(الصحة تاج على رؤوس الأصحاء) – مقولة عربية قديمة –

عممت منظمة الصحة العالمية التابعة لهيئة الأمم المتحدة تقريرها السنوي لهذا العام 2002م قبل أيام، الذي دعت فيه إلى ضرورة الحد من الأخطار الصحية، والتشجيع على مزاولة السلوك الصحي الجيد. وفتح التقرير آفاقاً بإمكانية التمتع بحياة صحية أفضل على المستوى الاجتماعي في العالم، إذ حدد أهم الأخطار الصحية المحدقة بحياة الإنسان المعاصر، آخذاً بالاعتبار التأثيرات الحالية بجانبها السلبي والإيجابي في كل منطقة من مناطق الكرة الأرضية وأعطى التقرير المعزز بالأمثلة العملية أفضل الطرق من أجل الظفر بحياة صحية، تحد من مسببات الإصابة بالأمراض التي تؤدي إلى الوفاة، وتطرق التقرير من بين ذلك إلى كيفية إقلال كلف تنفيذ التعليمات الورادة فيه التي يمكن تطبيقها بيسر حتى في أشد البلدان فقراً.

وتمشياً مع التوجهات الطبية التي أشار لها تقرير منظمة الصحة العالمية أفاد الدكتور هارلم بروندتلاند) المدير العام للمنظمة: (ستعمل منظمة الصحة العالمية وفق هذا التقرير وتركز على أفضل سبل المعالجة الملائمة لكل بلد وفق ظروفه وفي نفس الوقت فإن المنظمة تسعى للحصول على المعلومات اللازمة من الدول الأعضاء).

وتوصل تقرير منظمة الصحة العالمية بعد دراسة أكثر من (25) حالة من الأخطار الرئيسية التي يمكن الحد منها، إلى أن المخاطر الصحية العشرة التي تأتي في طليعة الأسباب التي تقف وراء تراجع الوضع الصحي عند الأفراد، هي:

1- نقص الوزن خلال فترة الحمل والطفولة.

2- ممارسة الجنس بشكل غير مأمون.

3- ارتفاع ضغط الدم.

4- التدخين.

5- الكحول.

6- المياه الملوثة.

7- عدم مراعاة متطلبات الصحة العامة في النظافة.

8- ارتفاع الكوليسترول.

9- الدخان الناتج عن مواد الوقود الصلبة.

10- نقص الحديد في الجسم، والوزن الزائد (السمنة).

وإذ يلاحظ أن المسببات العشرة الآنفة الذكر للإصابة بأمراض خطيرة، تعبر عن جوانب من الوضع الصحي على المستوى العالمي، فقد أشار التقرير المذكور أن الحالات المدرجة آنفاً تتسبب بصورة إجمالية في حوالي (40%) من عدد الوفيات البالغ (56) مليون إنسان سنوياً في العالم، كما تسبب خسارة كبيرة في عدد سنوات الحياة الصحية عالمياً إذ تبلغ (ثلث) سنوات العمر بالنسبة لأولئك الذين يعانون من الإصابة بتلك الحالات، حيث يتبين أن هذه الأخطار تلعب دوراً أكبر نسبياً مما كان يعتقد في الماضي، ولعل هذا ما دعا منظمة الصحة العالمية أن تصف التباين القائم بين الأغنياء والفقراء بـ (المروع).

وفي التفاصيل أوضح تقرير منظمة الصحة العالمية أن الأعباء الناجمة عن عدد من الأخطار الصحية القائمة كيفما احتسبت فإنها تقع على كاهل الحكومات في البلدان النامية، وأوضح التقرير: (إن هناك حوالي (170) مليون طفل في البلدان النامية "التي سماها التقرير بـ الفقيرة" يعانون من نقص الوزن والسبب الرئيسي يعود إلى نقص التغذية، في حين أن أكثر من (1000) مليون نسمة من البالغين في العالم وبالذات في البلدان المتوسطة والمرتفعة الدخل على السواء، يعانون من زيادة في الوزن أو من مرض السمنة) وأشار التقرير أيضاً أن هناك حوالي (نصف) مليون شخص في أمريكا الشمالية (أي كندا بصورة رئيسية) وأوربا الغربية يموتون كل سنة نتيجة أمراض لا علاقة لها بالوزن الزائد أو السمنة).

