هل النظام منظومة سلوك ثقافي مكتسَب؟

علي حسين عبيد

شبكة النبأ: في بحثنا عن الفوارق التي تفصل الشعوب المتقدمة عن سواها سيقفز النظام الى الواجهة ويصبح على رأس قائمة الدلائل التي تُنسِب هذا الشعب او ذاك الى خانة التقدم او التخلف وستكون العشوائية في السلوك وفي الحراك الحياتي العام مؤشرا دامغا على تخلف الشعوب مقابل تقدمها في حالة سيادة النظام في السلوك الجمعي.

لكن هل سيكون الاعتدال مفيدا في هذا الجانب؟ وهل أن شريعة (خير الامور اوسطها) أنفع للشعوب من غيرها كسلوك ثقافي جمعي يطبع الحراك اليومي لها؟.

يبدو إن هذا الامر يتعلق بالشعب نفسه وطبيعة حياته وسلوكه العام والخاص، ولعل القول الذي يقترب من حافة القانون والذي اطلقه الكاتب الفرنسي بول فاليري قبل عشرات السنين والقائل (خطران يتهددان العالم هما الفوضى والنظام)، لعل هذا القول يضع العالم أجمع في حيرة من أمره، لكننا سنجد صحة الاقوال السالفة، متحققة بحياة الشعوب في جوانب عديدة من مجالات الحياة، وسنجد ايضا ان قول فاليري يدعم الاعتدال ويفضل ان نتوسط ونعتدل في تعاملنا مع مجريات الواقع بجميع صوره واشكاله، فالفوضى اذا ما شاعت ستقتل كل شيء وستحيل الواقع الى شريعة للغاب، وهذا امر ربما يفوق طاقة الانسان وتحمله، كما ان التزمت القطعي واللجوء الى النظام في التطبيق الحرفي لشؤون الناس سيقود الى جعل الحياة (علبة ألكترونية) قابلة للانهيار اللحظوي، وفي تطبيقنا لهذا الكلام على الواقع العراقي سنكتشف من دون ادنى عناء ملامح للفوضوية في معظم اشكال الحياة بدءاً بالاماكن العامـة وليس انتهاء بالدوائر التي تنتمي الى الدولة.

وفي جولة سريعة في أيٍ من مدن العراق (شوارعها/ أسواقها/ ساحاتها العامة/ أماكن كب القمامة/ أحيائها السكنية/ وغيرها الكثير من هذه المسميات) ستقود الرائي الى حكم لا يقبل الجدل بأن ثقافة الفوضى هي التي تحكم مجريات الامور في هذه المدن، واذا كنا لا نرغب ولن نطالب بنظام حدّي يهدد الحياة، فإننا من باب آخر لا نقبل أن تترك حياة الناس على عواهنها، ويُترَك الحبل على الغارب كما يقال.

اننا نرى في الاعتدال مطلبا جمعيا، وان تطبيق مبدأ خير الامور اوسطها، سيجعل حياتنا في منأى عن التطرف الذي حذرنا منه بول فاليري في قوله الآنف الذكر، ولعلنا لن نصل الى اهدافنا بضربة سحرية واحدة، لكن الجميع يتفقون على ان البدايات الصحيحة هي التي تحدد ماهية النتائج او النهايات.

فحين نتجول في أحد الاسواق او الشوارع او الساحات في مركز احدى المدن العراقية او ضواحيها، سنلمس لمس اليد، ثقافة الفوضى الشائعة في السلوك والقول والعمل، فالباعة على سبيل المثال هم مثل صارخ على ثقافة الفوضى، حيث عرض السلع كيفما اتفق واطلاق الاصوات النشاز في كل الاتجاهات ناهيك عن ضربهم لكل او معظم (آداب كسب الرزق)، في حين نلاحظ ملمحا آخر للفوضى يتمثل في رصف السيارات في الشوارع بصورة تدل على الفوضى والتندر بالناس والقانون معا، أما أماكن تجميع القمامة فهي مظهر صارخ آخر على الفوضى في حياتنا، ومثل هذه المشاهد تكاد تكون كثيرة بل وغالبة على غيرها، مما يؤكد ثقافة الفوضى التي يجب ان تعالج من لدن المعنيين بإسلوب جذري يبدأ من البيت ثم المدرسة فالشارع والمقهى والدائرة وما شابه ذلك.

إذن على من يهمه الامر ان يعي طبيعة الظرف العراقي الراهن، وأن يعرف ان الخطوة العملية الصحيحة تنجب خطوة مثيلة لها في سلسلة متواصلة من الخُطا الصحيحة، وان مظاهر الفوضى ليست في صالح احد من العراقيين، أي اننا يجب أن نعمل بقوة وصدق مترابطين من اجل مسح ملامح الفوضى تماما من مشهد الحياة العراقية وبعكسه وبغياب النظام ايــــضا، حتما ستؤول الامور الى ما لا يحمد عقباه. 

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 2/آذار/2009 - 4/ربيع الاول/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م