روسيا وتداعيات الازمة المالية: موجة جرائم وبوتين يبدد المليارات

اعداد: صباح جاسم

 

شبكة النبأ: فيما اتهم قادة المعارضة الروسية رئيس الوزراء فلاديمير بوتين بتبديد مليارات الدولارات من الاموال العامة قائلين انه العقبة الرئيسية أمام اجتياز روسيا للازمة المالية العالمية، أجبرَت هذه الازمة موسكو على تأجيل تجديدها البنى التحتية لروسيا، الذي تأخر طويلا لأجل غير مسمى مما يجعلها عرضة للمرور بحقبة من الركود قد تستمر لفترة تتجاوز الازمة الحالية.

وبدأت البنية التحتية في مجالات مثل النقل والاسكان الموروثة عن الاتحاد السوفيتي السابق في الانهيار. وحذر محللون لسنوات بأن العمر الافتراضي لمعظم الطرق والكباري والاساسيات الاخرى اخذ في النفاد.

وتوقع الكرملين حدوث هذا. وفي العام الماضي وضع رئيس الوزراء فلاديمير بوتين خطة طموحة لانفاق تريليون دولار امريكي على البنية التحتية على مدار الاعوام العشرة القادمة. لكن هذا كان في الوقت الذي كان فيه سعر النفط الروسي مرتفعا وكانت الفوائد على القروض الغربية منخفضة.

وقال ايجور جورتشاكوف وهو محلل صناعي بمؤسسة بيكر اند مكينزي القانونية "الان لا يوجد شيء متبق للبنية التحتية. لم يعد لهذا القطاع أولوية."

ويحذر محللون ومستثمرون بأن عواقب هذه السياسة ستكون وخيمة. وأضاف جورتشاكوف أن هذا سيستنزف ستة في المئة من اجمالي الناتج المحلي كل عام الى أن يتم الانتهاء من أعمال البنية التحتية ومن الممكن أن يترك روسيا واقفة في مكانها حين يبدأ النمو العالمي في الانتعاش في نهاية المطاف.

وبالنسبة للجماهير الروسية تمثل البنية التحتية السيئة مشكلة يومية. وهم يشعرون بها في الاختناقات المرورية الدائمة والاسابيع التي تمر دون مياه ساخنة كل صيف وهبوط الطائرات المتخبط في الكثير من المطارات الاقليمية حيث نحو نصف المدارج غير ممهدة.

وينطبق نفس الوضع على حقول النفط وشبكات الكهرباء والموانيء فضلا عن أمور أخرى تتصل بالاقتصاد. ويفسر هذا على الاقل بعض انفجارات الغاز وحوادث المناجم المميتة التي ابتليت بها روسيا في الاعوام الاخيرة.

وقال يوري مولتشانوف نائب حاكم سان بطرسبورج ثاني اكبر مدينة بروسيا امام مؤتمر تجاري عقد في الاونة الاخيرة "أصبحت البنية التحتية أحد الكوابح الرئيسية لنمو الاقتصاد."

وأضاف "حتى حين كان وضع الميزانية جيدا لم تكن هناك أموال كافية لتلبية الاحتياجات لان الحاجة الى الاستثمار كانت غير محدودة بالفعل."

ولم يعد وضع الميزانية جيدا. ومن المنتظر أن تعاني عجزا نسبته ثمانية في المئة هذا العام بينما يتوقع أن ينخفض اجمالي الناتج المحلي بنسبة 2.2 في المئة وفقا لتوقعات حكومية.

وفي مواجهة هذا الانكماش وانخفاض سعر سلعة التصدير الرئيسية لدى روسيا وهي النفط بنسبة 70 في المئة تعمل الحكومة حاليا على مراجعة كبرى للميزانية الاتحادية وقد تم تحديد البنية التحتية لتكون المجال الرئيسي للتخفيضات.

وقال مسؤول في حكومة بوتين طلب عدم نشر اسمه "روسيا لديها من الموارد ما يكفي فقط لدعم نظامها البنكي والمجال الاجتماعي."