وتحذر منظمة الصحة العالمية في تقريرها السنوي من أنه ما لم تبادر الدول إلى العمل السريع للحد من الأخطار المشار لها، فإن عدد الوفيات التي يسببها التدخين سيرتفع حتماً ليصل إلى (9) ملايين شخص في سنة 2020م بدلاً من (5) ملايين حالياً. هذا في حين بشرت المنظمة بأن مدة الحياة الصحية للفرد يمكن زيادتها بمعدل (16) سنة في مناطق أفريقيا حيث يبلغ متوسط الحياة الصحية الآن زهاء (37) سنة (في ملاوي مثلاً) ويتوقع التقرير بأن هناك إمكانية لزيادة مدة الحياة الصحية للفرد بمعدل لا يقل عن (5) سنوات ممكنة التحقيق، حتى في البلدان المتقدمة الأغنى، كبلدان أوربا والولايات المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا واليابان.

وحول ضرورة تحقيق توازن أفضل في توظيف الجهود الطموحة للحد من الإصابة بالأمراض وتلافي معالجة العواقب المتأتية نتيجة الإصابة بها يقول الدكتور (كريستوفر موراي) المدير التنفيذي للبرنامج العالمي، الذي تقوم به منظمة الصحة العالمية حول جمع المعلومات اللازمة لوضع سياسة صحية ناجعة: (لا يمكن أن يحصل هذا إلا بالعمل المركز لتحديد الأخطار الصحية الرئيسية، والعمل على معالجتها والحد منها).

لقد استخدمت منظمة الصحة العالمية نظاماً فريداً ومتطوراً أثبتته البراهين العلمية من أجل تبيان درجة تأثير مختلف الأخطار الصحية على خسارة سنين الحياة الصحية واعتمد هذا النظام على وحدة مشتركة سماها (DALY) أي (تحديد سنة من حياة العجز الصحي) وهذه الوحدة تأخذ بالاعتبار تأثير الأخطار الصحية المختلفة على نسبة الوفيات من جهة وعلى معدل ارتفاع الحالات المرضية من جهة أخرى. وقد اعتبرت هذه الوحدة DALY بمثابة معنى يشير لخسارة سنة من الحياة الصحية.

ومن الأرقام الإحصائية التي وثقها تقرير منظمة الصحة العالمية: (أن متوسط العمر المتوقع للفرد في اليابان هو (84.7) سنة للنساء و(77.5) سنة للرجال، مقابل متوسط عمر حياة صحية متوقعة تبلغ (73.6) سنة للرجال والنساء على حد سواء).

ومما أفاد به التقرير المذكور أنه قسم جغرافية الكرة الأرضية إلى (14) منطقة مختلفة وفقاً لتطور الأوضاع الصحية، إذ حلل التقرير أهم الأخطار الصحية في كل منطقة من المناطق، والزيادة الممكن تحقيقها على مدة الحياة الصحية للفرد، إضافة لتحديد تنوع مسببات الأخطار المؤدية إلى مفارقة الحياة.

وحول ما ينبغي أن يكون عليه المشهد الصحي في العالم، فقد صرح الدكتور موراي: (تفاجأنا من مدى الفوائد الصحية التي يمكن أن نجنيها إذا ما تبنت الحكومات والدوائر الصحية العالمية أن يكون نشر هذا التقرير هدفاً أساسياً تسعى إليه جميع الدول الأعضاء) ويعتبر تصريح موراي بمثابة دعوة إنسانية مفتوحة لكل الدول التي تضع في اعتبارها الأول خدمة مجتمعاتها صحياً وحياتياً.

