روح تركيا التائهة وحرب مستعرة بين الحكومة والعلمانيين

تداعيات دمج قضيتي مقتل قاض ومؤامرة الانقلاب

اعداد: صباح جاسم

شبكة النبأ: فيما ذكر تقرير اكاديمي ان عزلة العلمانيين في تركيا زادت مع تنامي تأثير الدين في الحياة العامة في ظل الحكومة التركية المحافِظة نفّذت أجهزة الأمن التركية حملة دهم جديدة في كل من أنقرة واسطنبول ضبطت خلالها 27 من الاعضاء البارزين في (تنظيم الدولة السرية) الذي نفّذ جرائم كبرى وكان يخطط للقيام بانقلاب ضد حكومة العدالة والتنمية واغتيال رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان.

ويضع اعتقال ضباط بارزين بالجيش التركي بشأن مزاعم بالتخطيط للانقلاب العلاقات بين الحكومة ذات الجذور الاسلامية والجيش القوي موضع الاختبار ويعقّد جهود أنقرة لمعالجة الاضطراب الاقتصادي وتحقيق شروط انضمام تركيا للاتحاد الاوربي.

 العلمانيون في تركيا يزدادون عزلة

ذكر تقرير اكاديمي ان عزلة العلمانيين في تركيا زادت مع تنامي تأثير الدين في الحياة العامة في ظل الحكومة التركية المحافظة.

وقال التقرير الذي اعده معهد المجتمع المفتوح وجامعة البوسفور التركية التي تحظى باحترام ان الهياكل الاجتماعية تغيرت منذ وصول حزب العدالة والتنمية ذي الجذور الاسلامية الى السلطة في عام 2002.

وكاد هذا الحزب ان يغلق هذا العام في دعوى قضائية اقيمت ضده لكونه بؤرة للنشاط المناهض للعلمانية. وادين الحزب ولكنه نجا من الاغلاق وبدلا من ذلك قلصت موارده المالية.

وقال التقرير"في كل اقليم زرناه قيل لنا ان العلمانيين عزلوا نتيجة لتعيين حكومة حزب العدالة والتنمية اناساها والقوة الاقتصادية للجمعيات الدينية."بحسب رويترز.

ومعهد المجتمع المفتوح الذي يموله ويرأسه المستثمر البارز جورج سوروس مؤسسة تعمل وتقدم المنح بشكل خاص .

وركز التقرير بشكل خاص على اتجاهات اصحاب الاعمال التجارية الذين شعروا بانه يتعين عليهم اتخاذ اسلوب حياة ديني للحفاظ على استمرار نشاطهم ولتفادي تهميشهم في المجتمع التركي.

وقدم التقرير امثلة لاشخاص بدأوا في اداء صلاة الجمعة او اغلاق متاجرهم في اوقات الصلاة لاعطاء الانطباع بانهم في المسجد.

حملة اعتقالات بصفوف العلمانيين في اطار الدولة السرية 

ونفذت أجهزة الأمن التركية حملة دهم جديدة في كل من أنقرة واسطنبول ضبطت خلالها 27 من الأعضاء البارزين في (تنظيم الدولة السرية) الذي نفذ جرائم كبرى وكان يخطط للقيام بانقلاب ضد حكومة العدالة والتنمية واغتيال رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان.

وأعلنت مديرية الأمن التركية أنه تم القبض على البروفيسور يلتشين كوتشوك ورئيس مجلس التعليم الأسبق كمال غورز ورئيس دائرة القوات الخاصة السابق في الجيش التركي ابراهيم شاهين والجنرال المتقاعد كمال ياوز والسكرتير السابق لمجلس الأمن القومي التركي تونجار كليتش والصحفي انغين أيدن بناء على تعليمات مكتب المدعي العام الجمهوري في اطار التحقيقات الجارية منذ أشهر مع أعضاء تنظيم الدولة السرية.

وكانت السلطات التركية قامت بمتابعة وتوجيهات من رئيس الوزراء اردوغان برصد تحركات واتصالات تنظيم الدولة السرية الذي يضم ضباطا كبارا سابقين في الجيش ومحامين وصحافيين ورجال أعمال ينتمون جميعهم الى الفكر العلماني. بحسب تقرير لـ كونا.