الكرملين يواجه اختبارا في اول انتخابات بعد الازمة الاقتصادية

اتهم اكبر حزب معارض في روسيا السلطات باتباع حيل قذرة في حملة الانتخابات المحلية للتغطية على تراجع التأييد للكرملين نتيجة التباطؤ الاقتصادي.

واتهم الحزب الشيوعي المسؤولين بمنع انصاره من دخول قاعات كانوا سيعقدون فيها اجتماعات حاشدة وبتمزيق ملصقات انتخابية ومصادرة منشورات مطبوعة خاصة بالحملة الانتخابية.

ويدلي نحو 20 مليون روسي باصواتهم في جولة الانتخابات المحلية الاحد في اول اختبار انتخابي كبير للكرملين منذ بدء التباطؤ الاقتصادي الذي تسبب في فقدان اكثر من مليوني شخص لوظائفهم.

ويتوقع القائمون على استطلاعات الرأي ان تكشف الانتخابات عن تراجع التأييد لحزب رئيس الوزراء فلاديمير بوتين وهو حزب روسيا المتحدة المهيمن لكنه لن يكون تراجعا كبيرا لان معظم الاشخاص لم يشعروا حتى الان بالتأثيرات الكلية للتباطؤ. بحسب رويترز.

وقال الزعيم الشيوعي جينادي زيوجانوف لمحطة ايكو موسكفي الاذاعية يوم الجمعة "لم نشهد قط مثل هذه الانتخابات القذرة التي لا يمكن التسامح بشأنها."واضاف "هذه الانتخابات تجرى على خلفية الازمة (الاقتصادية). نرى كيف ان الوضع يزداد سوءا."

وزعم ايضا حزبان صغيران من الموالين بشكل طبيعي للكرملين بان حزب روسيا المتحدة يستخدم حيلا قذرة.

ونفى عضو كبير بالبرلمان من حزب روسيا المتحدة هذا الاتهام واتهم بدوره المعارضين باتخاذ مواقف لاغراض سياسية.

وقال فاليري ريازانسكي نائب رئيس كتلة الحزب في البرلمان "يبدو لي ان هذه الحملة كانت هادئة الى حد ما ولم يكن هناك التوتر الذي يواكب عادة الحملات الانتخابية الكبيرة."واضاف "ليس غريبا ان يختار الناس في مثل هذا الوضع الذي تواجهه البلاد دعم الحزب البارز )الحاكم) ."

وسيدلي الروس باصواتهم لاختيار المجالس البرلمانية الاقليمية في تسعة اقاليم من بين 83 وحدة اقليمية ولاختيار رؤساء بلديات في عدة مدن منها نوفوسيبيرسك وتشليابينسك.

الازمة الاقتصادية تسبب موجة من الجرائم بموسكو

وقال المدعي العام في العاصمة ان الازمة الاقتصادية المتزايدة في روسيا اطلقت موجة من الجرائم العنيفة في موسكو.

ويحاول الزعماء الروس وقف اسوأ ازمة اقتصادية خلال عشرة اعوام على الاقل ويراقب المستثمرون الموقف لملاحظة اي علامة على الاستياء وارتفاع معدلات الجريمة.

وقال المدعي العام في موسكو يوري سيومين ان معدلات الجريمة انخفضت في عام 2008 لكن كان هناك تصاعد في جرائم العنف في الشهر الماضي وربط بينه وبين الازمة الاقتصادية.

وقال سيومين للصحفيين "اذا اصبحت ظروف الحياة اشد سوءا فان معدل الجرائم سيرتفع. ومن بين اكثر النتائج سلبية للازمة التغير في اتجاهات الجريمة."بحسب رويترز.

وقال سيومين ان جرائم القتل ارتفعت بنسبة 16 في المئة في موسكو في الشهر الماضي في حين ان الاعتداءات المؤدية للموت زادت بنسبة 44 في المئة. ولم يتضح ما هو الشهر الذي قارن به هذه المعدلات.

وقال "هذه الجرائم هي التي قد ترتفع معدلاتها اكثر. وهدفنا هو التركيز على الاجراءات المضادة للازمة."

