بروستريكا المجلس الأعلى الأسلامي العراقي

مهند حبيب السماوي

أظهرت انتخابات مجالس محافظات العراق وخصوصاً الوسطى والجنوبية منها، نتائج مختلفة كانت بمثابة الصدمة والمفاجئة للكثير من المراقبين المحليين والدوليين، فضلاً عن  الكيانات والاحزاب السياسية نفسها التي خاضت غمار هذه الانتخابات وخصوصاً المجلس الاعلى الاسلامي الذي يشكل أحد أهم ركائز الائتلاف العراقي الموحد الذي يشكل أكبر كتلة في البرلمان العراقي.

وكما ظهر في نتائج الانتخابات التي أعلنتها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات الاسبوع الفائت، فقد تراجعت مقاعد المجلس الاعلى ومرشحيه لمجالس محافظات الجنوب وتقهقرت نحو المراتب الثانية والثالثة، بل أن المجلس في العاصمة بغداد لم يحتل أياً من المراكز الثلاثة المتقدمة التي جاءت لصالح قائمة ائتلاف دولة القانون وجبهة التوافق وتيار الاحرار المستقل وهو أمر يحتاج لتوقف وكتابة بعض السطور هنا من اجل التشخيص والتحليل الذي قد يفيد الأخوة في المجلس الأعلى.

وعلى الرغم من أهمية النتائج والدلالات التي ظهرت بها الانتخابات وما يمكن أن تحمله في جعبتها من مضمونات ورؤى او ما سوف ترسمه من خارطة جديدة للساحة السياسية، على الرغم من كل هذا فان هنالك شيئا اخر ازعم انه أهم من نتائج التصويت ودلالاتها ومايمكن ان تحبل به....وهو مراجعة وضعية الاحزاب والكيانات الحالية واعادة قراءة ذاتها السياسية وما آلت اليه النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات..

وازعم ان اكثر جهة وكيان سياسي يحتاج لهذه المراجعة هو المجلس الاعلى الاسلامي العراقي لانه في رأيي الشخصي، وبكل صراحة، قد خسر أكثر من غيره في هذه الانتخابات لا من حيث النتائج التي حصل عليها، فنتائجه في محافظات الجنوب وبغداد كانت تتراوح بين الثاني والثالث والخامس وهي نتائج تعتبر ايجابية وناجحة ويتمناها جميع من خاض الانتخابات..ولكن خسارته تأتي من باب كونها لم تحقق ولا صدارة في اي محافظة من المحافظات التي يحكمها المجلس سابقاً وبالاخص محافظة النجف ولهذا جاءت النتائج كمفاجئة من جهة أولى ومتناقضة مع الاستعدادات والاستفتاءات من جهة ثانية كما قال ذلك احد أهم قيادي المجلس الاعلى الشيخ همام حمودي في لقاء مع صحيفة الحياة اللندنية بتاريخ 16-2-2009.

 ولايخفى على اي مراقب بسيط حقيقة ان الوضع الذي آلت إليه نتائج الانتخابات المنصرمة بالنسبة للمجلس قد تمخضت عن عاملين :

الأول: بناء المجلس الأعلى الفكري العام ومتبنياته الموضحة في أدبياته السياسية.

الثاني: حملته الاعلامية التي تبنتها كوادره قبل الانتخابات.

وحينما نود أن نستعرض سياسات المجلس الأعلى وبرامجه وخطاباته في خطها العام وهو ماعبرت عنه بالنقطة الاولى او حملته الاعلامية التي سبقت الانتخابات وهي النقطة الثانية فاننا نجد ان كلتيها قد شابها بعض الاخطاء والهفوات التي جعلت النتيجة تظهر على هذا النحو، فالمجلس كان يركز على الفيدرالية على نحو مبالغ فيه وفي وقت غير ملائم حيث الفرد العراقي لازال لحد الآن لا يميز بين الفيدرالية والتشرذم والتقسيم السياسي ولذا كان الحديث عن الفيدرالية غير موفق وغير صحيح مع علمي ان الفيدرالية قد اقرها الدستور وهي كصيغة إدارية للحكم تعتبر من الاشكال الحضارية في العالم وأن المجلس الاعلى ليس شاذا في طلبه هذا لكن التوقيت في بعض الأحيان يمكن أن يؤثر على الحكم على أية قضية مهما كانت شرعية وقانونية في ذاتها، ناهيك عن تجارب مجالس المحافظات بعد سقوط النظام السابق التي أساءت الكثير منها لمفهوم الفيدرالية وأعطت انطباعاً سيئاً عليها سواء شعرت أم لم تشعر بذلك.

