استوقفني تقرير لمركز أبحاث إسرائيلي معني بقضايا المساواة والعدالة
الاجتماعية في إسرائيل يؤكد تنامي الفجوة بين الفقراء والأغنياء في
إسرائيل خلال العقد الأخير (1998-2007) لأسباب اقتصادية وسياسية مختلفة
تصب في غير صالح الطبقات الفقيرة داخل إسرائيل وعلى رأسها المواطنين
الفلسطينيين داخل إسرائيل الذين تراجعت حظوظهم الاقتصادية والتعليمية
بشكل واضح
التقرير الصادر عن "مركز معلومات حول المساواة والعدالة الاجتماعية
في إسرائيل (أدفا)" في ديسمبر 2008 يؤكد أن تنامي الفجوة بين الفقراء
والأغنياء هي ظاهرة قديمة في إسرائيل تعود بشكل واضح إلى منتصف
الثمانينات لأسباب مختلفة يأتي على رأسها تولي حكومات محافظة لمقاليد
الحكم هناك وسعي تلك الحكومات لمنح مزيد من المزايد لرجال الأعمال
والأثرياء على حساب الطبقات الفقيرة وذلك من خلال خفض الضرائب وخفض
الميزانية الحكومية وخفض الإنفاق على الخدمات العامة
وتوضح الدراسة أن الاقتصاد الإسرائيلي الذي يمر بفترات صعود وهبوط
متأثرا بتقلبات الاقتصاد العالمي وبالصراع مع الفلسطينيين وبقضايا أخرى
كالهجرات اليهودية لإسرائيل يعاني بوضوح من عدم قدرته على تحسين أوضاع
الطبقات الفقيرة لسببين أولهما خفض الإنفاق على الخدمات العامة خلال
بعض الفترات الزمنية مما يؤدي إلى تدهور تلك الخدمات بشكل واضح ويجعل
من إصلاحها مهمة صعبة إذا ما قررت الحكومة الإسرائيلية ذلك
أما السبب الثاني والذي يبدو واضحا للعيان في الدراسة فهو حالة
التمييز المجتمعية الواضحة ضد المواطنين الفلسطينيين داخل إسرائيل، فهم
يقبعون في أسفل الهرم الطبقي داخل إسرائيل، ويتلقون أضعف الدخول (30%
أقل من المتوسط العام للدخل)، ويقع نصفهم تحت خط الفقر مقارنة بخمس
الإسرائيليين فقط، ولا يحصل على التعليم الجامعي من شبابهم سوى 15%
مقارنة بنسبة 30% داخل إسرائيل
وتقول الدراسة أن انحياز إسرائيل للأثرياء واضح من خلال إحصاءات
الجهات الإسرائيلية المعنية عن الفترة التي تغطيها الدراسة (1998-2007)
وهي فترة صعود اقتصادي فيما عدا الفترة من 2000-2001 والتي شهدت تراجع
معدلات النمو الاقتصادي في إسرائيل بسبب انتفاضة الأقصى وما ترتب عليها
من زيادة الإنفاق العسكري وعدم استقرار وتراجع للسياحة في إسرائيل
ولكن الصعود الاقتصادي لم يصب في صالح المساواة والعدالة الاجتماعية
بإسرائيل لأن الأثرياء كانوا الأكثر استفادة من النمو الاقتصادي، حيث
زاد نصيب الفئة الأعلى دخلا في إسرائيل بمعدل 28% في حين تراجع نصيب
الشرائح الأكثر فقراء من الدخل القومي
هذا يعني أننا أمام دولة تنحاز للأثرياء بشكل مستمر من خلال سياسات
مثل خفض الضرائب المفروضة عليهم وخفض الإنفاق الحكومي على البرامج
العامة وخفض الميزانية العامة كذلك، وقد أدى الانحياز المستمر لمصالح
الطبقة العليا إلى زيادة الفقراء فقرا وإلى التراجع المستمر في حجم
ومكانة الطبقة الوسطى بإسرائيل
فدخول الفقراء في تراجع لأن في عام 1998 كانت نسبة الإسرائيليين
الحاصلين على الحد الأدنى من الدخل هي 28.8% وقد زادت هذه النسبة إلى
35.1% في عام 2006
وحجم الطبقة المتوسطة تراجع بنسبة 16% منذ عام 1988، كما تراجع
نصيبها من الدخل القومي خلال الفترة نفسها بنسبة 25%
كما صعدت على السطح ظاهرة رجال الأعمال ودخولهم المرتفعة بشكل غير
منطقي، ففي عام 2007 بلغ متوسطة دخول رؤساء كبار 25 شركة إسرائيلية ما
يعادل 17 ضعف متوسط دخول أبناء الطبقة الأعلى دخلا في إسرائيل نفسها،
وهو ما يوضح حجم التحيز للأثرياء ورجال الأعمال.
وقد ترتب على ذلك زيادة عدد العائلات تحت خط الفقر والذين وصلت
نسبتهم إلى 20% في عام 2005 نصفهم تقريبا من الفلسطينيين الإسرائيليين.
كما تضاعفت تكاليف الرعاية الصحية والتعليم حتى اقتصرت نسبة
الملتحقين بالتعليم الجامعي على 25% من الشباب الإسرائيلي فقط.
هذا يعني إننا أمام أوضاع متردية للمساواة والعدالة الاجتماعية في
إسرائيل مرشحة للتزايد في السنوات المقبلة بفعل الأزمة الاقتصادية
العالمية وتعثر عملية السلام وميل الإسرائيليين المتزايد بشكل مقلق نحو
اليمين، ويكشف التقرير الحالي العلاقة القوية بين الداخل والخارج
فإسرائيل المتشددة ضد الفلسطينيين خارجها منحازة أيضا ضد حقوق الفقراء
ومحدودي الدخل داخلها.
www.alaabayoumi.com |