يتساءل البعض عن سبب إحجام العراقيين عن إعطاء أصواتهم لبعض القوائم
وإيهابها لبعض، ولماذا فقدت القوائم الصريحة الاسم مقاعد كانت تعتقد
أنها ستحصل عليها دون مشقة، ولماذا حصلت قوائم تحت مسميات جديدة
ومحتويات قديمة على أصوات أكثر من توقعات المراقبين؟ وبصريح القول،
لماذا تقدمت قائمة ائتلاف دولة القانون، وتراجعت قائمة شهيد المحراب،
لماذا تقدمت قائمة كتلة الأحرار المستقل وتراجعت القائمة الوطنية
العراقية؟ فالأولى محسوبة على حزب الدعوة الإسلامية والثانية صريحة في
عاديتها للمجلس الأعلى الإسلامي العراقي، والثالثة تمثل التيار الصدري
والرابعة إسمها يدل عليها.
من المقطوع به أن الشعب العراقي قتّر من وضع أوراقه في سلة بعض
الكيانات والتيارات المعروفة التي مارست العمل السياسي في سنوات ما بعد
9/4/2003م، وكذلك على خلاف ما يشاع ويراد ترويجه في الوسط العراقي فان
كل القيادات الحزبية والدينية وبلا استثناء وقفت بكل ثقلها وراء
القوائم التي تمثلها، ولكن المحصلة كانت مخيبة للقوائم التي كانت تعتقد
أن العراق سيهبُّ عن بكرة أبيه لانتخابها، فلم تحصل قائمة المجلس
الأعلى على مرادها ولم تنل قائمة التيار الصدري على مبتغاها وكانت
القائمة العراقية في حجم المعقول، فيما اعتبر البعض فوز قائمة المالكي
هي المفاجأة.
وهنا مربط الفرس، فما حصلت عليه قائمة ائتلاف دولة القانون لم يكن
مفاجأة ليس أقل لعدد من المراقبين السياسيين الذين لاحقوا مسار عمل
حكومة المالكي، لأن القائمة لم تدخل الانتخابات باسم حزب الدعوة
الإسلامية، وإلا لكان حالها حال قائمة المجلس الأعلى والتيار الصدري،
ولوجدنا قوائم أصغر ليست في الحسبان تصطف مع القوائم الرئيسة تنافسها
في إدارة الحكومات المحلية، كما حصل مع الحزب الإسلامي العراقي في
الموصل.
من هنا اعتقد أن القوائم التي يهمها أن تحافظ على مكتسباتها الحالية
(قائمة ائتلاف دولة القانون) والقوائم التي تسعى لأن تحقق نتائج أفضل
في الانتخابات النيابية نهاية العام الجاري 2009م، وأن تنتشل نفسها من
كبوة الانتخابات المحلية (قائمتا شهيد المحراب وكتلة الأحرار، وغيرهما)
لابد من العمل ضمن توجهات وطنية عامة ترتفع على الذات والذاتية.
وتأسيسا على ذلك، يفترض في قيادة قائمة رئيس الوزراء الأستاذ نوري
كامل المالكي أن تنبه بعض القيادات المركزية والمحلية بعدم الإنجرار
وراء زهو الانتصار، والإكثار من القول بأن الشعب العراقي قدم صوته لحزب
الدعوة الإسلامية، لأن الشعب إنما دس أوراقه الإنتخابية في جعبة قائمة
إئتلاف دولة القانون، كون زعيمها قدم للأمة العراقية الأمن، وهو أهم
مطلب شعبي بلحاظ أن استتباب الأمن وسريان مفعول القانون يلازمه
الإستقرار والأمن المجتمعي وتسريع عجلة الإقتصاد، فحزب الدعوة
الإسلامية حزب عراقي وطني عريق، ولكن حصر الفوز به ليس في محله، بل هو
مقتلة لجهود رئيس الوزراء، وثلمة بل ثلمات في قائمة ائتلاف دولة
القانون التي يراد لها أن تحوز على اكبر قدر من المقاعد في الانتخابات
القادمة فيما لو دخلت لمفردها أو دخلت كيانا ضمن ائتلاف، ولذلك يفترض
في القائمة أن تعمل ضمن توجهات الحكومة المركزية وأن تمثل الحكومات
المحلية حكومة ائتلاف دولة القانون بحق وحقيقة تبني بيد ويحاسب
الخارجين على القانون وتحارب الفساد الإداري باليد الأخرى، وعدم القفز
على هذا المكتسب الجماهيري، لأن تقديم الحزب والتخندق وراءه قد يفقد
القائمة هيبتها ويقلل من حظوظ زعيمها في قيادة الحكومة لسنوات أربع
قادمة.
