صناعة المجتمع الناجح بين التمنّي والعمل الواقعي

رؤى بنّاءة من أفكار الامام الشيرازي (قده)

علي حسين عبيد

 

- الامام الشيرازي.. الذي يعيش في مجتمع مفكك يشبه مجتمع السمك والبحار حيث الكبير يأكل الصغير والقوي يستولي على الضعيف فأنه بحاجة ماسّة إلى نهضة اجتماعية إصلاحية

- من الأخطاء الفادحة تبني الفرد للأماني الفارغة

 

شبكة النبأ: متى تبدأ بوادر التغيير لدى الانسان كفرد ولدى المجتمع كتجمع بشري؟. سؤال طالما يطرحه المختصون والمفكرون عن العوامل التي تدفع الانسان نحو التغيير، فلابد أن يكون الواقع بائس او لا ينطوي على عناصر العيش المقبول لكي تبزغ بوادر الدعوة والعمل على التغيير نحو الأفضل، ولكن هل يحدث مثل هذا التغيير بلا جهد فكري عملي متواصل؟.

إن الانسان كما هو معروف عنه يستسيغ وضعه الراهن إلاّ أذا كان يفتقد الى ما يرغب به او ينغّص عليه واقعه وحياته، وقد كتب الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي رحمه الله في كتابه - لنبدأ من جديد- حول هذا الموضوع:

(من المعروف والملاحَظ لدى الجميع أن الإنسان ـ عادة ـ لا يطلب ولا يحاول ولا يعمل على تغيير ما هو عليه أو ما هو فيه من الظروف الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية أو الكل معاً إلاّ إذا أحسّ أو تيقن بأن ما هو عليه بائس أو غير نافع أو بحاجة إلى تغيير أو تبديل أو ترميم..)

إذن فبادرة التغيير الاولى لدى الانسان تتأتى من بؤس الواقع المُعاش، وهو أمر منطقي أن يسعى الانسان لتغيير حياته فيما لو كانت مليئة بالنواقص والتجاوزات حيث القوي يسلب حق الضعيف والغني يتجاوز على حق الفقير.

في هذا المجال يقول الامام الشيرازي رحمه الله: إن الانسان (الذي يعيش في مجتمع مفكك يشبه مجتمع السمك والبحار، حيث الكبير يأكل الصغير والقوي يستولي على الضعيف والحق كل الحق لأصحاب النفوذ وأبناء الذوات .. هذا -المجتمع-  بحاجة إلى نهضة اجتماعية إصلاحية..).

ولكن كيف تتحقق هذه النهضة وكيف يتخلص الفقير والضعيف معا من مجتمع الحيتان او الاسماك الكبيرة التي لاتترك لغيرها شيئا؟ أو بصياغة اخرى للسؤال، كيف نصنع مجتمعا ناجحا؟ وهل يتم ذلك من خلال (الامنيات الفارغة)؟ بمعنى هل يمكن لاسلوب التمني ان يحقق أهداف الانسان في التغيير، لقد ورد في القرآن الكريم حول هذا الموضوع (إن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)-1-.

وكلنا نعتقد بأن منطق الامور كافة يستدعي بذل الجهود من اجل الوصول الى هدف ما، وطالما يتعلق الامر بالتغيير، فإن الانسان كفرد والمجتمع بشكل عامة ينزعان الى التغيير نحو الأفضل، إذ من المحال ان يبذل الانسان او المجتمع جهدا من اجل هدم البناء الناجح اوالمكتسبات الجيدة او تغييرها.

إذن نتفق مع ما يتطلبه المنطق من ان الحصول على الافضل يتطلب بذل الجهد الفعلي العملي وليس الجهد المتأتي من حالة التمني الفارغة. وفي هذا الصدد يقول السيد الشيرازي رحمه الله: (من الأخطاء: الأماني الفارغة ـ حتى في أصغر الأشياء ـ ، إن ثمن بيضة حمام فِلسان ـ مثلاً ـ ولكنك إذا تمنيت البيضة بدون أن تبذل الفلسين أو أن تطلبها ممّن يعطيك إياها مجاناً، كنت على غير صواب، أليس هكذا؟.

وقد ورد في الحديث: إن الأماني بضائع النوكي  والنوكي: جمع أنوك، بمعنى الأحمق.

فإذا كانت الأماني بضاعة الأحمق حتى في ما ثمنه فلسان، فماذا ترى في ما ثمنه ألف بليون دينار؟.

وإذا كانت الأمنية الحصول على ما ثمنه فلسان بدون سلوك الطريق الموصل حمقاً –مرة-، فأمنية الحصول على ما ثمنه ألف بليون دينار بدون سلوك الطريق الموصل، حمق - ملايين المرات-).

إذن ثمة جهد فكري وعضلي فردي وجمعي في آن، يجب أن يتحقق من أجل إحداث عملية التغير نحو الافضل والوصول الى مجتمع اسلامي ناجح، واذا اقتصر الامر على الامنيات الفارغة فإننا (او غيرنا) سنبقى نراوح في المربع الاول مدى الحياة.

من هنا تتبين لنا كم هي كبيرة مهمة المصلحين والمفكرين والمثقفين عامة، حيث يذكر لنا التأريخ عبر تجارب الامم الماضية، أن هؤلاء هم القوة الحقيقية التي يستند اليها التغيير الاجتماعي الذي سيقود بدوره الى تغييرات ناجحة في عموم مجالات الحياة، كما اننا يجب أن نعي بأن الجهد العملي او العضلي ينبغي أن يكون مرادفا لجهد النخبة المفكرة، فالفكر وحده لا ينجح في مهمته، تماما كمن يريد أن يرى جميع الاشياء بعين واحدة!!.

.............................................

المصادر/

1- آية  11  سورة  الرعد.

2- راجع نهج البلاغة: الكتاب 31 الفقرة94 وفيه:(إياك والاتكال على المنى فإنها بضائع النوكي).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 8/آذار/2009 - 10/ربيع الاول/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م