وقال سيومين ان المهاجرين الذين تدفقوا على موسكو من الجمهوريات السوفيتية السابقة خلال سنوات الازدهار للعمل في مواقع التشييد والبناء والاعمال الصغيرة مسؤولون عن قدر غير متناسب من هذه الزيادة.

ويتجه الاقتصاد الروسي الذي يبلغ حجمه 1.7 تريليون دولار الى الانكماش في العام الحالي لاول مرة من عشر سنوات بسبب تراجع اسعار الصادرات الرئيسية لروسيا خاصة النفط.

واثار الانخفاض السريع في اوضاع الاقتصاد الروسي بعد عقد من النمو الكبير الذي رفع مستوى معيشة قطاعات كثيرة في المجتمع القلق بشأن الاستقرار في اكبر منتج للثروات الطبيعية في العالم.

وقالت روسيا ان 5.8 مليون شخص فقدوا وظائفهم في ديسمبر كانون الاول وتقول وسائل الاعلام المحلية ان عدد العاطلين يتصاعد مع محاولة الاعمال التجارية البقاء على قيد الحياة عن طريق خفض التكلفة.

ويقول بعض المحللين ان الارقام الرسمية ليست مكتملة حيث اضطر عشرات الالاف الاخرين من الروس الى اخذ عطلات غير مدفوعة الاجر وبذلك لا يظهرون في بيانات البطالة. كما ان التأخر في دفع الرواتب يزداد.

وكان معدل الجريمة قد تصاعد في موسكو بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991 فاكتسبت المدينة سمعة كوكر للشر حيث اصبح القتل امرا شائعا.

المعارضة: المشكلة الرئيسية للاقتصاد الروسي هي بوتين

واتهم قادة المعارضة الروسية رئيس الوزراء فلاديمير بوتين بتبديد مليارات الدولارات من الاموال العامة وقالوا انه العقبة الرئيسية أمام اجتياز روسيا للازمة المالية العالمية.

وفي مؤتمر صحفي تجاهلته بدرجة كبيرة وسائل الاعلام الرسمية قال اثنان من نواب الوزراء السابقين وبطل العالم السابق في الشطرنج جاري كاسباروف ان الحكومة كذبت بشأن المشكلات الاقتصادية للبلاد وعرضوا استراتيجيتهم البديلة.

وقالت حركة "التضامن" المعارضة في بيان "أولا ينبغي استقالة حكومة فلاديمير بوتين التي في خضم هذه الازمة أظهرت بالفعل عجزها التام وعدم كفاءتها المثيرة للسخرية."بحسب رويترز.

والتضامن حركة عامة يدعمها ليبراليون معارضون للحكومة من بينهم بوريس نمتسوف نائب رئيس الوزراء السابق وفلاديمير ميلوف نائب وزير الطاقة السابق وكاسباروف الذي استضاف المؤتمر الصحفي.

وفي مطلع الاسبوع نظمت المعارضة الروسية سلسلة من المسيرات المناوئة للحكومة في أنحاء روسيا والتي اجتذبت بضعة الاف من الاشخاص معظمهم شيوعيون قدامى وشبان متطرفون.

ومنذ الصيف الماضي هوت سوق الاسهم الروسية 80 في المئة وتراجع الروبل نحو 35 في المئة وانكمشت الاحتياطيات 40 في المئة الى حوالي 385 مليار دولار بسبب سياسة دعم العملة وتراجع سعر النفط.

وقال ميلوف "هذا خطأ .. لا نريد تبديد المال في الدفاع عن الروبل الذي ستتراجع قيمته على أي حال. نريد اعطاء المال مباشرة الى الناس لتعويض التداعيات السلبية لانخفاض قيمة الروبل."وعطلت الازمة المالية طفرة اقتصادية كان يقودها ارتفاع أسعار السلع الاولية في روسيا.

لكن الطفرة أوجدت أيضا تباينا هائلا في الثروة. ولا يتجاوز دخل معظم الروس بضع مئات الدولارات شهريا وتقول المعارضة انها تريد توجيه ثروة النفط الى الروس الاشد فقرا وهم شريحة من المجتمع يحتاجون الى خطب ودها.