وتبين ضلوع هذا التنظيم في عدد من الجرائم الكبرى وشبكة المافيا والتخطيط لعدد آخر من الجرائم والتورط في اغتيال الصحافي التركي من أصل أرميني هرانت دينك والتخطيط لاغتيال الأديب أورهان باموك الفائز بجائزة نوبل للآداب.

يذكر أنه بعد جريمة اغتيال الكاتب دينك اعترف اردوغان بوجود دولة ضمن الدولة التركية أطلق عليها اسم (الدولة الخفية) أو (الدولة الظل) أو (الدولة العميقة المتغلغلة) وهي المسؤولة عن الكثير من جرائم الاغتيال السياسي التي جرت في تركيا وان مكافحتها يستلزم جهدا كبيرا وزمنا طويلا.

وتعتبر (الدولة الخفية) في تركيا شبكة معقدة من الشخصيات والمؤسسات والجمعيات القومية والعصابات التي تنشط على شكل مافيات سياسية وعسكرية واعلامية سرية مرتبطة ارتباطا وثيقا بأعلى هرم المؤسسة العسكرية وبمراكز ودوائر الحرب الخاصة في هيئة الأركان العامة.

الاعتقالات تشعل التوتر بين الحكومة والجيش

ويضع اعتقال ضباط بارزين بالجيش التركي بشأن مزاعم بالتخطيط لانقلاب العلاقات بين الحكومة ذات الجذور الاسلامية والجيش القوي موضع الاختبار ويعقد جهود أنقرة لمعالجة الاضطراب الاقتصادي.

وينظر كثيرون هنا الى التحقيق في مؤامرة انقلاب "ايرجينيكون" الذي شهد تقديم 86 شخصا بالفعل بينهم ضباط متقاعدون بالجيش وساسة ومحامون للمحاكمة على أنه جزء من معركة من أجل روح تركيا التي يغلب على سكانها المسلمون والمرشحة للانضمام لعضوية الاتحاد الاوروبي. بحسب رويترز.

وقال جاريث جينكينز خبير الشؤون الامنية التركية ومقره اسطنبول "اذا استمر الادعاء كما شهدناه فمن الممكن أن يصبح لدينا وضع خطير للغاية."وأضاف "لن يسمح الجيش باستمرار الامور."

وسببت الانباء عن اجتماع باسبوج مع اردوغان في البلاد التي أطاح فيها الجيش بالحكومات أربع مرات في الاعوام الخمسين الماضية عمليات بيع بسبب الخوف في سوق الاسهم باسطنبول ووجهت رابطة رجال الاعمال البارزة دعوة الى الهدوء.

وتقول المؤسسة العلمانية التي تضم الجيش والقضاة والبيروقراطية الحكومية ان حزب العدالة والتنمية الحاكم ينفذ الاعتقالات انتقاما بعد قضية شهدتها ساحات المحاكم عام 2008 وسعت الى حظر الحزب لممارسته أنشطة مناهضة للعلمانية.

وينفي حزب العدالة والتنمية الذي يضم عناصر من يمين الوسط وقوميين الى جانب محافظين دينيين هذا. كما ينفي أن يكون لديه اي جدول أعمال اسلامي خفي ويشير الى سجل من الاصلاح السياسي الليبرالي يشعر الاتحاد الاوروبي أنه لم يحرز تقدما كافيا لكن الجيش المحافظ ينظر اليه ببعض الحذر.

محكمة تركية تدمج قضيتي مقتل قاض ومؤامرة الانقلاب

وقالت وكالة الاناضول التركية للانباء إن محكمة الاستئناف العليا قررت دمج قضية مقتل قاض كبير وقضية جماعة يمينية متهمة بمحاولة القيام بانقلاب في قضية واحدة.

وأعطى هذا الحكم ثقلا لمحاكمة 86 شخصا منهم ضباط جيش متقاعدون وسياسيون ومحامون يشتبه في انتمائهم الى منظمة سرية تعرف باسم ارجينكون متهمون بالتخطيط للانقلاب.