أما في الحملة الأنتخابية التي قام بها المجلس فقد ركز على شعارات تمثل الهوية الثانوية اكثر من تمثيلها الهوية الاولى الوطنية، فقد ركز، بصورة مباشرة حيناً وغير مباشرة حيناً أخر، على المرجعية الشيعية والشعائر الحسينية، وهما على الرغم من ثقلهما الديني والطائفي لدى جمهور الشيعة الا أنهما لايمكن أن يستوعبا كل أصحاب أصابع التصويت التي وان كانت تكن الاحترام لها الا أنها تطلب أيضاً تحسين الخدمات وبنية مدنها المدمرة ورفع مستوى العيش والأزدهار والرخاء وهو الهدف الاساسي الذي ينبغي ان تقوم به الدولة نحو مواطنها.

وقد يجيبني بعض من الاخوة المجلسيين بأن المجلس كان يتحدث ايضا عن الخدمات وتحسينها وتطوير مستواها ! وهذا صحيح ولاشك فيه ولكن التحدث شيء والواقع شيء  اخر مختلف عنه، فالمحافظات التي حكمها المجلس سابقا فشلت في تقديم الخدمات الضرورية للمواطن مثلما فشلت جميع الاحزاب الاخرى في ادارة شؤون محافظاتها الاخرى ومن ضمنها العاصمة بغداد.

اما التركيز على الشعائر الحسينية، فقد يُرد عليه بانه  كان لابد منه بسبب كون الانتخابات قد جاءت في فترة زمنية ترتبط بذكرى شعائرية كبرى في ذاكرة التاريخ الاسلامي عامة والشيعي خاصة وهي ذكرى استشهاد الامام الحسين عليه السلام وهو أمر مقبول لكن بشرط ان تمر عليه مروراً دينياً في خضم الخطبة السياسية وأن لاتستثمر ذلك أستثماراً  لأغراض سياسية خاصة حتى لا تحتكر المناسبة لصالح حزب ما وتجعلها جزء من أجندته السياسية.

اما المرجعية! فقد كان المجلس يربط نفسه دوما بها سواء كان ذلك صراحة او بالتلميح  بل قد قرأت مرة تصريح للسيد عمار الحكيم يقول فيه أن نهج شهيد المحراب هو نهج المرجعية! وهو تصريح (أن كان صحيحاً) يدل على ما قلته أعلاه من ربط المجلس نفسه بالمرجعية التي ظلت حتى آخر جمعة قبل الانتخابات مباشرة تؤكد على حياديتها واستقلالها وعدم تأييدها لاي قائمة وهي، أي المرجعية، لا تقبل مطلقاً ولايمكن أن تقبل أن يتحدث باسمها اي حزب سياسي من أجل أن تبقى خيمة وفضاء يستظل به كل العراقيين بمختلف اطيافهم ومشاربهم واعراقهم.

ربما سيقول البعض بأن المجلس كان يتحدث عن اللامركزية وليس الفيدرالية بل تاريخياً نرى أن المجلس لم يكن يدعو للفيدرالية بل بدأ التحدث بهذا الأمر بعد السقوط ومن خلال خطابات علنية للسيد عبد العزيز الحكيم رئيس المجلس الاعلى الاسلامي العراقي يؤكد فيها لاكثر من مرة على الدعوة لأقامة أقليم الوسط والجنوب....وهذا  صحيح....لكن المهم ليس مايقصده الحزب في خطابه ومايمكن ان يعنيه بل المهم هو مايفهمه الناخب البسيط من تصريحات الحزب ومايمكن تصوره عنها، والناخب في الشارع العراقي يرى أن المجلس من دعاة فيدرالية الوسط والجنوب في وقت حدثت اخطاء فضيعة من قبل بعض المحافظين الذين تصرفوا باستقلالية تنذر بكوارث سياسية مستقبلاً اذا ما طبقت الفيدرالية في وقت لم يتهيأ فيها دعاتها لها.

كما ان المجلس قد بالغ في الحملة التي شنها على تصريح السيد حسين الشامي حول الشعائر الحسينية ودفع التصريح الى مديات ومستويات بعيدة لم تكن تتحملها من أجل أسقاط قائمة ائتلاف دولة القانون سياسياً في خضم الصراع الانتخابي في حين أن مسالة الشعائر هي قضية دينية حاول المجلس الاستفادة منها سياسياً وهو امر مرفوض وغير مقبول، حيث كان ائتلاف دولة القانون يتحدث عن الامن والاستقرار والقانون في حين أن المجلس كان يتحدث عن الشعائر الحسينية والتطبير !! وتضع بعض من المواقع الالكترونية المرتبطة به  فتاوى دينية لتدعيم رأيه في هذه الحرب الاعلامية التي ادارها بصورة خاطئة وعلى نحو غير مهني مع التذكير بأن المجلس الأعلى قد تعرض لحملة إعلامية مضادة شنتها عليه قناة الشرقية وأثرت عليه بصورة كبيرة.

