المشاهد والصور التي بثتها المواقع الالكترونية مثل موقع يوتيوب ولم
تبثها القنوات الفضائية العربية لما حدث في المدينة المنورة خلال
مراسيم زيارة الرسول الأعظم صلى الله عليه واله وسلم، تظهر وتكشف عن
هجوم المتطرفين الوهابيين عبر ميليشيا هيئة الامر بالمعروف والنهي عن
المنكر على الزوار الآمنين من النساء والرجال بالعصي والسكاكين.
ورغم قساوة القمع الذي تعرض له الزوار وخصوصا النساء إلا إنها لم
تكن بالشيء الغريب على فئة اعتادت القتل والتفخيخ أساس لها في بناءها
المعوج وتكفير كل من لا يؤمن بأفكارها وأرائها، إلا إن الغريب في الأمر
أن تقع مثل تلك الأحداث في اشرف واطهر بقع الأرض (المدينة المنورة
والمسجد النبوي) والذي من دخله كان آمنا مهما كانت صفته وفكرته،
متزامنا مع صمت مطبق من الحكومة السعودية بل ان روايات الاعلام السعودي
للحادث كانت تؤيد منهج الهيئة.
لقد استباحت هذه الزمرة قدسية المكان والزمان فقد سفكت دماء
المسلمين في أقدس بقع الأرض وهو مسجد نبينا صلوات الله عليه وعلى اله
وأصحابه الأطهار في يوم وفاته ولم تراعي قدسية هذا المكان، فهل يُعبد
الله من حيث يًعصى؟.
يقول عز من قائل:
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا
نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا
يَشْعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ
قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمْ
السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ (13) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ
آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا
إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللهُ
يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15)
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ
تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16)) البقرة.
لقد حاولت هذه الفئة الضالة المتطرفة التأسيس لمنهجها في دول عدة،
فكيف كانت النتيجة في أفغانستان والعراق وغيرها بدخول هؤلاء إليها؟،
وهم اليوم يكشفون عن منهجهم التدميري بشكل سافر في ارض المقدسات
والحرمات، لتحويلها مركزا للكراهية والتحريض على الآخرين وبؤرة تهدد
امن المنطقة برمتها، بفضل الفكر المتطرف الذي بدأت ملامحه تتضح جليا في
حركاتها الأخيرة للإطاحة بنظام المملكة العربية السعودية والتي ستفاجئ
ذات يوم بانقلاب هؤلاء المتشددين للاستيلاء على الحكم وإقامة دولتهم
التكفيرية في بلاد الحرمين الشريفين، وعندها سيكون الجميع مهددا
بـ(الطعن بالسكاكين) سواء من الشيعة او من غير الطوائف ما لم يعط
البيعة للحكام الجدد، ولك أن تتصور الحال فيما لو حكم هؤلاء بلد ارض
المقدسات.
قد يرى البعض بان القضية لا تتعدى أكثر من كونها ردة فعل لمشاجرة
ناتجة من الاختلاف المذهبي والفكري، إلا إن الوقائع تشير وبما لا يقبل
اللبس إن حادثة المسجد النبوي والاعتداء على زواره ومصليه لم تكن سوى
رسالة بسيطة لجس النبض الحكومي للمملكة السعودية والعالم الإسلامي
برمته وتهيئة الأرضية المناسبة لإحداث تجاوزات اكبر وأكثر مستقبلا.
لذا أصبح لزاما النظر الى موضوع هذه الهيئة بجدية اكبر، فبقاءها في
داخل المسجد النبوي وبصلاحياتها الغريبة والكبيرة إنما يؤسس لحالة من
الخطر لا يمكن التنبؤ بمستقبله على جميع الشعوب العربية والإسلامية،
وأولها شعب المملكة العربية السعودية، فهم أول من يعرف إن تصرفات تلك
الهيئة قد تجاوز حدود المعقول بتفتيش حاجيات الناس الشخصية والتدخل
السافر في ابسط الأمور والتضييق على الحريات العامة والخاصة، وإقامة
الحدود بدون أي دليل فقهي او شرعي، وهذا ينبأ عن تكرس التطرف الفكري
بأعلى درجاته، متخذا طريقا سريعا لإفشال التعديلات والإصلاحات
الدستورية التي تحاول حكومة المملكة إجراءها.
إن حكومة المملكة العربية السعودية مطالبه قبل غيرها أن تضع حدا
سريعا ونهائيا لمثل هؤلاء القتلة المتلبسين بلباس الدين، وان تبرز
الوجه الحقيقي للإسلام من خلال السماح لجميع الطوائف بأداء طقوسها
وشعائرها بعيدا عن التمييز العنصري والطائفي.
وقبل هذا وذاك علينا اخذ العبرة من الماضي القريب لما آل اليه مصير
من كمم الأفواه وصادر الحريات ومثالا لذلك ما جرى في العراق في زمن
البعث المقبور، وفي آخر المطاف كانت النتيجة هزيمة مخزية لذلك النظام
وأتباعه وانهيار بسرعة البرق رغم الآلة المخيفة من أجهزة القمع والقتل،
و في مقابله انتصار وثبات وانتشار أكثر لمحبي أهل البيت عليهم السلام.
إننا إذ ندعوا الباري (عزوجل) ان يحفظ المسلمين في مختلف دول العالم
من شر الفتن فإننا نؤكد منهم على ما تقدم به سماحة السيد المرجع صادق
الشيرازي (دام ظله) في بيانه الأخير والذي طالب فيه(... السماح
للمؤمنين الكرام بالزيارة وقراءة القرآن والأدعية وأداء التزاماتهم
الدينية من غير منع أو مضايقات، وعدم فرض معتقدات التكفيريين على أتباع
المذاهب وخاصة أتباع أهل البيت عليهم السلام، كما يلزم محاسبة ومعاقبة
الذين اعتدوا على الزوّار الكرام، فإن استمرار هذه المضايقات ستؤدّي
إلى عواقب غير محمودة، لا سمح الله..)، ونؤكد لهم بان السكوت عن مثل
تلك التجاوزات قد يعطي للبعض إشارة بالاتجاه الخاطئ في التمادي في غيهم
وقد تصل فيها الأمور الى ما لا تحمد عقباه وهذا ما لا نتمناه.
* مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث
http://shrsc.com |