وقضت محكمة تركية في فبراير شباط بالسجن مدى الحياة على المحامي البارسلان ارسلان لادانته بقتل قاض في مجلس الدولة عام 2006 في قضية زادت من التوتر بين الحكومة التركية والمؤسسة العلمانية.وكان قتل القاضي عنصرا مهما في توجيه الاتهام في قضية المؤامرة. بحسب رويترز.

وقالت وكالة الاناضول ان محكمة الاستئناف رفضت الحكم الصادر في قضية قتل القاضي وهجوم ذي صلة بالقنابل على صحيفة جمهوريت العلمانية وقضت بدمج القضية مع قضية مؤامرة الانقلاب.

ونقلت الوكالة عن المحكمة قولها في حيثيات الحكم "من الضروري الربط بين القضيتين نظرا لوجود صلات قانونية ومادية بين هذه القضية وقضية ارجينكون."وكان ارسلان من بين ثمانية أشخاص اتهموا بقتل القاضي والهجوم على صحيفة جمهوريت.

وفي قضية مؤامرة الانقلاب اتهم الادعاء المتهمين بالتخطيط لعمليات اغتيال وانفجارات لارغام الجيش على التدخل.وتعقد المحكمة جلسات يومية في قضية ارجينكون ويعتقد انها ستستمر بضعة أشهر.

ويقول بعض منتقدي الحكومة ان قضية المؤامرة هي للرد على تحركات سابقة لحظر حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي له جذور إسلامية. وينفي الحزب ذلك.

أردوغان يخاطب شعبه بالكردية: تركيا تنفتح على أكرادها بقناة تلفزيونية وجامعتين

وفي تطور لافت افتتح رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان القناة الرسمية السادسة والناطقة بالكردية، وبدأ كلمته الموجهة الى اكراد تركيا والتي اذيعت في تلك القناة بجملة تهنئة ومباركة قرأها بالكردية، ثم تابع خطابه بالتركية مع دبلجة بالكردية وترجمة خطية باللغة التركية.

وكانت أوساط كردية شككت حتى اللحظة الأخيرة في اقدام الدولة التركية على انشاء محطة رسمية تبث باللغة الكردية على مدار الساعة، بل ان نواب البرلمان الاكراد من «حزب المجتمع الديموقراطي» ذي التوجه القومي الكردي، قاطعوا حفلة الافتتاح واعتبروا القناة محاولة من «حزب العدالة والتنمية» الحاكم لجمع اصوات الناخبين الاكراد في الانتخابات البلدية المقبلة. بحسب تقرير لـ (الحياة).    

لكن الشارع الكردي في جنوب شرقي تركيا عبر عن ترحيبه بهذه الخطوة التي جاءت متأخرة بحسب كثير من الاكراد، فيما طالبت جمعيات حقوقية كردية برفع الحظر القانوني على استخدام الاحرف الكردية في الكتابة واستخدام اللغة الكردية في الطباعة، اذ ان القانون التركي لا يزال يمنع استخدام حروف اللغة الكردية في كتابة أي منشورات او لوحات عامة، وهو ما دفع اوساطاً الى القول ان القناة الكردية الحكومية خرقت عمليا هذا القانون وأن رئيس الوزراء التركي استعجل في اطلاقها من أجل اغراض انتخابية قبل تهيئة الارضية القانونية المناسبة لها.

لكن المسؤولين الاتراك أكدوا ان اطلاق القناة الكردية يأتي ضمن مشروع كبير للانفتاح على الأكراد، وان حل القضية الكردية يبدأ من اطلاق حرية استخدام اللغة الكردية في الصحافة والاعلام والفن، ويمر بتبني الدولة لقناة فضائية كردية، وتنفيذ مشاريع تنمية اقتصادية كبيرة في منطقة جنوب شرقي الاناضول حيث الغالبية الكردية من السكان، وكذلك فتح كليتين للغة والادب الكردي في جامعتي اسطنبول وأنقرة، انتهاء بإقرار درس اختياري في المدارس الحكومية والخاصة لتعليم اللغة الكردية.

جنوب شرق تركيا منطقة حيوية بالنسبة للانتخابات التركية

 يملك محمد علي متجرا صغيرا للجبن والزيتون بمدينة ديار بكر القديمة ولديه 11 ابنا بالغا.. جميعهم عاطلون.