ولا يجب أن تنسينا الاخطاء التي حدثت عند المجلس الاعلى الايجابيات والنقاط المضيئة لديه حيث هنالك مسألة أيجابية تتعلق بمواقف اتخذها المجلس لا أستطيع في مقالتي هذا الا أن أمر عليها والتعرض لها لكي تكتمل الصورة الحقيقية لمفهوم النقد التي تنظر للسلبيات والايجابيات بصورة موضوعية. فنلاحظ أن ردة فعل المجلس بعد الانتخابات كانت أيجابية وتدل على وعي سياسي عالي المستوى وهي على عدة مستويات :

1.أصدر المجلس الأعلى الأسلامي العراقي بياناً بتاريخ 02/02/2009م  نُشر في موقعه الالكتروني  وعلى الرابط:

http://www.almejlis.org/news_article_1905.html

عبر فيه عن شكره وامتنانه وتهانيه للمرجعية الدينية ولكل ابناء الشعب العراقي ولكل القوى الوطنية السياسية وللمؤسسات الحكومية في بغداد والمحافظات...

وأعرب المجلس عن شعوره بأن العملية الانتخابية قد جرت بانسيابية معقولة وأن الخروقات والنواقص الانتخابية على أهميتها تبقى أقل بكثير من المنجزات والنجاحات.

2.أعتراف المجلس الاعلى بتراجع قائمته وكون النتيجة مفاجئة ومخالفة للتوقعات.

3. مبادرة المجلس للقيام بمراجعة سياسية ليست جزئية عادية وأنما شاملة ، حيث اوضح السيد عمار الحكيم في لقاءه الاخير مع الاعلامي ايلي ناكوزي بأن المجلس بصدد القيام بمراجعة شاملة ونسعى، كما يقول الحكيم، لأن نعيد النظر في خطابنا وفي برنامجنا وفي تشكيلاتنا، قد تكون هي نزعة للتغيير وللبحث عن وجوه جديدة أو تحميل المسؤولين المحليين المسؤولية الكاملة عن ضعف الخدمات والمشاكل التي واجهها المواطنون.

وهذا شيء ايجابي بل ورائع للاخوة في المجلس الاعلى يدل على حس عالي بالمسؤلية وذكاء سياسي فلم يكتفي المجلسيون بالاعتراف بالتراجع..ولم يكتفون بالقيام بمراجعة بسيطة بل وعدوا انفسهم قبل الناخب العراقي بالقيام بمراجعة شاملة لبرامجهم وسياساتهم في خطوة جديدة على السياسة العراقية التي كانت أحزابها، بل حزبها الواحد، معصوم لا يخطئ ولا يزل ولا يتعرض للنقد ولنا في تجربة حزب البعث نموذج صارخ تنطبق عليه هذه الدلالة.

خطوة المجلس هذه تدل على قراءة جيدة ومتميزة لنتيجة ماجرى.... ولم يتبقى الا تجسيد هذا الحس والمسؤلية العالية بقراءة ثانية مغايرة لمعرفة أسباب ماجرى ومعرفة عللها للسيطرة على الوضع والموقف.

أذن للمراجعة النقدية المجلسية "إن جاز التعبير" دور كبير وضروري للمجلس الأعلى في صنع المستقبل السياسي الصحيح له من أجل توضيح وكشف الـ " ما حدث " والوقوف على الخطأ من أجل رسم صورة واقعية مدروسة لحيثيات الامور. وكلما كانت مراجعة المجلس واقعية ودقيقة وجذرية بعيدة عن المجاملات التنظيمية والعلاقات الشخصية في داخل المجلس كلما سوف تكون مثمرة ومنتجة تحلل الواقع الذي انتجته السياسات المجلسية وتشخص الخلل الذي حصل وتفكك المباني الفكرية التي تعوق التصحيح من أجل تلافي ماجرى وعدم الوقوع في مطباته مستقبلاً خصوصاً ونحن تفصلنا عن الانتخابات البرلمانية العامة أقل من سنة واحدة ولا أظن ان المجلس بتاريخه وفكره يرضى ان يحصل على نتيجة متواضعة فيها.

[email protected]  

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 4/آذار/2009 - 6/ربيع الاول/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م