وقال ميلوف "نريد استخدام الاحتياطيات للمساعدة في التداعيات الاجتماعية لا تبديدها في هذه المرحلة (على الدفاع عن الروبل)."

الرئيس الروسي يأمر بقمع المتطرفين

وفي تطور لاحق أعطى الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف أوامره بقمع ما وصفها بالجماعات المتطرفة التي تحاول استغلال الازمة الاقتصادية الروسية بنشر اضطرابات.

وعادة ما يعني المسؤولون الروس الجماعات العنصرية والجماعات الدينية المتشددة والمنظمات السياسية عندما يتحدثون عن "التطرف". ولكن النشطاء المدافعين عن حقوق الانسان وبعض جماعات المعارضة يتهمون الكرملين باستخدام تشريع جديد خاص بالتطرف كذريعة لقمع الانشقاق المشروع.

ونقلت وكالات الانباء الروسية عن ميدفيديف قوله في اجتماع مع كبار ممثلي الادعاء "التطرف خطير على الاخص في ظل الاوضاع الحالية... في أحداث كثيرة ارتبط ( التطرف) بشكل كبير بمحاولات زعزعة استقرار... مجتمعنا."بحسب رويترز.

ونقلت وكالة انترفاكس للانباء عن ميدفيديف قوله "تتمتعون بحق الطلب من المحاكم تصفية منظمات عامة ودينية وتعليق أنشطتها لحين صدور حكم محكمة."

وصرح ميدفيديف الشهر الحالي بأن الهجمات العنصرية في تزايد وتمثل تهديدا للامن القومي في روسيا التي تأثر اقتصادها بالتباطؤ الاقتصادي العالمي وتراجع أسعار النفط وسلع أخرى.

وقال ميدفيديف ان في بعض الحالات يمكن أن تنقل المحاكمات من منطقة لاخرى لتفادي وقوع هيئة المحلفين تحت ضغط.

واستطرد "يجب أن نبذل قصارى جهدنا لابعاد الضغط عن المحاكم والمحلفين... نعلم أنهم يتعرضون لترويع وتعرض عليهم رشا. ومن ثم مثل هذه التغييرات (بنقل محاكمات التطرف والارهاب الى مناطق أخرى) ستكون مفيدة."

وقالت جماعة لحقوق الانسان مقرها موسكو ان 96 شخصا على الاقل قتلوا كما أصيب أكثر من 400 في هجمات عنصرية العام الماضي.

الاستغناء عن مائة من العاملين في الكرملين بسبب الازمة المالية

واعلنت المتحدثة باسم الرئيس الروسي دميتري مدفيديف قرب الاستغناء عن 100 شخص على الاقل في الادارة الرئاسية الروسية وتخفيض نفقات الكرملين بحلول العام 2011 وذلك بسبب الازمة المالية الاقتصادية.

وصرحت المتحدثة نتاليا تيماكوفا للصحافيين ان مقترحات محددة بهذا المعنى ستعرض بحلول الاول من اذار/مارس من دون ان تكشف قيمة الاستقطاعات. ويعمل 1500 شخص حاليا في الادارة الرئاسية الروسية.

واوضحت المتحدثة ان "هذا القرار يندرج في اطار مقترحات الرئيس".

والاسبوع الماضي طلب الرئيس الروسي من ادارته خفض النفقات لان روسيا تأثرت الى حد كبير بالازمة الاقتصادية العالمية. وقال مدفيديف ان "الوضع الاقتصادي معقد وعلينا التفكير في نفقات الدولة على جميع المستويات".

وتعد الحكومة الروسية خطة لمراجعة ميزانية عام 2009 لابقاء عجزها تحت عتبة 8% من اجمالي الناتج الداخلي. وبحسب وسائل الاعلام فان الاستقطاعات قد تصل الى ثلث ميزانيات بعض الوزارات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 3/آذار/2009 - 5/ربيع الاول/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م