الحرب والعزلة تقي الاقتصاد الافغاني آثار ازمة المال العالمية

تدفق المساعدات يجعل من العملة اكثر تماسكاً!!

اعداد: محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: نأى الاقتصاد الافغاني كما يرى العديد من الخبراء الاقتصاديين عن ازمة المال العالمية التي لم تستطع التأثير على مسار التعاملات النقدية في اسواق كابل. فبعد أن دمرتها حروب مستمرة منذ قرابة ثلاثة عقود ربما تكون عزلة افغانستان عن التجارة العالمية وصناعة المال العالمية في صالحها حيث حمت البلاد من الازمة الاقتصادية والمالية في الخارج.

ونجت عملة افغانستان بالكاد من الانخفاض فيما مازالت أسعار العقارات في العاصمة والمدن الكبرى الاخرى ترتفع بانتظام على الرغم من مئات التفجيرات الانتحارية التي نفذتها حركة طالبان والتمرد المنتشر من الجنوب الى الشرق حسب المراقبين.

العزلة تقي  شرور الازمة المالية

يقول امين جان خوستي رئيس السوق "(الكساد) لم يؤثر على افغانستان لاننا ليست لنا تعاملات مع اسيا أو أوروبا أو أي مكان آخر."

وفي حين ترتفع أسعار العملات الاخرى وتنخفض ظل الافغاني ثابتا عند نحو 52 مقابل الدولار وهو نفس السعر الذي كان عليه حين بدأت اثار أزمة القروض تظهر.

ويقول خبراء اقتصاديون ان هذا يرجع جزئيا الى دعم الولايات المتحدة لتدخل البنك المركزي الافغاني والذي حافظ على استقرار العملة وحما اقتصاد البلاد من الاضطرابات المالية العالمية.

وتكمن أكبر مخاطر تواجهها أفغانستان في أن الحكومات الاجنبية التي تضخ ملايين الدولارات في صورة مساعدات سنوية قد تحتاج الى خفضها حيث تمول خططا للتحفيز بمليارات الدولارات في اقتصاداتها في أعقاب الازمة الاقتصادية. بحسب رويترز.

غير أن خبراء يقولون ان افغانستان ليس لديها الكثير لتقلق عليه حيث ان أهميتها بالنسبة للغرب ربما تكون أكبر من أي وقت مضى مع انتقال التركيز على "الحرب ضد الارهاب" من العراق الى أراضيها مما يجعل خفض المساعدات غير مرجح خاصة وأن هذه التخفيضات قد تضعف الاقتصاد الافغاني وتقوي طالبان.

ويقول سيد مسعود استاذ الاقتصاد بجامعة كابول "الولايات المتحدة منخرطة بعمق هنا سياسيا وعسكريا واقتصاديا. وهناك مشاكل أمنية متنامية وانعدام للاستقرار السياسي الى حد ما وبالتالي فان أمريكا لا تريد أن يكون لديها ولا أن ترى مصدر ازعاج اخر وهي حريصة على الحفاظ على استقرار الاقتصاد.

وكان رئيس الولايات المتحدة باراك أوباما قد وصف افغانستان بأنها على رأس أولوياته للسياسة الخارجية وتعهد بالتركيز على مشاريع التنمية فضلا عن توسعة الوجود العسكري لحلف شمال الاطلسي حيث ازداد عنف المسلحين وبلغ أقصى درجاته منذ أطاحت القوات التي قادتها الولايات المتحدة بطالبان عام 2001.

وخطط زعيم تنظيم القاعدة اسامة بن لادن لهجمات 11 سبتمبر ايلول 2001 في افغانستان ويعتقد أنه هو وكبار قادة التنظيم مختبئون في مكان ما على امتداد الحدود بين افغانستان وباكستان.

وفي حين يعيش معظم الافغان في فقر مدقع بالقليل مع قلة المياه الجارية وشبكات الصرف الصحي المناسبة يبدو واضحا من خلال القصور المبهرجة التي تظهر في الاجزاء الاكثر ثراء من العاصمة أن بعض الناس بدأوا يثرون.

وقال مسعود من جامعة كابول "في افغانستان كثير من الناس لا يعلمون الكثير عن الازمة الاقتصادية العالمية المرتبطة بالاسكان."

وأضاف "ليس هناك الكثير من البنية التحتية أو الامن الجيد وبالتالي هؤلاء الذين يملكون المال ويعيشون هنا يستثمرون في العقارات."

وساعد هذا الاتجاه الى جانب التدفق المستمر للاجئين العائدين من الخارج والاشخاص الذين يفرون من القتال في الريف على رفع أسعار العقارات في كابول الى مستويات قياسية. ولان عمليات الشراء تتم نقدا لم يتأثر السوق بأي قيود فرضت على القروض.