علي وهو كردي مكتنز القوام في اواخر الخمسينات من عمره قال انه لم يقرر بعد من الذي سيعطيه صوته حين تجري تركيا الانتخابات البلدية في 29 مارس اذار لكن اولوياته كانت واضحة.

قال وهو يشير الى مقهى يغص بالشبان الذين كانوا يلعبون الورق والدومينو "نحتاج الى وظائف ومزيد من الاستثمارات خاصة للشبان." وأحجم محمد علي عن الكشف عن اسمه بالكامل خشية النيل منه.

وديار بكر هي اكبر مدينة في جنوب شرق تركيا الفقير الذي يغلب على سكانه الاكراد وهي ساحة معركة في الانتخابات المحلية التي ينظر اليها على أنها استفتاء على حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان. بحسب رويترز.

ويسعى حزب العدالة والتنمية الى كسب شرعية جديدة بعد أن أفلت بالكاد عام 2008 من محاولة قانونية من قبل خصومه العلمانيين لحظره لممارسته أنشطة اسلامية.

ومن شأن تحقيق فوز حاسم في الانتخابات المحلية أن يقوي قبضة الحزب على السلطة ويعطيه دفعة لمواصلة سياساته بما في ذلك التعهد باصلاح الدستور المستلهم من الجيش وهي مسألة أساسية لمسعى أنقرة للانضمام لعضوية الاتحاد الاوروبي.

لكن مخاوف من أن البلاد تنزلق الى الكساد نتيجة للازمة الاقتصادية العالمية والبطالة المتزايدة ومزاعم بالفساد كلها تمثل تحديات جديدة لحزب العدالة والتنمية ذي الجذور الاسلامية.

ومن المتوقع أن يحتل حزب العدالة والتنمية الذي ظهر في انتخابات عام 2002 كائتلاف من المتدينين والمنتمين الى يمين الوسط والقوميين المركز الاول على المستوى الوطني بسهولة. ولا تتمتع المعارضة بالكثير من المصداقية وتفتقر الى القدرة على الوصول الى المدى الجغرافي الذي يغطيه حزب العدالة والتنمية.

والفشل في الحصول على نسبة من الاصوات تضاهي نسبة 47 في المئة التي فاز بها الحزب في الانتخابات البرلمانية عام 2007 او في الفوز بمدن مثل ازمير معقل حزب الشعب الجمهوري العلماني المعارض قد يصيب الحكومة بالشلل في البلاد التي تتسم بالقطبية.

في ديار بكر يخوض حزب العدالة والتنمية صراعا على الاصوات ضد حزب المجتمع الديمقراطي الموالي للاكراد. وقال مستشار لاردوغان "يجب أن نفوز بديار بكر حيث ان حل المسألة الكردية أساسي لاستقرار تركيا."

وحصل حزب العدالة والتنمية - الذي كان ينظر اليه ذات يوم على أنه دخيل على السياسة الكردية التي تدار بأسلوب الضيعة الشخصية - على اكبر عدد من الاصوات في الاقاليم الكردية في انتخابات عام 2007 اعتمادا على وعود بتوسيع نطاق الحقوق للاقلية الكردية وتحقيق الرخاء الاقتصادي. لكن حزب العدالة والتنمية يعتقد أنه اذا أزاح حزب المجتمع الديمقراطي من معقله ديار بكر سيعطي هذا الحكومة اليد العليا في حل الصراع الكردي المستمر منذ عقود من الزمن.

وقتل نحو 40 الف شخص منذ عام 1948 حين حمل حزب العمال الكردستاني السلاح حيث كان يتطلع الى اقامة وطن عرقي للاكراد.

وقال دوجو ارجيل خبير الشؤون الكردية "بالنسبة لحزب العدالة والتنمية يعني الفوز بديار بكر نهاية التمرد الكردي. ويعتقد حزب العدالة والتنمية أن السبيل لتطبيع الجنوب الشرقي سيكون من خلال الاستثمار وتحسين مستويات المعيشة."

ودعمت الحكومة الانفاق الاجتماعي والمساعدات للفقراء ويقول منتقدون ان هذا يفسر تباطؤ انقرة بشأن اتفاق للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي والذي يأتي بطبيعة الحال مع وضع حدود للانفاق.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 24/شباط/2009 - 28/صفر/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م