كما من الحكمة الإستراتيجية عند تشكيل الحكومات المحلية أن تعمد
قائمة ائتلاف دول القانون إلى التحالف مع قائمة أو قوائم حسب ظروف كل
مدينة، وأن تفكر في التحالف مع القائمة التي تدعم دولة القانون بما
يعزز ثقة الناس بالحكومة المحلية والمركزية على حد سواء، وعدم التفكير
بالمكاسب الآنية على حساب القوائم الأخرى التي مارست النضال منذ عشرات
السنين، صحيح أن بإمكان قائمة المالكي في بعض المحافظات تشكيل حكومة
محلية مع قائمة واحدة فقط، ولكن ربما كان هذا التحالف مهلكة، بل إن بعض
القوائم المنافسة يدفع قائمة المالكي بهذا الاتجاه أملا في أن تتراجع
شعبيتها خلال ما تبقى من فترة زمنية حتى الانتخابات النيابية القادمة
ليعوض من خسائره في الانتخابات المحلية، ولذا فالأفضل التحالف مع قوائم
عدة وإن أفقدها بعض المراكز الحكومية، لأن إشراك أكثر من قائمة في
تشكيل الحكومة المحلية يخفف من سلبيات التحالف مع قائمة بعينها، والأمر
عائد لطبيعة الجغرافية السياسية لكل مدينة.
كما يفترض في القوائم التي انخفض عندها منسوب مقاعدها، أن تجري
مراجعة حقيقية لأدائها السياسي، واعتقد وهذا رأي ذكرته في الندوة التي
عقدها مكتب المجلس الإسلامي الأعلى في لندن حول نتائج الانتخابات في
20/2/2009م، أن المجلس الأعلى بخاصة، إذا أراد أن يرفع من عدد مقاعده
في الانتخابات القادمة إن كان ضمن إئتلاف أو بقائمة مستقلة، أن يفتح
باب المصارحة مع قواعده وأن يجري انتخابات داخلية مبكرة يكون جميع
أعضاء المجلس قيادة وكوادر في حلبة الانتخاب، فما دمنا نرتضي بصناديق
الإقتراع في الانتخابات المحلية والعامة سبيلا لقيادة الأصلح ونسلم
برأي الناس، من باب أولى أن نرتضي مثله في الانتخابات الحزبية داخل
الكيانات السياسية، فليس من المعقول في العمل الحزبي أن يكون هيكل
الكيان السياسي ذات طابع حزبي في حين لا تمس المتغيرات السياسية
والحزبية مركز القيادة؟!، فالتشرذم الذي أصاب كيانا سياسيأ عريقأ في
تاريخه النضالي والسياسي، ولم يحظ حتى بمقعد واحد في الانتخابات
المحلية والانتخابات النيابية السابقة مع إنه كان أيام المعارضة يشار
إليه كثالث ثلاثة إلى جانب حزب الدعوة والمجلس الأعلى، سيصيب أي كيان
آخر إذا سار على المنحى نفسه، والعاقل من اتعظ بتجارب غيره.
من جانب آخر، إن تجميد التيار الصدري لذراعه العسكري، خطوة سليمة
على طريق بناء العراق المدني الحديث الذي يحتكم الجميع فيه إلى القانون
واحترام الحكومة باعتبارها مظلة وطنية مستمدة شرعيتها من صناديق
الإقتراع، ولكن التيار بحاجة إلى الانتقال إلى ساحة العمل الحزبي
العلني والتجانس مع الوضع الجديد، وحل الذراع العسكري الجديد المعلن
عنه باسم آخر (الممهدون)، أي التقدم بخطوة نحو الأمام للإعلان وبشكل
رسمي عن كيان حزبي سياسي مدني واضح المعالم قادر على العمل في إطار
الحكومات المحلية وداخل قبة مجلس النواب، فيه القيادة معلومة، يخضع
أعضاؤه لبنود مواد الحزب الداخلية، ولقيادته ما لأعضاء الحزب وعليها ما
عليهم، فليست هناك أبوّة على الحزب، وليست هناك قيادة تاريخية لا
يعتريها التغيير، فمفهوم الأبوة يتقاطع مع آلية العمل الحزبي، وتركيز
مفهوم القيادة التاريخية وشخصنتها نمط من أنماط الحزب الشمولي، يصعب
عليه قبول الآخر والعمل في جو من التعددية السياسية والحزبية، فيظل
قلقا سياسيا وفي حالة تصادم مع الواقع الجديد.
وفي اعتقادي إذا لم يخط التيار في هذا الاتجاه، فان حظوظه في
الانتخابات النيابية القادمة لن تكون بأحسن من حظوظه في الانتخابات
المحلية الأخيرة، ربما تنحدر نحو الأدنى، بخاصة وأن المدن العراقية لم
تعد كالسابق حكرا على هذا الكيان أو ذاك، أي أصبح للناس حرية شبه تامة
في التعبير عن آرائهم، فكلما امتدت أذرع القانون قصرت أذرع الكيانات
وصار الناس في حلٍّ من أمرهم، والانتخابات الأخيرة خير شاهد وبرهان.
إن الأشهر القادمة حتى نهاية العام الجاري فرصة مناسبة لكل الأحزاب
والكيانات لأن تعيد فيها حساباتها من اجل نيل رضا الشارع العراقي دون
أن تمارس عليه أية ضغوطات، هذا إذا أرادت أن تعمل وفق الأطر القانونية
التي ألزمها الدستور العراقي، والاعتراف بشرعية النظام القائم ككل،
وإلا إذا شذّ البعض واستغل انسحاب القوات الغربية من المدن نهاية
حزيران يونيو 2009م، فربما شهدت محافظات أخرى هزات أمنية، أعادت إلى
الأذهان صولة الفرسان وأخواتها!.
* الرأي الآخر للدراسات – لندن
alrayalakhar@hotmail.co.uk |