ويرى محللون أن التنمية خلقت فجوة كبيرة بين الاغلبية الفقيرة والاقلية الغنية مما قد يؤدي الى اضطراب اجتماعي اذا لم يتم التعامل معها بحذر.

وذكر وكلاء عقاريون أن سعر المسكن الصغير في وسط كابول يبلغ الان 35 الف دولار في المتوسط وهو ما يزيد عن السعر منذ 12 شهرا بنسبة 25 في المئة. وأضافوا أن تكلفة مكان بنفس الحجم في حي تجاري بالمدينة تتجاوز مئة ألف دولار.

وظل الاقتصاد الافغاني متماسكا بسبب تدفق مليارات الدولارات من المساعدات فضلا عن الانفاق والوظائف التي توفرها القوات الاجنبية المنتشرة في افغانستان وقوامها 69500 جندي الى جانب تجارة المخدرات غير المشروعة وتقدر قيمتها بنحو ثلاثة مليارات دولار سنويا.

وقالت مريم شيرمان مسؤولة البنك الدولي في افغانستان "من غير المرجح أن يكون للازمة المالية العالمية اثار سلبية كبيرة على افغانستان."

وأضافت "يرجع هذا في الاساس الى أن القطاع المالي الرسمي لافغانستان صغير ولا يلعب دورا كبيرا في تمويل النشاط الاقتصادي وانفتاحه على العالم محدود جدا."

وأنفقت الدول المانحة اكثر من 15 مليار دولار في أفغانستان منذ الاطاحة بطالبان حسبما أشارت الحكومة الافغانية التي تعتمد على المساعدات في 90 في المئة من ميزانيتها. لكن مع نمو طوابير العاطلين في الدول المانحة يطرح ساسة وأفراد من الجماهير أسئلة.

وفي كندا يتساءل زعماء المعارضة المتشككون لماذا تغدق حكومة اوتاوا مليارات الدولارات على القتال وبعثات الاغاثة التي يقول منتقدون انها لا تظهر بوادر تذكر على النجاح في وقت يشهد عجزا كبيرا في الميزانية وبطالة متزايدة.

وقد تعاني الدول الاوروبية التي تواجه مشاكل مالية مماثلة وفي ظل رأي عام يعارض الحرب بشدة مشاكل في تمويل حكومة أفغانية ينظر اليها على أنها فاسدة ولاتؤدي عملها بكفاءة.

وتنفق الولايات المتحدة التي هي اكبر الداعمين لكابول اكثر من نصف مساعداتها للتنمية خارج البلاد في افغانستان وتعتزم تعزيز قواتها البالغ قوامها 38 الف جندي في البلاد بارسال 17 الف جندي اضافي.

ويشعر البعض في افغانستان بالقلق من أن المساعدات الخارجية قد تقل اذا ازدادت الازمة المالية تدهورا في الولايات المتحدة حيث يسعى أوباما جاهدا لخفض عجز متفاقم في الميزانية.

وقالت شيرمان مسؤولة البنك الدولي في افغانستان "افغانستان تعتمد على المساعدات بشدة واذا بدأت التطورات العالمية تؤثر سلبا على تدفقات المعونات الى افغانستان فمن الممكن أن يسبب هذا مشاكل كبيرة."

واستطردت قائلة "لكن نظرا للاهمية الجيوسياسية للبلاد ليست هناك مؤشرات أو توقعات في الوقت الحالي بأن المساعدات سوف تتراجع."

في الشمال.. الافغان يقاتلون الجوع وليس طالبان!

لن يعني قرار الولايات المتحدة ارسال الاف القوات الاضافية الى افغانستان شيئا يذكر لسكان قرية سانج اي خيل بشمال البلاد الذين يخوضون قتالا ليس ضد عناصر طالبان ولكن ضد الجوع.

حيث أصدر الرئيس الامريكي باراك اوباما أوامره بارسال 17 الف جندي أمريكي اضافي الى أفغانستان للتعامل مع العنف المتزايد في أنحاء جنوب وشرق البلاد.

لكن في الشمال الذي يتسم بالهدوء النسبي يواجه الافغان صراعا مختلفا. فقد ترك الجفاف الشديد وارتفاع أسعار الاغذية مئات الالاف من الاشخاص ليواجهوا معركة يومية للبقاء على قيد الحياة في فصل الشتاء. بحسب رويترز.

وتقول اللجنة الدولية للصليب الاحمر ان نحو 280 الف أفغاني في شمال البلاد يعانون من الجفاف الاسوأ خلال عشر سنوات ولا يستطيعون تلبية احتياجاتهم الغذائية الاساسية.

وعلى الرغم من أن هذا ليس جزءا من تفويضها بطبيعة الحال فقد قامت اللجنة الدولية للصليب الاحمر بتوزيع الاغذية بالاشتراك مع الهلال الاحمر الافغاني على بعض اكثر المناطق تضررا وهو الامر الذي لا يعكس نطاق الازمة فحسب بل ايضا نقص المساعدات في هذا الجزء من البلاد.

