما أدى إلى موجة من العنف
الطائفي عمت محافظات العراق الوسطى والعاصمة بغداد. ثم استهدف المرقد
إنفجار آخر في حزيران يونيو 2007 دمر ما تبقى من المئذنتين الذهبيتين.
وذكرت الصحيفة أن “احد الجوامع التابع الى الطائفة السنية استضاف
المصلين من الزوار الشيعة وقدموا لهم الخدمات”. |