وفي هذا الصدد  حذر تقرير جديد حول حالة التطعيم العالمي صادر عن منظمة الصحة العالمية وصندوق الأمم المتحدة للطفولة  والبنك الدولي، أنه ما لم ‏‏تتخذ اجراءات عاجلة و استراتيجية لسد الفجوة في التمويل والأبحاث والتطعيم في كل أنحاء العالم فان العالم سيشهد ظهور أمراض قديمة من جديد. ‏   

‏ وأكد التقرير أنه رغم أن التطعيم كان السبب في انقاذ البلايين من البشر في ‏القرن الماضي وكان أرخص الطرق للسيطرة على انتشار الأمراض المعدية الا أن التطعيم ‏لا يصل الى الشعوب التي تحتاجه. ‏   

‏ وقال التقرير أن الأطفال في الدول المتقدمة يتمتعون الآن بتوفر الأمصال التي ‏تقوم بحمايتهم من أمراض الأطفال مثل التهاب الكبد الوبائي (الصفراء) والأنفلونزا المستدامة والحصبة الألمانية. ‏

وأوضح التقرير أن التطعيم يصل الى نصف الأطفال في منطقة افريقيا جنوب الصحراء الغربية أما في المناطق الفقيرة في الدول النامية فان التطعيم يصل الى طفل من بين ‏عشرين طفلا. ‏   

‏ يذكر أن الحصبة من الأمراض القاتلة للأطفال فهي تقتل سنويا 700 ألف طفل. ‏   

‏ كما يشير التقرير الى أن المساعدات الخارجية في اطار توفير الأمصال للدول النامية تبلع مليار و نصف مليار دولار سنويا. ‏   

‏ ويؤكد التقرير أنه في حالة استثمار مبلغا اضافيا يبلغ 250 مليون دولار في ‏توفير الأمصال للتطعيم فان ذلك من شأنه أن ينقذ حياة 10 ملايين طفل في حين يؤدي ‏استثمار 100 مليون دولار الى توفير أمصال حديثة لمعالجة الصفراء من نوع ب. ‏   

‏ يذكر أن "الصفراء ب" مرض يقتل سنويا 520 ألف نسمة بينما تقتل الأنفلونزا ‏المستدامة من نوع ب 450 ألف طفل في الدول النامية. ‏   

‏ويشير التقرير الى أنه في الدول ذات الدخل الضعيف فان 6 دولارات فقط ‏ تنفق على رعاية صحة الانسان بما في ذلك التطعيم ضد الأمراض. ‏   

‏ وأكد التقرير أنه في هذه الدول فانه لا يمكن زيادة معدلات التطعيم بغير تحسين ‏النظم الصحية و تدعيم البنية الأساسية للخدمات الصحية و تطوير القدرات الادارية. ‏   

‏ ويشير التقرير الى أن الفجوة اتسعت ما بين الدول المتقدمة و الدول النامية فلم ‏يعد في مقدور الدول النامية والأقل دخلا من الحصول على الأمصال الحديثة ضد ‏‏الصفراء  والأنفلونزا المستدامة والحمى الصفراء والحصبة الألمانية. ‏   

‏ ولا توفر الدول النامية الامكانات الخاصة بتجربة الأمصال فعلى سبيل المثال وليس الحصر فان أحد الأمصال ضد مرض فقدان المناعة لم تتم تجربته الا في مختبر واحد في افريقيا القارة التي يعاني 70 في المائة من سكانها من المرض القاتل. ‏   

‏ ويطالب التقرير بتوفير أمصال حديثة ضد الملاريا و السل حيث تقتل الملاريا ‏سنويا مليون شخص معظمهم من الأطفال الأفارقة في حين قتل السل مليون و سبعمائة ألف ‏‏نسمة في عام 2000 . ‏   

‏ ومن بين 8 ملايين حالة سل في العالم سنويا فاصابات الدول الصناعية لا تتجاوز ‏‏130 ألف اصابة سنويا. ‏   

‏ ويؤكد التقرير أن السل في حاجة الى مصل جديد لأن المصل الحالي يمنح المناعة ‏حتى البلوغ وليس حتى نهاية العمر.