وقال عظيم نوراني مندوب اللجنة الدولية للصليب الاحمر في شمال افغانستان "اللجنة الدولية للصليب الاحمر شاركت لان الاحتياج كان كبيرا جدا. هذا يؤثر على الاف والاف الاشخاص."

وفي حين تعد افغانستان واحدة من أفقر الدول في العالم وتعتمد على مساعدات اجنبية بمليارات الدولارات كل عام فان درجة الفقر تتفاوت من منطقة الى أخرى. وبعض المناطق أفضل كثيرا من غيرها.

وأظهر تقرير للامم المتحدة عام 2008 أن اقليم هلمند بجنوب افغانستان حيث ينتج اكثر من ثلثي انتاج البلاد غير المشروع من الافيون والذي يوجد به التمرد الاقوى على مستوى البلاد من بين أغنى ثلاثة أقاليم وفق معظم المؤشرات، ويوجد بهلمند أعلى معدل لامتلاك السيارات على مستوى البلاد.

غير أن الاقاليم الجنوبية مثل هلمند تحصل على معظم المساعدات على الرغم من ثرائها النسبي ودورها بوصفها مركزا لصناعة الاتجار بالمخدرات غير المشروعة في افغانستان والتي تقدر قيمتها بنحو ثلاثة مليارات دولار.

ووكالة التنمية الدولية الامريكية هي اكبر مانح للمساعدات لافغانستان حتى الان وقد ضخت ملايين الدولارات الى هلمند. ولو كان اقليم هلمند دولة لاصبح خامس اكبر متلق للتمويل من الوكالة الامريكية.

وذكرت وكالات اغاثة أنه كان قد تم التعهد بتقديم مساعدات قيمتها 403 دولارات للفرد في هلمند بين عامي 2007 و2008 مقابل 153 دولارا في بلخ. بينما كان وضع اقليمي ساري اي بول وقندوز أسوأ كثيرا حيث تراوح المبلغ بين 53 و55 دولارا للفرد.

وبالنسبة للناس في سانج اي خيل ومنطقة تشيمتال المحيطة باقليم بلخ على بعد مئات الكيلومترات الى الشمال من هلمند لم يطرأ تغير على الحياة بالفعل منذ مئات السنين. فالاتصال مع العالم الخارجي نادر بل والمساعدات اكثر ندرة.

وقال محمد رافي (25 عاما) بموقع لتوزيع الاغذية تابع للجنة الدولية للصليب الاحمر في سانج اي خيل "لم نحصل على اي مساعدة حكومية. وعدونا بأنهم سيمنحوننا الطعام لكنهم لم يفعلوا."

وعلى الرغم من أن القوة العسكرية التي يقودها حلف شمال الاطلسي لها تواجد في بلخ يقول رافي ان من النادر رؤيتها في تشيمتال وحين تظهر تستعلم عن الامن فقط.

وجاء رافي الى جانب مئات الافغان الاخرين من المنطقة المحيطة الى سانج اي خيل الاسبوع الماضي وبعضهم سافر لساعات سيرا على الاقدام للحصول على حصص الغذاء الطارئة من الارز والفول والزيت والشاي التي تتبرع بها اللجنة الدولية للصليب الاحمر.

وتوزع اللجنة الدولية للصليب الاحمر الاغذية على نحو 30 الف شخص في أنحاء ثلاثة أقاليم شمالية حيث فشل محصول العام الماضي.

وقال حبيب الله (45 عاما) وهو مزارع في سانج اي خيل واب لعشرة ابناء "الحياة ليست جيدة. لم يكن هناك شيء العام الماضي. لا مياه ولا قمح. اذا لم يكن هناك مياه هذا العام سأضطر الى الرحيل والذهاب الى المدينة. سوف أصبح مهاجرا."

ويروي حبيب الله الذي ينطق وجهه بآثار حياة زاخرة بالصعوبات قصته فيما كان ينتظر بصبر للحصول على المساعدات الغذائية. ومن خلفه تقبع الحقول حيث لا يزال بالامكان رؤية الاخاديد من حرث العام الماضي اذ لم ينم شيء هناك.

ونجا الافغان من الجفاف والمجاعات لقرون. لكن بدون تنمية طويلة المدى من المستبعد أن يكسر ملايين الافغان دائرة الفقر ومن الممكن أن يصبحوا عرضة للتأثر بالجماعات المسلحة التي تستغل استياء الافغان الفقراء.

وسكان تشيمتال محاصرون في دائرة مفرغة. فعدم وجود مياه يعني أنه ليس هناك محصول وبالتالي لا توجد تقاوي لزراعتها في العام التالي. ورحل كثيرون للحصول على عمل في المدينة واما ذبحوا او باعوا المواشي القليلة التي تبقت لديهم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 4/آذار/2009 - 6/ربيع الاول/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م